بايدن يدعو بنيت لزيارة قريبة

لقاء بايدن وريفلين في البيت الأبيض الاثنين (إ.ف.ب)
لقاء بايدن وريفلين في البيت الأبيض الاثنين (إ.ف.ب)
TT

بايدن يدعو بنيت لزيارة قريبة

لقاء بايدن وريفلين في البيت الأبيض الاثنين (إ.ف.ب)
لقاء بايدن وريفلين في البيت الأبيض الاثنين (إ.ف.ب)

مع اختتام اللقاء بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، وبين الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، في البيت الأبيض، أكدت مصادر سياسية إسرائيلية، أن البلدين انطلقا نحو تثبيت العلاقات بينهما على مسار جديد تماماً، وأن البيت الأبيض باشر في اتصالات مع مكتب رئيس الوزراء، نفتالي بنيت، لتنسيق زيارته الأولى إلى واشنطن. وقال المصدر إن الأميركيين يتعمدون التعامل بشكل حميم بالغ مع المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أولاً انتقاماً من رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، الذي يعتبرونه «متغطرساً ومتطاولاً وناكراً للجميل»، وثانياً، لأنهم معنيون فعلاً بعلاقات ودية تتيح لهم التعاون الاستراتيجي في كل الجبهات، وإبقاء الخلافات وراء الكواليس ومحاولة تجاوزها بطرق ودية. وضرب مثلاً على أسلوب العلاقة الجديدة، وهو التعامل في الموضوع النووي الإيراني، فقال: «هناك خلاف واضح بين إدارة بايدن، والحكومة الإسرائيلية السابقة والحالية حول الاتفاق النووي. الحكومة السابقة كانت تحارب الاتفاق وتدخل في صدام غير مجدٍ مع واشنطن. بينما الحكومة الحالية تدرك أنه لا يوجد مفر من توقيع اتفاق نووي جديد، تعارضه من جهتها، ولكنها لا تستطيع وقف المفاوضات. ولذلك تنظر كيف تتمكن من الحفاظ على علاقات ودية مع الإدارة الأميركية لأجل تحسين شروط الاتفاق النووي، وإدخال مواضيع أخرى تطلبها إسرائيل أو طرحها بطرق أخرى، مثل تقييد إنتاج الصواريخ الباليستية ووقف مشروع التموضع الإيراني في سوريا ولبنان.
وأوضح مصدر آخر في تل أبيب، أن الأميركيين تحدثوا عن هذه السياسة بإعجاب مع ريفلين، ولكنهم يعرفون أن القانون الإسرائيلي لا يعطي رئيس الدولة صلاحيات سياسية، ولذلك يستعجلون زيارة رئيس الوزراء، بنيت، صاحب الصلاحيات التنفيذية. وبحسب موقع «واللا» الإخباري، فإن بريت ماكغرك، كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط، يدير المحادثات لترتيب زيارة بنيت مع مستشارته السياسية، شمريت مئير، وستتم الزيارة قبيل نهاية يوليو (تموز) القادم.
وكان ريفلين قد أدلى بتصريحات للصحافة الإسرائيلية، لدى مغادرته واشنطن متجهاً إلى نيويورك، أمس الثلاثاء، فقال إنه متأثر جداً من الموقف الراسخ الذي عبر عنه الرئيس بايدن حول حماية إسرائيل.

ودعمها لتبقى أقوى دول المنطقة. وقال إنه يشعر بارتياح كبير بتعهد بايدن بعدم حصول إيران على سلاح نووي. وروى أن ابنته عنات ريفلين، التي ترافقه في الزيارة، أبلغت بايدن رسالة من بنتيها، تشكرانه على مساهمته الكبرى في مكافحة الأخطار على المناخ والبيئة وأن بايدن تأثر كثيراً من ذلك».
من جهته، أكد الرئيس بايدن، أن إيران لن تحصل أبداً على سلاح نووي خلال فترة حكمه، وقال إن «التزامه تجاه إسرائيل صلب، وإنه يتطلع للاجتماع مع رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد نفتالي بنيت في القريب». وقال لدى استقباله ريفلين، أول من أمس، إنه سيعمل على تدعيم وتعزيز اتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل والدول العربية وتوسيعها لتشمل دولاً أخرى.
وفي وقت لاحق تكلم ريفلين عن نتائج لقائه مع بايدن، قائلاً، إنه أبدى تجاوباً مع كل ما طلبته منه، مضيفاً، أن «الرئيس بايدن تفهم مخاوفي من أن تقدم الدول العربية التي عارضت إيران سابقاً، وتسعى اليوم للاقتراب منها، بسبب تراجع الولايات المتحدة عن دورها الفاعل في المنطقة ونيتها الانسحاب». وقال ريفلين: «الرئيس تجاوب أيضاً مع طلبي بخصوص الحصول على مساعدة أميركية في التجهيز بقنابل دقيقة التوجيه لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وكذلك المساعدة الأميركية في تجديد أنظمة الأسلحة القديمة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