كابل تستعيد عاصمة إقليمية من «طالبان»

اتهامات للحركة بتهجير سكان قسراً في شمال أفغانستان

TT

كابل تستعيد عاصمة إقليمية من «طالبان»

استعادت القوات الحكومية الأفغانية السيطرة على عاصمة إقليم في غرب البلاد كانت «طالبان» قد اقتحمتها، الأربعاء، وإنه تم نشر مئات من الجنود في المنطقة، لكن القتال ما زال دائراً على مشارف مدينة قلعة نو عاصمة إقليم بادغيس على الحدود مع تركمانستان، حسب وزارة الدفاع الأفغانية أمس (الخميس). وقال فؤاد أمان، المتحدث باسم الوزارة: «المدينة عادت بالكامل لسيطرتنا وننفذ عمليات ضد (طالبان) على مشارف المدينة». وقالت الوزارة إن 69 من «طالبان» قتلوا في العمليات الجارية على مشارف قلعة نو، وهي أول عاصمة إقليمية رئيسية تدخلها «طالبان» في أحدث هجوم لها. وكان مقاتلو «طالبان» قد سيطروا، الأربعاء، على مبانٍ رئيسية بالمدينة، منها مقار للشرطة، في إطار تقدمهم السريع مع انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان. ويحقق مقاتلو «طالبان» مكاسب على الأرض منذ أسابيع، لكن هجماتهم تسارعت مع انسحاب الولايات المتحدة من قاعدتها الرئيسية في أفغانستان منهية فعلياً تدخلاً بدأ منذ الإطاحة بحكومة «طالبان» في 2001.
وقالت وزارة الدفاع الأفغانية على «تويتر» إن القوات الحكومية صادرت كذلك كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر من «طالبان». وتخضع بقية مناطق إقليم باغيس لسيطرة «طالبان». ويقول مسؤولون أمنيون غربيون إن الحركة سيطرت على أكثر من 100 منطقة في أفغانستان، وتقول «طالبان» إنها تسيطر على 200 منطقة في 34 إقليماً أي ما يزيد على نصف مساحة البلاد. وما زالت المدن الرئيسية وعواصم الأقاليم تحت سيطرة الحكومة. ومن المتوقع أن يعلق الرئيس الأميركي جو بايدن على قرار سحب قواته من أفغانستان، الذي أثار انتقادات ومخاوف من اندلاع حرب أهلية هناك.
واتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» حركة «طالبان» بإخراج السكان من بيوتهم في شمال أفغانستان، مضيفة أن الحركة المسلحة قامت بنهب أو إحراق بعض المنازل. وذكرت المنظمة غير الحكومية، الأربعاء، أن سكاناً في باغ شركت في ولاية قندوز تلقوا إنذاراً صوتياً من المتمردين في نهاية يونيو (حزيران) يطلب منهم مغادرة منازلهم خلال ساعتين «حفاظاً على سلامتهم». وأضافت «هيومن رايتس ووتش» أن سكاناً جرى الاتصال بهم هاتفياً قالوا إن نحو 600 أسرة اضطرت لمغادرة المدينة وإن مقاتلي «طالبان» هددوا الأشخاص الذين دعموا الحكومة الأفغانية وبعض هؤلاء المقاتلين نهبوا منازل وأحرقوها. وقالت باتريسيا غوسمان مديرة قسم آسيا في «هيومن رايتس ووتش» إن «انتقام (طالبان) من مدنيين يشتبه في دعمهم هو تحذير ينذر بالسوء بشأن مخاطر حدوث أعمال وحشية في المستقبل». وأضافت، كما نقلت عنها وكالة «رويترز»، أن «قادة (طالبان) يمتلكون السلطة لمنع جنودهم من ارتكاب هذه الانتهاكات لكنهم لم يظهروا بعد أنهم يعتزمون القيام بذلك». وأشارت المنظمة خصوصاً إلى شهادة أرملة تبلغ من العمر 45 عاماً. وذكرت هذه السيدة: «قالوا (طالبان) إن عليّ المغادرة لأننا ساعدنا الكفار». وأضافت: «كنت أعيش في تلك القرية منذ عشرين عاماً والآن أعيش في فيض آباد في خيمة».
وتكثف هجوم المتمردين مع مواصلة القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي انسحابها من أفغانستان وسحب الدعم الحاسم من الجيش الأفغاني. ويفترض أن يغادر آخر الجنود الأميركيين البلاد بحلول نهاية أغسطس (آب).
وفي سياق متصل، قالت وزارة الدفاع التركية إن وزيري الدفاع التركي خلوصي أكار والأميركي لويد أوستن عقدا يوم الأربعاء «اجتماعاً بناء وإيجابياً»، لبحث خطة لتركيا لإدارة وحراسة مطار كابل بعد انسحاب حلف شمال الأطلسي من أفغانستان.
وعرضت أنقرة إدارة المطار وحراسته بعد انسحاب حلف شمال الأطلسي، وتجري محادثات مع الحلف، وبالتحديد الولايات المتحدة، بشأن الدعم المالي والسياسي واللوجستي. وتأمين المطار أمر ضروري لعمل البعثات الدبلوماسية في أفغانستان بعد الانسحاب. وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، في بيان، إن أوستن وأكار ناقشا انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، و«جددا التأكيد على أهمية توفير الأمن الملائم» بالمطار. وأضافت أنهما اتفقا على التحدث مرة أخرى في المستقبل القريب.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