الليبيون ينتظرون نهاية لـ«رهانات الساسة»

سيناريوهات مفتوحة أمام استكمال خريطة الطريق

TT

الليبيون ينتظرون نهاية لـ«رهانات الساسة»

يأمل الليبيون أن تنتهي صراعات السنوات العشر الماضية بإجراء انتخابات عامة تثمر رئيساً للبلاد وبرلماناً موحداً؛ لكنهم يتخوفون من عدم قدرة ساستهم على إنجاز هذه الخطوة في ظل تمسك كل فصيل برؤيته الشخصية، وحسابات الجهوية. ووسط ترقب الليبيين لما ستسفر عنه آخر مداولات أعضاء «ملتقى الحوار» السياسي الليبي بجنيف، حول الشكل الذي سيجري عليه الاستحقاق المرتقب، بدا المشهد متداخلاً وكاشفاً عن رغبات بعض الأطراف إما لتعطيل المسار الانتخابي برمته، وإما الإيفاء بموعد الاستحقاق في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لكن دون شروط، وسط سيناريوهات مفتوحة، وأسئلة هل ستجري انتخابات الرئاسة بالقوائم أو بشكل فردي؟
وكان واضحاً في غالبية جلسات الملتقى، الذي بدأ أعماله الاثنين الماضي، ونقلت البعثة الأممية جانباً من فعالياته عبر مقاطع فيديو، أن بعض المشاركين ذهبوا إلى المدينة السويسرية وهم يحملون رغبات ممثليهم من القادة السياسيين في البلد الذي عانى صراعات واشتباكات دامية منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.
- ملتقى الحوار
ولخصت السيدة اليعقوبي عضو «ملتقى الحوار» جانباً من المشهد على مدار المناقشات السابقة، وقالت إن «الانتخابات بدت كأنها كابوس يؤرق مجموعة المصالح)». وتحدثت اليعقوبي في تصريح صحافي أمس، عن وجود «أقلية داخل ملتقى الحوار كانت تطالب فيما سبق بالانتخابات وعودة الأمانة إلى أهلها، أصبحت اليوم تعارضها علناً، وتقدم مقترحات لإلغائها بل استحدثت مقترحات جديدة لضمان بقاء حزب الأمر الواقع»، وتابعت: «خريطة الطريق هي القاعدة التي لا حياد عنها مهما جمعتم من توقيعات في الممرات وفي الغرف ومهما تهربتم من التصويت على هذه القاعدة».
ورأت اليعقوبي أن «أسوأ كابوس يمر على مغتصبي السلطة والأحزاب المستوردة من الخارج المتحكمة في صنع القرار ومصادر التمويل هو انتخابات 24 ديسمبر». ووجه 24 مشاركاً في الملتقى انتقادات لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لكيفية إدارتها جلسات الحوار، مطالبين في بيان بضرورة العمل على مساعدة ليبيا في مراحل إنهاء وإنجاز الانتخابات. ومن بين الموقعين على البيان بلقاسم النمر، ومحمد أبو عجيلة، وأحمد الشركسي ومحمد البرغوثي.
وتساءل الموقعون على البيان: كيف للبعثة أن تتصرف كأنها تقبل النكوص وشطب خريطة الطريق التي تم إقرارها في تونس وجنيف؟ وكيف لها أن تمنح المعرقلين وهم معروفون فرصة إضاعة الوقت؟
ودارت مناقشات المشاركين بالملتقى أمس، في ذات الدائرة السابقة، بالحديث عن الموضوعات نفسها التي طرحوها من قبل، وتمحورت حول تأييد البعض للاستفتاء على الدستور قبل إجراء الانتخابات، في مقابل آخرين يرفضون هذه الخطوة ويعتبرونها «جريمة تاريخية»؛ وهو المعنى الذي أكدت عليه هاجر القائد عضو «ملتقى الحوار»، وقالت أمس، إن «أي مقترح يدعو للاستفتاء على الدستور وتأجيل الانتخابات يُعد خرقاً صريحاً لخريطة الطريق، ويستوجب بذلك فتح الخريطة لتغيير موعد الانتخابات وهذا لا يمكن السماح به».
