«قلتلّك خلص» لإيلي خليفة كوميديا عفوية تنعش قلب مشاهدها

ينقل غرابة الأشخاص والمواقف إلى الشاشة الذهبية

المصحح: علي أبوزيد
المصحح: علي أبوزيد
TT

«قلتلّك خلص» لإيلي خليفة كوميديا عفوية تنعش قلب مشاهدها

المصحح: علي أبوزيد
المصحح: علي أبوزيد

أحياناً، نصادف أشخاصاً أو مواقف لا نتوانى عن نعتها بالغرابة، فنردد في أعماقنا كلمة «غريب» تلقائياً، إذ لا نعرف تقديم وصف حقيقي لما رأيناه.
في فيلم «قلتلّك خلص»، لكاتبه ومخرجه ومنتجه وبطله إيلي خليفة، تتجلى الغرابة بكل ما في الكلمة من معنى، فهو يقلب مقاييس القصة السينمائية، وبدل أن يدور في فلك المعتاد، يأخذنا في مشوار يعتمد على الغرابة.
منذ المشاهد الأولى، نبدأ بملامسة الكوميديا التي تسود الفيلم، المرتكزة على غرابة في تصرف شخصياته، لا سيما عند بطله. فهذا الأخير ينوي تصوير فيلم سينمائي، تسكنه عدة أفكار ومحاور وشخصيات لا يعرف كيف يترجمها أمام الكاميرا.
يعلق إيلي خليفة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نعيش في بلد غير طبيعي! وعندما ننظر إلى أنفسنا، أو ننظر حولنا، ندرك أننا لسنا طبيعيين. صحيح أن شخصيات فيلمي جميعها غير اعتيادية، لكنها تعكس حالتنا جميعاً. ففي بلدنا، لا يمكننا أن ننجز أي عمل ونصل إلى خواتيمه؛ هناك دائماً عوائق نصادفها، تجعلنا نمر بمحطات عدة قبل تنفيذ مهمتنا. وهذه هي قصة الفيلم، فبطله يحاول إنجاز فيلم سينمائي، لكن أفكاره المتداخلة وشخصياته التي تسكنه تستوقفه أكثر من مرة، فيعيد خلط أوراقه ويبدأ من جديد. يتخبط الرجل بين علاقاته الطبيعية والمتخيلة في آن، فيسرد حكاية مخرج قلق لعدم تمكنه من إنجاز فيلمه».
مجموعة من الممثلين تعاون معهم خليفة لترجمة أفكاره وتصرفات أبطال فيلمه؛ نشاهد طلال الجردي، وإلياس الزايك، وروان حلاوي، وغيرهم من الممثلين الذين استعان بهم خليفة، وتعلم منهم الكثير، إذ يقول: «اختياري للممثلين اعتمد على كركتير خاص عليه أن يجسده في الفيلم؛ جميعهم محترفون لم تأتِ مشاركتهم في الفيلم بناء على (كاستينغ) مسبق، ولا على قاعدة تمرينات حثيثة. كنت ألتقي بأحد الأصدقاء الممثلين، ويسألني عن فرصة تمثيل في أحد أعمالي، فلا أتوانى عن أخذ موعد منه للتصوير، بحيث كانت كاميرتي تدور مرة في الشهر؛ أخذت وقتي في تنفيذ العمل، ولم أكن مستعجلاً، بل رغبت في حياكة فيلمي على طريقتي، ومن دون تسرع. وقد تعلمت الكثير، إن على المستوى التقني أو التمثيلي، ووجدت أنه من الرائع العمل في مجال التمثيل، فهي مهنة جميلة تخرجنا من عالمنا، ومن ذواتنا، فنشعر بالتحرر من قيود كثيرة».
وإلى أي مدى هذه الغرابة السائدة في الفيلم تعكس شخصية خليفة؟ يرد في سياق حديثه: «خضت تجارب كثيرة في مهنتي، منتجاً ومخرجاً، تخللها كثير من الغرابة، وترجمتها في فيلمي، فهي في النهاية مهنتي».
ينجح خليفة في رسم الابتسامة على شفاه المشاهد، ودفعه أحياناً إلى الضحك. فأداؤه التمثيلي شبهه الحاضرون للفيلم بممثلين كوميديين عدة، بالأخص الفرنسي بيار ريشار. وضمن عرض أول للفيلم في صالة «مونتاين» السينمائية التابعة للمعهد الثقافي الفرنسي، شاهد الحضور فيلماً سينمائياً مجبولاً بالكوميديا يدور في أجواء غامضة.
وقد تأثر خليفة بأساليب ممثلين ومخرجين كوميديين، أمثال ناني موريتي وكوريسماكي وجاك تاتي، إذ يعلق: «جميعهم من أصحاب الكوميديا الدقيقة القوية معاً. الكوميديا صعبة جداً، يلزمها كثير من التأني، لأنها توصلنا إلى الفشل لو بالغنا فيها، وإلى عدم الضحك في حال لم نتناولها على المستوى المطلوب. كما أنه من الصعب إيجاد تمويل لهذا النوع من الأفلام، فقد كتبته وأنتجته وأخرجته ومثلت فيه، مستحدثاً المساحة والوقت اللذين احتاج إليهما من دون قيود».
ولكن إلى أي مدى أنت راضٍ عن هذا الفيلم؟ يرد خليفة: «عندما قررت تنفيذه، هو من أمسك بيدي، وأخذني إلى المحلات والأماكن التي يريدها، هو من يتنقل اليوم بين المهرجانات السينمائية الدولية، وأنا أتفرج عليه وهو يتحرك هنا وهناك. لقد فتح لي الطريق للقيام بمغامرة خاصة. شعرت أني أقوم بمجازفة كبيرة، لذلك قررت المضي به إلى النهاية. وقد استغرق تصويره أشهراً طويلة، لكنني استمتعت بالتجربة إلى حد كبير».
إضافة إلى الموسيقى التي ترافق مشاهد الفيلم، ومدته نحو 90 دقيقة، تلفتك كادرات الطبيعة التي استخدمها خليفة مرات كثيرة لوضع الحس الفكاهي على المحك، حيث يقول: «تنقلت في مناطق كثيرة، بينها بلدات ميفوق وبجي، وحتى في بيروت. وخصصت وقتاً لعملية الكاستينغ الخاصة بالمواقع، فأنا مصور فوتوغرافي بطبيعتي، أحب إعطاء الصورة حيزاً في فيلمي. مرات استخدمت هذه المساحات لتساعدني في إيصال رسالة كوميدية، ومرات أخرى كانت مكملة لموقف تمثيلي».
ويبدأ عرض فيلم «قلتلّك خلص» في صالات السينما يوم الـ8 من يوليو (تموز) الحالي، وهو من الأفلام التي سيسافر معها مشاهدها إلى عالم بعيد كل البعد عن همومه ومشكلاته، ليرفِّه عن نفسه.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».