غياب بدائل رفع الدعم يعجّل الانفجار الاجتماعي في لبنان

مشاورات تأليف الحكومة مجمدة بين «الخليلين» وباسيل

محتجون يقطعون طريقاً في بيروت الخميس الماضي (أ.ب)
محتجون يقطعون طريقاً في بيروت الخميس الماضي (أ.ب)
TT
20

غياب بدائل رفع الدعم يعجّل الانفجار الاجتماعي في لبنان

محتجون يقطعون طريقاً في بيروت الخميس الماضي (أ.ب)
محتجون يقطعون طريقاً في بيروت الخميس الماضي (أ.ب)

يترقب الوسط السياسي اللبناني رد فعل الشارع على بدء رفع الدعم بتحرير أسعار المحروقات الذي أحدث صدمة لدى السواد الأعظم من اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والطائفية والذين نزلوا إلى الشوارع احتجاجاً على رفع أسعارها في ظل عجز رئيس الجمهورية ميشال عون، بالتكافل والتضامن مع الحكومة المستقيلة، عن توفير البدائل للعائلات الأشد فقراً التي أخذ منسوبها يرتفع بغياب الضوابط الأمنية والقضائية لملاحقة من يتلاعب بلقمة عيش اللبنانيين بعد انخفاض القدرة الشرائية للعملة الوطنية بشكل غير مسبوق في مقابل الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار في خلال عطلة نهاية الأسبوع.
فالوسط السياسي، من محلي ودبلوماسي، بدأ يتخوف مع تمدد الحركات الاحتجاجية التي كادت تغطي مساحة الوطن من أن يسبق الانفجار الاجتماعي عملية تشكيل الحكومة التي عادت إلى المربع الأول من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر إيجابية لإخراجها من التأزم الذي يحاصرها طالما أن الاندفاع الفرنسي المدعوم أميركياً ودولياً يبقى في إطار توجيه التهديدات باتجاه من يعرقل تشكيلها من دون أن يتلازم مع مبادرة باريس إلى الضغط لإزالة العقبات التي تعيق تشكيلها.
وطبيعي أن يرتفع منسوب المخاوف حيال تفلت الوضع الأمني - كما يقول مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط» - في ظل غياب الحكومة المستقيلة عن السمع واستنكاف رئيس الجمهورية وامتناعه عن القيام بخطوات ملموسة لمنع الانفجار الاجتماعي الذي بات يدق أبواب اللبنانيين إن لم يكن قد أصبح بمثابة أمر واقع، مكتفياً بالتنسيق مع رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب ولو بالمراسلة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة للحصول على قرض من البنك المركزي لتأمين استيراد المحروقات، رغم أن الاقتراض يستهدف أموال المودعين أو ما تبقى منها، وهذا ما يتعارض مع ادعاء عون باستمرار في الحفاظ عليها.
وفي هذا السياق، قال مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» إن ما حصل ويحصل في شمال لبنان، وتحديداً في طرابلس، من احتجاجات على رفع الدعم وما يترتب عليه من مفاعيل سلبية تستهدف اللبنانيين وعلى رأسهم العائلات الأشد فقراً يؤشر إلى خطورة الوضع وأن كل يوم تأخير في توفير البدائل لرفعه سيؤدي إلى تدهور الوضع وتفلته.
ولفت المصدر النيابي إلى ضرورة الاهتمام بالأمن الاجتماعي، سائلاً أين القضاء والأمن للتصدي للذين يتلاعبون بلقمة عيش اللبنانيين؟ وما المانع من توقيفهم فوراً ووضعهم في السجن، خصوصاً أن لا مبرر لارتفاع سعر صرف الدولار في خلال عطلة الأسبوع، وإلا لماذا ارتفع من يوم لآخر إلى حوالي ثلاثة آلاف ليرة؟ (بلغ 18 ألف ليرة في السوق السوداء بينما سعره الرسمي 1515 ليرة).
وأكد المصدر أن المجلس النيابي سيعقد جلسة تشريعية هذا الأسبوع، ومن المرجح أن تعقد الخميس المقبل، وعلى جدول أعمالها إقرار «البطاقة التموينية». وسأل: كيف ستؤمن الحكومة المال المطلوب لوضعها موضع التنفيذ؟ وكيف ستصرف على العائلات الأشد فقراً؟ وقال إن كل العالم يؤيد رفع الدعم، لكن يبقى على الحكومة أن تتعهد بتأمين تمويل هذه البطاقة.
وقال إن رفع الدعم ليس في حاجة إلى إصدار قانون وإنما إلى قرار تتخذه الحكومة المستقيلة، و«نحن ننتظر منها أن تجيب على كل هذه الأسئلة في الجلسة التشريعية وأن لا تبادر للهروب إلى الأمام وترمي الكرة في مرمى البرلمان لتضعه في مواجهة مباشرة مع اللبنانيين المستفيدين من هذه البطاقة، ونحن في البرلمان لن نتهرب من تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقنا».
أما على صعيد استمرار المراوحة في تشكيل الحكومة، قال المصدر النيابي إن الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله كان أعاد التأكيد على الخطوط العريضة الواجب اتباعها لتشكيل الحكومة، وتوجه برسالة إلى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بأنه ليس حكماً وباق على تعهده بدعم مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
لكن ظن نصر الله خاب - كما يقول المصدر السياسي - بباسيل عندما قال عنه بأنه أذكى من أن يعمل للإيقاع بين «حزب الله» وحركة «أمل»، وإلا لماذا انقلب على تعهده أمام مسؤول التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا في السير بالتهدئة وسارع إلى تمرير رسالة إلى من يصنفون على خانة «النواب الصقور» في «التيار الوطني» يطلب فيها فتح النار على الرئيس بري وقيادات في «أمل» من دون تحييدهم للحزب بذريعة أنه يستمر في تغطية الفساد؟
بدوره كشف المصدر النيابي أن لا أمل في معاودة إحياء لقاءات النائب علي حسن خليل وحسين خليل، المعاونين السياسيين لرئيس البرلمان وأمين عام «حزب الله». وعزا السبب إلى أنهما لا يزالان ينتظران أجوبته على نقطتين: الأولى تتعلق بتسمية الوزيرين المسيحيين، والثانية تعود إلى اشتراكه في الحكومة أو العزوف عن المشاركة، وقال إنهما ينتظران منه بأن يجيب عليهما.
إلا أن باسيل - كما يقول المصدر النيابي - سارع إلى الرد على طريقته برفضه إعطاء جواب على هاتين النقطتين وإنما برعايته للحملة التي تولاها عدد من نوابه وبإيعاز منه باستهدافهم رئيس المجلس من دون سابق إنذار، ما اضطر «أمل» للرد على هذه الحملات ولم تتوقف إلا بعد تدخل «حزب الله» لدى باسيل، مع أنه نأى بنفسه عن إعطاء الأسباب التي كانت وراء خرق التهدئة.
واعتبر أن خرق التهدئة لم يكن عفوياً وإنما جاء في سياق عدم موافقة باسيل على الخطوط العريضة التي رسمها نصر الله لتشكيل الحكومة، وقال إن لباسيل أجندة سياسية أخرى بدعم من عون، وتقع تحت عنوان: تعويم باسيل أولاً، وإلا لماذا تخلى عن دوره في تشكيلها وأوكل أمره إلى وريثه السياسي؟
لذلك، فإن المشكلة ليست في إقرار البطاقة التموينية إنما في توفير التغطية المالية لها لئلا تبقى حبراً على ورق لأن مشروع الحكومة لم يلحظ كيفية تمويلها.



