«تدوير الفساد» في سوريا تحت لافتة الإصلاح الإداري

بضغط روسي... الأسد يفعّل مشروعاً يمس حاضنته الأقوى

إطلاق مقهى في دمشق على نسق مقهى مسلسل «فريندز» الأميركي (رويترز)
إطلاق مقهى في دمشق على نسق مقهى مسلسل «فريندز» الأميركي (رويترز)
TT

«تدوير الفساد» في سوريا تحت لافتة الإصلاح الإداري

إطلاق مقهى في دمشق على نسق مقهى مسلسل «فريندز» الأميركي (رويترز)
إطلاق مقهى في دمشق على نسق مقهى مسلسل «فريندز» الأميركي (رويترز)

حالة من الاضطراب والقلق تصيب أوساط العاملين في وزارات وإدارات النظام السوري، مع بدء العمل في مشروع الإصلاح الإداري الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد في مايو (أيار) الماضي، بالتوازي مع الانتخابات الرئاسية، بهدف «ترشيق» الإدارات وتقليل النفقات والحد من الهدر.
وقالت مصادر خاصة في دمشق لـ«الشرق الأوسط» إن «مشروع الإصلاح الإداري ليس بالجديد، فقد أطلقه الرئيس بشار الأسد عام 2017، ثم توقف لعدم إمكانية المضي في تطبيقه في ظل الحرب. غير أنه عاد وطرحه قبيل الانتخابات؛ بشكل مفاجئ أربك الوزارات التي وجدت نفسها في مواجهة مع فرق الإصلاح الإداري التي شكلتها وزارة التنمية الإدارية، تحت شعارات روجها الإعلام الرسمي بأن (الإصلاح الإداري باتجاه الإصلاح الاقتصادي)».
مصادر خاصة في دمشق قالت إن الأسد «اتخذ هذه الخطوة وهو يعي تماماً خطورتها وصعوبة تنفيذها؛ إذ يعدّ مجتمع الموظفين الحكوميين، الحاضنة الأقوى للنظام، والمساس بها بإرباكها، يهدده بشكل مباشر. لذلك؛ يتم الطرح أن الإصلاح الإداري لا يهدف إلى تقليل فائض العاملين الضخم؛ وإنما إعادة تسمية الوظائف وتقليل عدد المديريات. وقد أعاد الأسد تفعيل الإصلاح الإداري تحت ضغط الجانب الروسي الذي يعمل على إعادة تدوير وتجميل (نظام الأسد)، لكن الواقع يشير إلى عملية (تدوير للفساد)».
يذكر أن سوريا تحتل المرتبة الـ178 من أصل 180 في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2020؛ إذ تعدّ سوريا الثالثة بعد الصومال وجنوب السودان في هذا التقييم.
يذكر أن مشروع الإصلاح الإداري سبق أن أعلن عنه الأسد منتصف عام 2017 بوصفه مشروعاً وطنياً «بهدف تطوير الأداء الإداري والعمل المؤسساتي للوزارات والهيئات والمؤسسات العامة ومكافحة الخلل الإداري بكل جوانبه»؛ حسب الإعلام الرسمي الذي بيّن أنه يقوم على وضع هيكليات إدارية للمؤسسات الحكومية، ووضع توصيف وظيفي للعاملين، وتحديث الإجراءات الإدارية. إلا إنه خلال 4 سنوات لم يطرأ على المشروع أي تقدم ملموس، سوى تدخل وزارة التنمية الإدارية المحدثة عام 2014 في عمل كل الوزارات ووضع شروط لتعيين الموظفين، حتى مايو (أيار) الماضي. وبالتزامن مع حملة الانتخابات الرئاسية؛ أعيد تفعيل المشروع وطلب من الوزرات تقديم رؤيتها للإصلاح الإداري وإعادة الهيكلة خلال 60 يوماً، بمعنى إعادة تقييم عمل المديريات ودمج المتداخل منها وتقليل عددها.
