غضب في منطقة القبائل الجزائرية بعد سجن نجل قيادي تاريخي

TT

غضب في منطقة القبائل الجزائرية بعد سجن نجل قيادي تاريخي

تسبب إيداع نجل أحد رموز حرب التحرير في الجزائر الحبس الاحتياطي على خلفية اتهامات بـ«المس بالوحدة الوطنية»، في سخط بمنطقة القبائل التي يتحدر منها، وجدل اتخذ أبعاداً عرقية بخلفية تاريخية، في موازاة دعوات إلى التهدئة و«إبعاد الخلافات حول الهوية والتاريخ عن المحاكم» لتفادي مواجهات محتملة في الشوارع.
وقضى نور الدين آيت حمودة، ابن قائد عمليات القتال بمنطقة القبائل ضد الاحتلال في خمسينات القرن الماضي «عميروش» ليل الأحد في الحبس الذي عاد إليه بعد نحو 40 سنة من سجنه الأول لنشاطه الحقوقي وسعيه للتمكين للغة الأمازيغية التي كانت محظورة وقتها.
واتهم قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية بالعاصمة، أول من أمس، آيت حمودة (72 سنة) بـ«المس بالوحدة الوطنية» و«التحريض على الكراهية والتمييز العنصري»، على أثر حادثتين؛ الأولى في 17 يونيو (حزيران) الجاري، حينما هاجم بحدة الأمير عبد القادر الجزائري الذي تزعم ثورات شعبية كبيرة ضد الاستعمار خلال القرن التاسع عشر، واتهمه بـ«الخيانة» على أساس أنه ما كان ينبغي أن يستسلم للاستعمار (بعد 17 سنة من المقاومة) وإنما أن يستمر في حربه حتى الموت، حسب تصريحاته. كما كال تهمتي «الخيانة» و«العمالة لفرنسا» للرئيس الراحل هواري بومدين (1965 - 1978) الذي جمعته خصومة مع «عميروش» أيام الثورة.
وصدرت هذه الاتهامات عن آيت حمودة عندما استضافه تلفزيون «الحياة» الخاص، وبعد يومين عاقبت الحكومة، الفضائية بمنعها من البث أسبوعاً، واستُدعي مديرها هابت حناشي الذي أدار النقاش مع الضيف المثير للجدل، من طرف «سلطة ضبط الفضاء السمعي - البصري» التي وجهت له «إنذاراً أخيراً» قبل اتخاذ قرار إغلاق القناة.
والحادثة الثانية كانت السبت الماضي، حينما استضافت جمعية ثقافية في منطقة القبائل آيت حمودة للخوض في الموضوع نفسه، وأصر على موقفه وأطلق تصريحات أثارت استياء السلطات مفادها أن منطقة القبائل «عليها أن تعتمد على نفسها بعد اليوم من دون بقية المناطق»، في إشارة إلى أنها الجهة الوحيدة التي تواصل معارضة السلطة بعد أن قاطعت بشكل كامل الانتخابات الرئاسية ثم استفتاء تعديل الدستور والانتخابات التشريعية مؤخراً. واتهم على خلفية هذه التصريحات بـ«المس بالوحدة الوطنية» واعتقل بعدها.
واستمع قاضي التحقيق، أول من أمس، لمدير «الحياة» في القضية وغادر مكتبه من دون أن يتخذ بحقه أي إجراء. وأخذت السلطات على حناشي أنه «أعطى فرصة للتهجم على رموز وطنية، لشخص غير مختص في مسائل التاريخ». وجاء اتهام حناشي إثر دعوى قضائية رفعها ضده أحفاد الأمير عبد القادر، بعضهم من سوريا، باعتبار أن رمز المقاومة الشعبية عاش الفترة الأخيرة من حياته في دمشق منفياً. كما أعلنت وزارة المجاهدين أنها ستدخل كطرف مدني في الادعاء.
وأثار سجن آيت حمودة ردود فعل ساخطة بمنطقة القبائل التي ينتمي إليها، والتي اعتبر قطاع من سكانها أن متابعته «استهداف» لهم. ودعا ناشطون في الحراك إلى «الهدوء تفادياً لإثارة نعرات عرقية»، و«إبعاد الجدل حول التاريخ عن المحاكم وحصره بين الباحثين المتخصصين».
وكتب الناشط الأمازيغي محمد أرزقي فراد أن «هناك مَن دعا إلى مقاطعة القبائل في التجارة والزواج، والسلطة لم تحرك ساكناً، وهناك من وصف الملك ماصينيصا (أحد ملوك الأمازيغ في القرن الثاني قبل الميلاد) بكلب روما، والسلطة لم تحرك ساكناً. وهناك مَن زيّف التاريخ وقصف القبائل بشتيمة الزواف (عملاء الاستعمار) بغير وجه حق، والسلطة لم تحرك ساكناً. وهناك رئيس حزب سياسي اتهم القبائل بالتأخر في الالتحاق بالثورة، وهذا كذب صريح، والسلطة لم تحرك ساكناً. وهناك مَن دعا إلى طرد القبائل من مؤسسات الدولة، والسلطة لم تحرك ساكناً. أجبني بالصراحة وأمرك لله: أليس في الساحة الكيل بمكيالين؟».
وقال عضو «رابطة حقوق الإنسان» حسان بوراس: «قبل أيام من الذكرى الـ59 لعيد الاستقلال، يسجن ابن عميروش بسبب رأيه في التاريخ الذي صنع والده جزءاً منه. من حق الجزائريين والجزائريات أن يتعرفوا على تاريخهم وأن تكون لهم آراء حوله، فإذا كنتم لا تريدون معرفة تاريخكم ومناقشته ودراسته، فلماذا تطالبون فرنسا بالأرشيف؟».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».