العراقيون يشكون سوء الاتصالات والإنترنت وغلاء أسعارها

TT
20

العراقيون يشكون سوء الاتصالات والإنترنت وغلاء أسعارها

يواجه العراقيون منذ سنوات طويلة تحديات عديدة تتعلق بالأمن والخدمات وتراجع فرص العمل، إلى سوء الإدارة والفساد المستشري في معظم مؤسسات الدولة، وفوق ذلك، يواجهون كذلك، قضية الغلاء المبالغ فيه بأسعار خدمة الإنترنت والاتصالات بشكل عام وضعف نوعيتها.
يقول محمد علي؛ العامل في مجال الاتصالات، لـ«الشرق الأوسط»: «غالباً ما تنقطع خدمة الإنترنت أو تكون ضعيفة جداً إلى جانب ارتفاع أسعارها، وهناك مشكلة سرقة الأطباق اللاقطة للخدمة». ويضيف أن «انقطاع النت أمر معتاد في الحقيقة، بالنسبة إليّ وإلى عموم العراقيين المشتركين في هذه الخدمة التي باتت ملحة وحاسمة بالنسبة للعاملين في قطاعات غير قليلة ارتبطت مهنها بهذا المجال الحيوي (الإنترنت)».
ويتابع علي: «في حالات الانقطاع عادة ما يتصل العراقيون بمزود الخدمة المحلي في الحي أو المنطقة الشعبية. وقبل يومين، انقطعت خدمة الإنترنت في المنزل الذي أسكنه مساءً، وبالفعل اتصلت بالشاب مزود الخدمة. أجاب الشاب الذي يعدّ نموذجاً للشاب الملتزم والناجح في عمله: (سأتحرى عن الأمر وأعود إليك)؛ أجابني، بكل أريحية، مثلما يفعل في كل مرة! اتصل الشاب لاحقاً وقال: (أظن أن في الأمر سرقة من نوع ما). سألته: كيف؟ فأجاب: (طبق الإنترنت الخاص بجارك - النانو - موجه في اتجاه برج مكتبنا، والنانو الخاص بك موجه لبرج آخر، لكني اكتشف أنك وجارك ليس لديكما خدمة إنترنت رغم أن الأمور طبيعية في الشبكة المجهزة ولا يوجد انقطاع. يبدو أن الطبقين تعرضا للسرقة). وعد الشاب أن يأتي صباح اليوم التالي لنصب (طبق) جديد، مع أمنية بألا يسرق للمرة الثانية».
سعر «الطبق - النانو» الجديد يصل إلى نحو 85 دولاراً أميركياً، أما المستعمل، أو بالأحرى المسروق، فيباع في «سوق الحرامية»؛ وهو تعبير شائع محلياً عن أصحاب المحال الذين يتعاملون في المواد المسروقة، بسعر ربما لا يتجاوز العشرين دولاراً (30 ألف دينار عراقي) في أفضل الظروف!
أما لماذا يعمد «اللصوص» إلى المجازفة والسرقة من هذا النوع للفوز ببضعة دولارات؟ فذلك ما يفسره، ربما، غياب القانون وحالة الفقر والعوز التي تمر بها قطاعات واسعة من العراقيين، حيث يعاني أكثر من 25 في المائة من السكان من الفقر الشديد، طبقاً لبعض الإحصاءات الرسمية.
يقول محمد علي: «أكثر ما أخشاه أن تعود الناس إلى سرقة حتى خراطيم المياه العتيقة (الصوندات)، مثلما كانت الحال أيام الحصار الاقتصادي الذي فرض على البلاد في عقد التسعينات من القرن الماضي».
من جانبه؛ يؤكد مجهز خدمة الإنترنت سرمد عبد الكريم، أن «نحو 95 في المائة من مستخدمي الإنترنت في بغداد ما زالوا يعتمدون على الأطباق (النانو) في تسلم الخدمة، خلافاً للمواطنين في إقليم كردستان الذي يتسلمونها عبر كابلات الحزم الضوئية».