وتقول المصادر إن الأمر أحدث بلبلة وقلقاً في أوساط كبار الموظفين من مديرين ومعاونين؛ «إذ وجد كثير منهم أنفسهم مهددين بفقد امتيازات مواقعهم الوظيفية، باعتبارها تتيح مورد رزق (براني)» أي «غير مشروع؛ يكبر ويصغر حسب الدرجة الوظيفية»، وهذا هو سر «الإعجاز السوري»؛ «إذ يتقاضى الموظف شهرياً نحو 60 ألف ليرة (30 دولاراً أميركياً) وينفق 600 ألف ليرة، وهي معادلة بدأت منذ عقود، عندما أتاح النظام للموظف تقاضى الرشوة، لترميم الفجوة بين الإنفاق والراتب، دون تشريع ذلك قانوناً، بمعنى دفع رواتب الموظفين من جيوب السوريين».
يذكر أنه منذ تسلم عائلة الأسد السلطة قبل 5 عقود، عُدّ الحصول على وظيفة حكومية «منحة». وبعد أحداث الثمانينات الدامية، أصبحت الوظيفة مكافأة على الولاء للنظام، وخلال سنوات الحرب العشر الأخيرة التي شهدت إقصاء العاملين غير الموالين بموجب قانون مكافحة الإرهاب، أصبحت الوظيفة الحكومية «تعويضاً عن القتال إلى جانب النظام، فالأولوية لذوي شهداء النظام والمسرحين من قواته». بحسب المصادر، فقد رأت في إعلان النظام تطبيق الإصلاح الإداري، بهدف «تقليل النفقات ومكافحة الفساد، سيؤدي إلى نشوب صراع بارد داخل الإدارات الحكومية على المكاسب والامتيازات، بما ينذر بمزيد من الفوضى والخراب الإداري»، لافتة إلى أن هذا «المشروع لم ينل استحسان كبار المسؤولين في الدولة لعدم جدواه، بل قد يؤدي إلى نتائج سلبية بسبب تغول الفساد الإداري».
وشهدت دمشق الأسبوع الماضي اختتام أعمال مؤتمر أول للإصلاح الإداري استمر 10 أيام، بمشاركة جميع الوزرات والجهات المعنية، تحت عنوان: «إدارة فعالة... نحو مؤسسات ديناميكية». وخرج بجملة توصيات لاقت كثيراً من الانتقادات؛ أبرزها، تجاهل مشكلة هجرة الشباب المتعلم والكفاءات، بسبب ملاحقة شعبة التجنيد العامة معظم الشباب السوري والاحتفاظ بالاحتياط وطول مدة «خدمة العلَم» الإلزامية، وأيضا عدم واقعية التوصية الخاصة بجذب الاختصاصات النوعية، بسبب تدني الرواتب التي تبدأ من 50 ألف ليرة أي أقل من 20 دولاراً في الشهر، في حين أن يومية العامل الحرفي 30 ألفاً أي 10 دولارات يومياً. فلكي يتم استقطاب الشباب وذوي الكفاءات يجب توفير الشروط اللازمة لتحقيق ذلك؛ وهذا ما لم يتطرق إليه المؤتمر. كما استغرب المحامي عارف حشر، توصية تخص فصل إدارة التفتيش القضائي عن سلطة وزير العدل، فيما هذا من اختصاص الإصلاح الدستوري؛ إذ «ليس من وظيفة إحدى وزارات السلطة التنفيذية التدخل أو تحديد مهام سلطة أخرى، كما أن تفتيش القضاة من أخص أعمال السلطة القضائية» حسب ما عبر عنه حسابه في «فيسبوك».



إحالة مسؤولَين يمنيَين إلى المحكمة بتهمة إهدار 180 مليون دولار

الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
TT

إحالة مسؤولَين يمنيَين إلى المحكمة بتهمة إهدار 180 مليون دولار

الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية التزمت بمحاربة الفساد واستعادة ثقة الداخل والمانحين (إعلام حكومي)

في خطوة أولى وغير مسبوقة للحكومة اليمنية، أحالت النيابة العامة مسؤولَين في مصافي عدن إلى محكمة الأموال العامة بمحافظة عدن، بتهمة الإضرار بالمصلحة العامة والتسهيل للاستيلاء على المال العام، وإهدار 180 مليون دولار.

