غياب بدائل رفع الدعم يعجّل الانفجار الاجتماعي في لبنان

مشاورات تأليف الحكومة مجمدة بين «الخليلين» وباسيل

محتجون يقطعون طريقاً في بيروت الخميس الماضي (أ.ب)
محتجون يقطعون طريقاً في بيروت الخميس الماضي (أ.ب)
TT

غياب بدائل رفع الدعم يعجّل الانفجار الاجتماعي في لبنان

محتجون يقطعون طريقاً في بيروت الخميس الماضي (أ.ب)
محتجون يقطعون طريقاً في بيروت الخميس الماضي (أ.ب)

يترقب الوسط السياسي اللبناني رد فعل الشارع على بدء رفع الدعم بتحرير أسعار المحروقات الذي أحدث صدمة لدى السواد الأعظم من اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والطائفية والذين نزلوا إلى الشوارع احتجاجاً على رفع أسعارها في ظل عجز رئيس الجمهورية ميشال عون، بالتكافل والتضامن مع الحكومة المستقيلة، عن توفير البدائل للعائلات الأشد فقراً التي أخذ منسوبها يرتفع بغياب الضوابط الأمنية والقضائية لملاحقة من يتلاعب بلقمة عيش اللبنانيين بعد انخفاض القدرة الشرائية للعملة الوطنية بشكل غير مسبوق في مقابل الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار في خلال عطلة نهاية الأسبوع.
فالوسط السياسي، من محلي ودبلوماسي، بدأ يتخوف مع تمدد الحركات الاحتجاجية التي كادت تغطي مساحة الوطن من أن يسبق الانفجار الاجتماعي عملية تشكيل الحكومة التي عادت إلى المربع الأول من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر إيجابية لإخراجها من التأزم الذي يحاصرها طالما أن الاندفاع الفرنسي المدعوم أميركياً ودولياً يبقى في إطار توجيه التهديدات باتجاه من يعرقل تشكيلها من دون أن يتلازم مع مبادرة باريس إلى الضغط لإزالة العقبات التي تعيق تشكيلها.
وطبيعي أن يرتفع منسوب المخاوف حيال تفلت الوضع الأمني - كما يقول مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط» - في ظل غياب الحكومة المستقيلة عن السمع واستنكاف رئيس الجمهورية وامتناعه عن القيام بخطوات ملموسة لمنع الانفجار الاجتماعي الذي بات يدق أبواب اللبنانيين إن لم يكن قد أصبح بمثابة أمر واقع، مكتفياً بالتنسيق مع رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب ولو بالمراسلة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة للحصول على قرض من البنك المركزي لتأمين استيراد المحروقات، رغم أن الاقتراض يستهدف أموال المودعين أو ما تبقى منها، وهذا ما يتعارض مع ادعاء عون باستمرار في الحفاظ عليها.
وفي هذا السياق، قال مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» إن ما حصل ويحصل في شمال لبنان، وتحديداً في طرابلس، من احتجاجات على رفع الدعم وما يترتب عليه من مفاعيل سلبية تستهدف اللبنانيين وعلى رأسهم العائلات الأشد فقراً يؤشر إلى خطورة الوضع وأن كل يوم تأخير في توفير البدائل لرفعه سيؤدي إلى تدهور الوضع وتفلته.
ولفت المصدر النيابي إلى ضرورة الاهتمام بالأمن الاجتماعي، سائلاً أين القضاء والأمن للتصدي للذين يتلاعبون بلقمة عيش اللبنانيين؟ وما المانع من توقيفهم فوراً ووضعهم في السجن، خصوصاً أن لا مبرر لارتفاع سعر صرف الدولار في خلال عطلة الأسبوع، وإلا لماذا ارتفع من يوم لآخر إلى حوالي ثلاثة آلاف ليرة؟ (بلغ 18 ألف ليرة في السوق السوداء بينما سعره الرسمي 1515 ليرة).
وأكد المصدر أن المجلس النيابي سيعقد جلسة تشريعية هذا الأسبوع، ومن المرجح أن تعقد الخميس المقبل، وعلى جدول أعمالها إقرار «البطاقة التموينية». وسأل: كيف ستؤمن الحكومة المال المطلوب لوضعها موضع التنفيذ؟ وكيف ستصرف على العائلات الأشد فقراً؟ وقال إن كل العالم يؤيد رفع الدعم، لكن يبقى على الحكومة أن تتعهد بتأمين تمويل هذه البطاقة.
وقال إن رفع الدعم ليس في حاجة إلى إصدار قانون وإنما إلى قرار تتخذه الحكومة المستقيلة، و«نحن ننتظر منها أن تجيب على كل هذه الأسئلة في الجلسة التشريعية وأن لا تبادر للهروب إلى الأمام وترمي الكرة في مرمى البرلمان لتضعه في مواجهة مباشرة مع اللبنانيين المستفيدين من هذه البطاقة، ونحن في البرلمان لن نتهرب من تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقنا».
أما على صعيد استمرار المراوحة في تشكيل الحكومة، قال المصدر النيابي إن الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله كان أعاد التأكيد على الخطوط العريضة الواجب اتباعها لتشكيل الحكومة، وتوجه برسالة إلى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بأنه ليس حكماً وباق على تعهده بدعم مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
لكن ظن نصر الله خاب - كما يقول المصدر السياسي - بباسيل عندما قال عنه بأنه أذكى من أن يعمل للإيقاع بين «حزب الله» وحركة «أمل»، وإلا لماذا انقلب على تعهده أمام مسؤول التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا في السير بالتهدئة وسارع إلى تمرير رسالة إلى من يصنفون على خانة «النواب الصقور» في «التيار الوطني» يطلب فيها فتح النار على الرئيس بري وقيادات في «أمل» من دون تحييدهم للحزب بذريعة أنه يستمر في تغطية الفساد؟
بدوره كشف المصدر النيابي أن لا أمل في معاودة إحياء لقاءات النائب علي حسن خليل وحسين خليل، المعاونين السياسيين لرئيس البرلمان وأمين عام «حزب الله». وعزا السبب إلى أنهما لا يزالان ينتظران أجوبته على نقطتين: الأولى تتعلق بتسمية الوزيرين المسيحيين، والثانية تعود إلى اشتراكه في الحكومة أو العزوف عن المشاركة، وقال إنهما ينتظران منه بأن يجيب عليهما.
إلا أن باسيل - كما يقول المصدر النيابي - سارع إلى الرد على طريقته برفضه إعطاء جواب على هاتين النقطتين وإنما برعايته للحملة التي تولاها عدد من نوابه وبإيعاز منه باستهدافهم رئيس المجلس من دون سابق إنذار، ما اضطر «أمل» للرد على هذه الحملات ولم تتوقف إلا بعد تدخل «حزب الله» لدى باسيل، مع أنه نأى بنفسه عن إعطاء الأسباب التي كانت وراء خرق التهدئة.
واعتبر أن خرق التهدئة لم يكن عفوياً وإنما جاء في سياق عدم موافقة باسيل على الخطوط العريضة التي رسمها نصر الله لتشكيل الحكومة، وقال إن لباسيل أجندة سياسية أخرى بدعم من عون، وتقع تحت عنوان: تعويم باسيل أولاً، وإلا لماذا تخلى عن دوره في تشكيلها وأوكل أمره إلى وريثه السياسي؟
لذلك، فإن المشكلة ليست في إقرار البطاقة التموينية إنما في توفير التغطية المالية لها لئلا تبقى حبراً على ورق لأن مشروع الحكومة لم يلحظ كيفية تمويلها.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.