لقاء الحريري مع بري محطة لاستقراء موقفه من الاعتذار

TT

لقاء الحريري مع بري محطة لاستقراء موقفه من الاعتذار

مع أن رئيس الجمهورية ميشال عون، يستجيب لنصائح فريقه السياسي بالتريُّث بعض الوقت وعدم الإقدام على حرق المراحل لأنه لم يعد من خيار أمام الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري سوى الاعتذار عن تأليفها إفساحاً في المجال أمام إعادة تعويم حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب وتفعيلها، فإن رهان هذا الفريق ليس في محله على الأقل في المدى المنظور لأنه يتعارض مع الأجواء الدولية والإقليمية التي لا تزال تراهن على إزالة العقبات التي تؤخر تشكيل حكومة مهمة.
ويؤكد مصدر مقرب من رؤساء الحكومات السابقين لـ«الشرق الأوسط» أن اعتذار الحريري ليس مدرجاً حتى إشعار آخر على جدول أعمال المجتمع الدولي، وهذا ما لمسه الرئيس فؤاد السنيورة من خلال مروحة اللقاءات التي عقدها في اليومين الأخيرين مع عدد من السفراء العرب والأجانب وأبرزهم سفراء الأمم المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية وروسيا وآخرين.
ويكشف المصدر نفسه أن عون وفريقه السياسي يقف وراء الحرب النفسية التي تستهدف الحريري ويقوم بتسريب المعلومات التي تدعوه للتصرّف كأن اعتذاره حاصل حكماً، ويؤكد أن استقراء موقفه لا يمكن أن يتم بمعزل عن لقائه المرتقب مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري لأن الرئيس المكلف يحرص على التنسيق معه في كل ما يتعلق بمسار تأليف الحكومة.
ويلفت المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحريري تواصل من مقر إقامته في الخارج ببري واتفق معه على عقد لقاء فور عودته إلى بيروت قبل نهاية هذا الأسبوع، ويؤكد أن ما يقال عن توجّهه للاعتذار يبقى في الرغبة التي يبديها عون وفريقه السياسي المحسوب على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي يعود له اتخاذ القرار الحاسم في ضوء التفويض المطلق الذي منحه له رئيس الجمهورية.
ويرى أن اعتذار الحريري، في حال حصوله، لن «يُنعش» عون سياسياً وإنما سيفتح الباب أمام اندلاع نزاع سياسي لا حدود له بخلاف اعتقاد الأخير، وسيؤدي إلى فرض مزيد من الحصار على «العهد القوي»، لأنه سيواجه صعوبة في الرهان على البديل الذي سيخلف الحريري لتشكيل الحكومة، تضاف إليها صعوبة من نوع آخر سيصطدم بها حتماً إذا أراد تفعيل الحكومة المستقيلة بعد أن سلّم رئيسها أمره إلى عون الذي يتخذ من رئاسته لمجلس الدفاع الأعلى منصّة لتولي رئاسة الحكومة الرديفة.
فعون -حسب المصدر السياسي- بدأ يتصرف على أن مجلس الدفاع يصلح ليكون حكومة رديفة لحكومة مستقيلة لا وجود لها وغائبة عن السمع مع أنها ستصطدم بمعارضة محلية ودولية، لأن هكذا حكومة تتعارض وروحية الدستور وتقوم بمصادرة صلاحيات الحكومة بحدودها الضيقة حتى لو كانت مستقيلة.
ويؤكد المصدر أن تحويل مجلس الدفاع إلى حكومة رديفة هو هرطقة دستورية لأن القوانين لا تسمح له بإصدار القرارات ودور المجلس يبقى محصوراً في رفع توصياته إلى مجلس الوزراء الذي يعود له اتخاذ القرارات المناسبة في شأنها، ويقول إن عون يتلطى بمجلس الدفاع لإصدار تعليماته إلى إدارات ومؤسسات الدولة متجاوزاً صلاحيات الوزراء والمديرين العامين.
ويسأل المصدر: كيف يسمح عون لنفسه بإعطاء التعليمات والتوجيهات للوزارات وإدارات الدولة في الوقت الذي نأى بنفسه عن التدخل بناءً على المراسلات التي وصلت إليه لمعالجة مخزون النترات قبل أن تنفجر في مرفأ بيروت بذريعة أنْ لا صلاحية له بالتدخّل وأنه طلب من مستشاره الأمني والعسكري التواصل مع المعنيين بهذا الأمر؟
ويرى أن دعوته المجلس الأعلى للدفاع للاجتماع لم تعد سوى أحد الاستعراضات السياسية والإعلامية، من دون أن يكون لقراراته صفة تنفيذية، ويكشف أن الاجتماع الأخير للمجلس كاد يتحوّل إلى «محاكمة» لقادة الأجهزة الأمنية على خلفية تساهلهم حيال التحرّكات الاحتجاجية بدلاً من السيطرة عليها وإخراجها من الشوارع.
ويضيف أن عون يتصرف كأن المشكلة أمنية وليست سياسية، وهذا ما يدفعه للإصرار على إنهاء الاحتجاجات، إضافةً إلى أنه هو مَن يضع جدول الأعمال من دون إطلاع الوزراء المعنيين وقادة الأجهزة الأمنية على بنوده لمعرفة ما إذا كانت لديهم مقترحات، وإلا لماذا طرح في اجتماعه الأخير إمكانية نقل خزانات النفط الموجودة في الدورة إلى مكان آخر بناءً على طلب مدير عام الجمارك بالوكالة؟ لكنّ طلبه قوبل برفض من وزير الطاقة ريمون غجر الذي أدلى بدلوه في هذا الخصوص بقوله إنه لا صحة لنقل هذه الخزّانات بذريعة أنها باتت تشكل خطراً على سلامة المواطنين لأنها تطبّق الشروط والمعايير الدولية للحفاظ على السلامة العامة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».