فتح طريق عدن ـ صنعاء ينتظر التزام الميليشيات

TT

فتح طريق عدن ـ صنعاء ينتظر التزام الميليشيات

من المنتظر أن يشرف رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر مورير، الذي يزور اليمن حالياً، على اتفاق جديد أُبرم منذ أيام بين الحكومة اليمنية والميليشيات الحوثية لإعادة فتح الطريق الرابطة بين ميناء عدن ومناطق سيطرة الميليشيات عبر محافظة الضالع، بعدما تسببت في تعطيل اتفاقين مشابهين تم إبرامهما بجهود من منظمات محلية والغرف التجارية والصناعية.
وأوضحت مصادر مشاركة في إعداد الاتفاق لـ«الشرق الأوسط» أنه وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على إجهاض الميليشيات الحوثية آخر اتفاق لفتح الطريق المؤدية من محافظة الضالع (جنوب) إلى محافظة إب (وسط اليمن)، عادت الميلشيات وأدخلت بعض التعديلات البسيطة على صيغة الاتفاق، بينما لم يقدم الجانب الحكومي أي اعتراض على تلك التعديلات وتم الاتفاق على البدء بتنفيذه خلال اليومين القادمين برعاية رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ويبدو أن الأوساط التجارية متفائلة: «ولكن بحذر بسبب ما عُرف عن ميليشيات الحوثي من التنصل من الاتفاقات في اللحظات الأخيرة»، حسب المصادر التي قالت إنه سيجري فتح الطريق المؤدية من مدينة الضالع إلى منطقة الفاخر على حدود محافظة إب، على أن تكون مخصصة خلال أول شهرين لمرور ناقلات البضائع وحسب، على أن يُسمح بعد ذلك للمسافرين باستخدام هذه الطريق الحيوية التي تربط ميناء عدن بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الميليشيات.
وقالت المصادر: «إذا سارت الأمور كما يتوقع الوسط التجاري فإن ذلك سيقلل من كلفة نقل البضائع بشكل كبير وفي المدة الزمنية التي تحتاج إليها الناقلات للوصول إلى صنعاء». وأضافت: «إن إغلاق الميليشيات الحوثية الطريق الرابطة بين محافظتي الضالع وإب كلّف التجار مبالغ طائلة، إذ ارتفعت أجور النقل بنسبة وصلت إلى 120%».
كما أن المسافة التي كانت تُقطع خلال ثلاثة أيام من عدن إلى صنعاء باتت تستغرق الآن ثلاثة أسابيع، لأن الناقلات تضطر إلى استخدام طرق التفاف بعيدة وضيقة، وذلك يتسبب في تلف الأدوية وبعض المواد الغذائية، كما يضيف زيادة في كلفة البضائع وبالتالي زيادة أسعارها في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية.
وذكر تقرير حديث وزّعه مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتزامن مع زيارة رئيسه إلى البلاد، أن النزاع الدائر منذ أكثر من نصف عقد من الزمن أنهك اليمنيين، وحوّل البلد إلى موطن لأكبر أزمة إنسانية في العالم. وأصبح الحصول على المياه والغذاء والخدمات الأساسية أشد صعوبة بالنسبة إلى معظم السكان.
اليمن واحد من أكثر البلدان معاناة من ندرة المياه في العالم، حيث تؤثر أزمة المياه على ملايين اليمنين يومياً. ولا تغطي شبكة أنابيب المياه سوى 30% من السكان. وتعاني البلاد من الأضرار وتحتاج إلى الصيانة في كثير من الأماكن. ويلجأ يومياً أكثر من 15 مليون شخص إلى طرق مكلّفة ومستهلكة للوقت في سبيل الحصول على ما يكفيهم من المياه.
وذكرت اللجنة أن الناس في عدد من المناطق، يضطرون إلى استخدام المياه الزراعية لأغراض الشرب والطهي والغسيل، ما يؤدي إلى إصابتهم بمشكلات صحية خطيرة. كما تزداد حدة انعدام الأمن الغذائي الشديد تفاقماً نتيجة لاستمرار النزاع، إذ يعيش معظم اليمنيين على وجبة واحدة في اليوم، وتزداد معدلات سوء التغذية لدى الأطفال.
وتشير تقديرات الصليب الأحمر إلى أن 20 مليون شخص لا يستطيعون في الوقت الراهن إيجاد أو شراء ما يكفي من المواد الغذائية في اليمن، مع معاناة 2.3 ملايين طفل وامرأة من سوء التغذية الحاد.
بالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن 80% من سكان اليمن، أو 24.1 مليون شخص من أصل 30.5 ملايين نسمة يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، مع وجود أكثر من 14 مليون شخص هم في أمسّ الحاجة إليها.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».