ووفق تصريح مصدر مسؤول في النيابة العامة، فإن المتهمَين (م.ع.ع) و(ح.ي.ص) يواجهان تهم تسهيل استثمار غير ضروري لإنشاء محطة طاقة كهربائية جديدة للمصفاة، واستغلال منصبيهما لتمرير صفقة مع شركة صينية من خلال إقرار مشروع دون دراسات جدوى كافية أو احتياج فعلي، بهدف تحقيق منافع خاصة على حساب المال العام.

«مصافي عدن» تعد من أكبر المرافق الاقتصادية الرافدة للاقتصاد اليمني (إعلام حكومي)

وبيّنت النيابة أن المشروع المقترح الذي كان مخصصاً لتوسيع قدرات مصافي عدن، «لا يمثل حاجة مُلحة» للمصفاة، ويشكل عبئاً مالياً كبيراً عليها، وهو ما يعد انتهاكاً لقانون الجرائم والعقوبات رقم 13 لعام 1994. وأكدت أن الإجراءات القانونية المتخذة في هذه القضية تأتي ضمن إطار مكافحة الفساد والحد من التجاوزات المالية التي تستهدف المرافق العامة.

هذه القضية، طبقاً لما أوردته النيابة، كانت محط اهتمام واسعاً في الأوساط الحكومية والشعبية، نظراً لحساسية الموضوع وأهمية شركة «مصافي عدن» كأحد الأصول الاستراتيجية في قطاع النفط والطاقة في البلاد، إذ تُعد من أكبر المرافق الاقتصادية التي ترفد الاقتصاد الوطني.

وأكدت النيابة العامة اليمنية أنها تابعت باستفاضة القضية، وجمعت الأدلة اللازمة؛ ما أدى إلى رفع الملف إلى محكمة الأموال العامة في إطار الحرص على تطبيق العدالة ومحاسبة المتورطين.

ويتوقع أن تبدأ المحكمة جلساتها قريباً للنظر في القضية، واتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة بحق المتهمين، إذ سيكون للحكم أثر كبير على السياسات المستقبلية الخاصة بشركة «مصافي عدن»، وعلى مستوى الرقابة المالية والإدارية داخلها.

إصلاحات حكومية

أكد رئيس مجلس الوزراء اليمني، أحمد عوض بن مبارك، أن صفقة الفساد في عقد إنشاء محطة كهربائية في مصفاة عدن قيمتها 180 مليون دولار، ووصفها بأنها إهدار للمال العام خلال 9 سنوات، وأن الحكومة بدأت إصلاحات في قطاع الطاقة وحققت وفورات تصل إلى 45 في المائة.

وفي تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي، ذكر بن مبارك أن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة ليست مجرد شعار بل هي نهج مستمر منذ توليه رئاسة الحكومة. وقال إن مكافحة الفساد معركة وعي تتطلب مشاركة الشعب والنخب السياسية والثقافية والإعلامية.

بن مبارك أكد أن الفساد لا يقتصر على نهب المال العام بل يشمل الفشل في أداء المهام (إعلام حكومي)

وقال إن حكومته تتعامل بجدية؛ لأن مكافحة الفساد أصبحت أولوية قصوى، بوصفها قضية رئيسية لإعادة ثقة المواطنين والمجتمع الإقليمي والدولي بالحكومة.

ووفق تصريحات رئيس الحكومة اليمنية، فإن الفساد لا يقتصر على نهب المال العام بل يشمل أيضاً الفشل في أداء المهام الإدارية، مما يؤدي إلى ضياع الفرص التي يمكن أن تحقق تماسك الدولة.

وأوضح أنه تم وضع خطة إصلاحية للمؤسسات التي شاب عملها خلل، وتم توجيه رسائل مباشرة للمؤسسات المعنية للإصلاح، ومن ثَمَّ إحالة القضايا التي تحتوي على ممارسات قد ترقى إلى مستوى الجريمة إلى النيابة العامة.