وترجمة للوضع المتأزم والانقسام داخل «ملتقى الحوار»، قالت زهراء إحدى المشاركات: «‏لن نكون شهود زور ولن نسمح بالتدليس وبتضييع البوصلة وإجهاض خريطة الطريق... لا للمغالبة ولا للتدليس». وتعهد لنقي بأنها «لن تقبل بالتصويت على ما هو مخالف لخريطة الطريق، ولن يتم السماح بإجهاض المسار لصالح (سلطة الأمر الواقع)»، داعية إلى وجود «لجنة تحكيم خارجية ليبية تحسم المسائل الخلافية في القاعدة الدستورية».
- البعثة الأممية
وكانت البعثة الأممية استحدثت لجنة يناط بها إيجاد توافق بين مقترحين: الأول هو لممثلين عن القيادة العامة للجيش بإجراء انتخابات رئاسية مباشرة؛ على أن يُسمح لأعضاء المؤسسة العسكرية بالترشح للرئاسة دون الاستقالة بخلاف ما جاء في مقترح القاعدة الدستورية للجنة القانونية، والمقترح الثاني، طرحه بعض الموالين للحكومة، ويتضمن عدم الذهاب أساساً للانتخابات في موعدها المحدد خلافاً لما جاء في خريطة الطريق»، وهو الإجراء الذي اعترض عليه أصحاب المقترح الأول ووجهوا انتقادات للبعثة.
ولضمان عدم عرقلة الانتخابات، سارع عارف النايض رئيس «تكتل إحياء ليبيا»، بإرسال خطاب إلى المبعوث الأممي لدى ليبيا يان كوبيتش، تحدث فيه عن محاولة بعض المحسوبين على الحكومة بعرقلة إجراء الانتخابات في موعدها، مشيراً إلى أن «القبول بأي تأجيل أو إلغاء أو تحجيم للانتخابات الرئاسية المباشرة يمثل انتهاكاً صارخاً لقرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة، ومخرجات مؤتمري برلين الأول والثاني، فضلاً عن خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في ملتقى الحوار السياسي».
وعبر النايض عن خشيته من أن تتسبب «مثل هذه التحركات في حدوث اضطرابات اجتماعية على نطاق واسع، وقد تفضي، لا قدر الله، إلى تأجيج الصراع في ليبيا والتي ظلت تعاني من ويلات الحروب الممتدة لأكثر من عشر سنوات».
ونوه النايض إلى أنه في مقدور مجلس الأمن الدولي، فرض إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية استناداً إلى القوانين الليبية القائمة والسارية المفعول والملزمة، منها التعديل الدستوري رقم (7) للإعلان الدستوري، إضافة إلى قرار مجلس النواب رقم (5) لسنة 2014، من خلال تفعيل القرارات الصادرة عن المجلس بموجب الفصل السابع. وفي سياق المخاوف المتزايدة في ليبيا، حمل «حراك من أجل 24 ديسمبر»، بعثة الأمم المتحدة مسؤولية أي تدهور للمسار السياسي السلمي والاستقرار في ليبيا، معلناً رفضه الدعوات المطالبة بتمديد عمر حكومة (الوحدة الوطنية) والالتفاف على الحل السلمي والسياسي».
يتوجه محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي، اليوم، إلى القاهرة تلبية لدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لحضور مراسم افتتاح قاعدة «3 يوليو البحرية»، وفقاً للمكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، أمس. وكانت القوات المسلحة المصرية نشرت عبر وسائل الإعلام «برومو» عن قاعدة «3 يوليو البحرية»، والتي تقع في نطاق منطقة جرجوب، في محافظة مطروح غرب مصر. وأعلنت عن تنفيذ المناورة «قادر 2021» من ذات القاعدة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.