بسبب الفقر... أب يرمى طفلتيه في مشفى بدمشق ويهرب

مسرحية «كاسك يا وطن» تتحول إلى واقع أسود بعد أربعين عاماً

صورة للطفلتين ورسالة الأب
صورة للطفلتين ورسالة الأب
TT

بسبب الفقر... أب يرمى طفلتيه في مشفى بدمشق ويهرب

صورة للطفلتين ورسالة الأب
صورة للطفلتين ورسالة الأب

حين أدى النجم دريد لحام مشهد بيع المواطن العربي أطفاله في مسرحية «كاسك يا وطن» عام 1979 كان ذلك أبعد ما وصلت إليه مبالغات السخرية السوداء للكاتب محمد الماغوط في التعبير عن بشاعة الفقر، ولم يكن أحد من السوريين الذين أضحكهم دريد لحام لسنوات طويلة يتخيل أن يأتي يوم يبكون فيها لتكرار ما يشبه هذا المشهد في الواقع، ولكن على نحو أفظع، حين يجبر الفقر أباً على رمي طفلتيه في أحد مشافي دمشق لعدم قدرته على إطعامهما.
اختار الأب، وهو متقاعد من الجيش السوري، ولديه ثلاثة أطفال صبي وابنتان بأعمار متقاربة من سنة إلى أربع سنوات، أحد مشافي منطقة المزة، ليترك طفلتيه مع ورقة كُتِب عليها: «أرجوك سامحني»، وملاحظة أن الطفلتين لم تتناولا شيئاً، وأنهما بحاجة إلى ماء وطعام.
أحدثت القصة صدمة لكادر المشفى، وقامت الإدارة بإبلاغ قسم شرطة المزة، فيما كتب أحد الأطباء على حسابه في «فيسبوك» أن الأب ترك الطفلتين على مقعد في المشفى وهرب، وأرفق منشوره بصورة للطفلتين وصورة لرسالة الأب المرتبكة، وقال الطبيب: «كان الأمر مفجعاً، ولا يمكن وصفه أبداً».
ما قدمته مسرحية «كاسك يا وطن» السياسية الكوميدية الناقدة قبل أربعة عقود بوصفه ضرباً من أقصى درجات المبالغة المسرحية، تحول إلى واقع مفجع في سوريا في 2021؛ فخلال أربعة عقود تلاشت الطبقة الوسطى في سوريا، وبعد عشر سنوات من الحرب بات ما نسبته 85 في المائة من السوريين يعانون من الفقر، وأكثر من نصفهم يعاني من فقر مدقع.
وينقل أحد الدمشقيين قول حفظه عن جده: «قبل سبعين عاماً لم تعرف الشام الفقر الأسود، فالفقر في الشام كان أبيض، بمعنى أن الميسورين والمكتفين مادياً كانوا يعينون الفقراء فلا يبيت أحد منهم جائعاً».
وتشير تقارير منظمة الطفولة العالمية «يونيسيف» إلى وجود نحو 6.1 مليون طفل سوري بحاجة إلى المساعدة، بزيادة بمعدل 20 في المائة عن العام الماضي فقط، وذلك بسبب تزايد الفقر ونقص الوقود وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنحو خمسة أضعاف خلال السنوات القليلة الماضية، في وقت لا يتجاوز فيه راتب الموظف العادي عشرين دولاراً أميركياً، أو ما يقارب 60 ألف ليرة.
https://www.facebook.com/Haiidi.Hafi/videos/1324948727920029
قصة الطفلتين أحدثت صدمة في الأوساط السورية، وضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن بادرت السيدة هايدي حافي إلى السؤال عن الطفلتين واحتضانهما، وتوجيه نداء للأب، عبر فيديو تناقلته وسائل التواصل، لتتمكن من التواصل مع الأب، الذي احتفظ الصبي، فطلبت هايدي ضمه إلى شقيقتيه، ريثما يتم تأمين سكن ملائم للعائلة، معبرة عن سعادتها باحتضان الأطفال الثلاثة.
وقالت: «شو حلو شعور الواحد يفيق يلاقي عنده 3 ولاد كأنن ولاده... ما بعرف أبكي أو أضحك».
وهايدي حافي التي نشرت تطورات القصة عبر حسابها في «فيسبوك»، أشارت إلى تلقيها كثيراً من رسائل التضامن وعرض المساعدة، كما بثت لقاء مباشراً مع الأب ليحكي للمتابعين أسباب تخليه عن طفلتيه، والدفاع عن نفسه في مواجهة الانتقادات الكثيرة التي لحقته، فأوضح أنه ترك الطفلتين في المشفى بعد أن رفضت دار الأيتام استقبالهما، لأن الوالد والوالدة أحياء، وبعد التفكير في عدد من الخيارات وجد أن ترك الأطفال في المشفى سيؤدي إحالتهم إلى دار الأيتام حيث سيمكنهم العيش هناك.
https://www.facebook.com/Haiidi.Hafi/videos/2935321490014004
ويصف لحظة اتخاذه قرار رميهما بأنه لم يكن يائساً وحسب، بل «فاقداً للوعي» كونه يعيش فترة عصيبة بعد انفصاله عن زوجته التي تنازلت عن حضانة أطفالها الثلاثة لعدم قدرتها على إعالتهم، لكنه بعد أيام قليلة من الانفصال شعر بالعجز التام عن رعايتهم والاهتمام بهم، إلى جانب عمله في توزيع المنظفات على المطاعم، إذ كان يضطر إلى اصطحاب أطفاله معه، لأن الغرفة المستأجرة التي يسكنها «ليست غرفة بل ممر صغير، أشبه بحظيرة» حسب تعبيره، ولم يكن قادراً على تسديد إيجارها البالغ 25 ألف ليرة، هذا ناهيك عن معاناته من مرض قلبي.
وأضاف «لم يبقَ أمامي أي حل»، وعبر الأب عن قلقه وعجزه وندمه وقال إن ما جرى معه كان امتحاناً، وإنه منذ تركهم لم يستطع النوم لأنه «لا يريد التخلي عنهم».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».