وكشف بن مبارك عن تحديد الحكومة مجموعة من المؤسسات التي يجب أن تكون داعمة لإيرادات الدولة، وفي مقدمتها قطاعات الطاقة والمشتقات النفطية؛ حيث بدأت في إصلاح هذا القطاع. وأضاف أن معركة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي «تتوازى مع معركة مكافحة الفساد»، وشدد بالقول: «الفساد في زمن الحرب خيانة عظمى».

تعهد بمحاربة الفساد

تعهد رئيس الوزراء اليمني بأن يظل ملف مكافحة الفساد أولوية قصوى لحكومته، وأن تواصل حكومته اتخاذ خطوات مدروسة لضمان محاسبة الفاسدين، حتى وإن تعالت الأصوات المعارضة. مؤكداً أن معركة مكافحة الفساد ليست سهلة في الظروف الاستثنائية الحالية، لكنها ضرورية لضمان الحفاظ على مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة والمساءلة.

ووصف بن مبارك الفساد في زمن الحرب بأنه «خيانة عظمى»؛ لأنه يضر بمصلحة الدولة في مواجهة ميليشيا الحوثي. واتهم بعض المؤسسات بعدم التعاون مع جهاز الرقابة والمحاسبة، ولكنه أكد أن مكافحة الفساد ستستمر رغم أي ممانعة. ونبه إلى أن المعركة ضد الفساد ليست من أجل البطولات الإعلامية، بل لضمان محاسبة الفاسدين والحفاظ على المؤسسات.

الصعوبات الاقتصادية في اليمن تفاقمت منذ مهاجمة الحوثيين مواني تصدير النفط (إعلام محلي)

وكان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة قد سَلَّمَ رئيس الحكومة تقارير مراجعة أعمال «المنطقة الحرة عدن»، وشركة «مصافي عدن»، و«المؤسسة العامة لموانئ خليج عدن»، وشركة «النفط اليمنية» وفروعها في المحافظات، و«مؤسسة موانئ البحر العربي»، والشركة «اليمنية للاستثمارات النفطية»، و«الهيئة العامة للشؤون البحرية»، و«الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية»، و«الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري»، والشركة «اليمنية للغاز مأرب»، إضافة إلى تقييم الأداء الضريبي في رئاسة مصلحة الضرائب ومكاتبها، والوحدة التنفيذية للضرائب على كبار المكلفين وفروعها في المحافظات.

ووجه رئيس الحكومة اليمنية الوزارات والمصالح والمؤسسات المعنية التي شملتها أعمال المراجعة والتقييم من قِبَل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالرد على ما جاء في التقارير، وإحالة المخالفات والجرائم الجسيمة إلى النيابات العامة لمحاسبة مرتكبيها، مؤكداً على متابعة استكمال تقييم ومراجعة أعمال بقية المؤسسات والجهات الحكومية، وتسهيل مهمة فرق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة للقيام بدورها الرقابي.

وألزم بن مبارك الوزارات والمؤسسات والمصالح والجهات الحكومية بالتقيد الصارم بالقوانين والإجراءات النافذة، وشدد على أن ارتكاب أي مخالفات مالية أو إدارية تحت مبرر تنفيذ التوجيهات لا يعفيهم من المسؤولية القانونية والمحاسبة، مؤكداً أن الحكومة لن تتهاون مع أي جهة تمتنع عن تقديم بياناتها المالية ونتائج أعمالها للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، لمراجعتها والعمل بشفافية ومسؤولية، وتصحيح كل الاختلالات سواء المالية أو الإدارية.

وكانت الدول المانحة لليمن قد طالبت الحكومة باتخاذ إجراءات عملية لمحاربة الفساد وإصلاحات في قطاع الموازنة العامة، وتحسين موارد الدولة وتوحيدها، ووقف الجبايات غير القانونية، وإصلاحات في المجال الإداري، بوصف ذلك شرطاً لاستمرار تقديم دعمها للموازنة العامة للدولة في ظل الصعوبات التي تواجهها مع استمرار الحوثيين في منع تصدير النفط منذ عامين، وهو المصدر الأساسي للعملة الصعبة في البلاد.