وبشأن سرقة الأطباق، يقول عبد الكريم لـ«الشرق الأوسط»: «قبل عام 2018 لم يكن نعاني أو يعاني المشتركون من قضية السرقات، لكن الأمور اختلفت بعد ذلك التاريخ. في المنطقة التي أعمل فيها سرق أكثر من 25 طبقاً لمشتركين يتعاملون معي».
بيد أن الأمر الأكثر أهمية، يكمن في السؤال: لماذا يضطر العراقيون إلى التزود بخدمة الإنترنت عبر «طبق - نانو» صغير، في وقت يعتمد فيه المواطنون عبر العالم على «كابلات» ضوئية ناقلة للخدمة، وتالياً؛ هم غير خائفين من سرقة أطباقهم؟!
ليس سراً الحديث عن أن خدمة الإنترنت في العراق هي الأسوأ إقليمياً من حيث النوعية والأجور، وربما الأسوأ على مستوى العالم، حتى مع الدخول المتأخر جداً لخدمة «الجيل الرابع (4G)»، قبل أشهر.
يفسر مختصون ما يجري في العراق بالنسبة لخدمات الإنترنت، بأن وزارة الاتصالات تقوم ببيع حزم الإنترنت إلى شركات خاصة، وضمنها «الأيرثلنك» و«عراقنا» وغيرها، وتقوم تلك الشركات الخاصة بدورها ببيع الخدمة للمواطنين بمواصفات رديئة وأسعار غالية. وهناك أيضاً فشل وزارة الاتصالات الذريع في مد الكابل الضوئي إلى المنازل رغم حديثها الطويل عن ذلك منذ سنوات.
المفارقة أن تلك الشركات درجت على امتداد السنوات الماضية على تهريب «السعات» من الدول المجاورة (إيران - تركيا) وإقليم كردستان، عبر أبراج وشبكات غير شرعية أو مرخصة للاستفادة من فرق السعر وجودة الخدمة، مما دفع بالسلطات العراقية ووزارة الاتصالات إلى شن حملات واسعة قبل أشهر لضرب تلك الشبكات وإزالة أبراجها، بهدف احتكار بيع «الإنترنت» المحلي وبأسعار مضاعفة لتلك الشركات.
ورغم الكلام المتكرر والمستمر منذ سنوات من قبل وزارة الاتصالات بشأن ما تسميه «تحسين جودة الاتصال وتقليل الأسعار»، فإن شيئاً من ذلك لم يحدث، وظلت الأسعار مرتفعة وخدمات الإنترنت ضعيفة في معظم الأحيان.
مسؤول سابق في «هيئة الاتصالات والإعلام العراقية» قال لـ«الشرق الأوسط»، عن أسباب ارتفاع الأجور وضعف خدمة الإنترنت، إن «ذلك يكمن في أن وزارة الاتصالات تبيع للشركات الخاصة بسعر 80 دولاراً للميغابايت في الثانية، فيما تهرب الشركات ذات السعة من تركيا وإيران بسعر 3 دولارات فقط». ويضيف أن «حجة الوزارة في تفسير هذا التفاوت المجحف أنها تعمل بنظام التمويل الذاتي وتوفير رواتب الموظفين».
ويعتقد المسؤول السابق؛ الذي يفضل عدم الإشارة إلى اسمه، أن «الوزارة تمول الفساد فيها ولا تمول الدولة، ثم إن السعر العالي الذي تفرضه يدفع الشركات إلى إبطاء سرعة النت، كي لا تخسر، وكذلك تضطر إلى التعامل مع تهريب السعات من دول الجوار».
شركات الإنترنت والهاتف الجوال الخاصة متهمة بدورها بعدم سداد ديون مستحقة إلى الدولة العراقية، كما أنها متهمة غالباً بتبعيتها لأحزاب وشخصيات وجهات حزبية وسياسية نافذة.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.