وفيات الكوليرا في اليمن ترتفع 37 %

نقص التمويل في اليمن أغرق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية (إعلام محلي)
نقص التمويل في اليمن أغرق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية (إعلام محلي)
TT
20

وفيات الكوليرا في اليمن ترتفع 37 %

نقص التمويل في اليمن أغرق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية (إعلام محلي)
نقص التمويل في اليمن أغرق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية (إعلام محلي)

زادت الوفيات بالكوليرا في اليمن بنسبة 37 في المائة، في الوقت الذي أظهرت فيه بيانات حكومية وأخرى أممية ارتفاع عدد الإصابات بمرض حمى الضنك إلى أكثر من 1400 حالة خلال أول شهرَيْن من العام الحالي، إذ احتلّت محافظة حضرموت الصدارة في عدد الإصابات المسجلة.

ووفق بيانات منظمة الصحة العالمية، تمّ رصد 1456 حالة اشتباه بحمى الضنك في المحافظات الجنوبية الشرقية من اليمن منذ بداية هذا العام، ولهذا دشنت حملة جديدة لمكافحة الحمى في 8 محافظات بدعم من إدارة الحماية المدنية وعمليات المساعدات الإنسانية التابعة للاتحاد الأوروبي، وبهدف القضاء على مواقع تكاثر البعوض الناقل للمرض.

وتظهر بيانات المنظمة أن المحافظات الجنوبية الشرقية من اليمن سجلت العام الماضي 9901 حالة إصابة بحمى الضنك، من بينها 9 وفيات، في حين أكدت دائرة الترصد الوبائي في مكتب الصحة في منطقة ساحل حضرموت تسجيل 331 حالة اشتباه بالإصابة بحمى الضنك والكوليرا والحصبة، منذ بداية هذا العام وحتى 4 مارس (آذار) الحالي.

وحسب بيان دائرة الترصد الوبائي، فإن أغلب حالات الإصابة كانت بحمى الضنك بعدد 167 حالة، وتصدّرت مدينة المكلا عاصمة المحافظة القائمة في عدد الإصابات المسجلة بـ68 حالة، تلتها مديرية بروم ميفع بـ40، وغيل باوزير بـ19، ثم حجر بـ15، وأرياف المكلا 14، وتوزّعت بقية الحالات على مديريات الديس وغيل بن يمين، والشحر.

التصدي للكوليرا في اليمن يتطلّب تدخلات عاجلة وشاملة (الأمم المتحدة)
التصدي للكوليرا في اليمن يتطلّب تدخلات عاجلة وشاملة (الأمم المتحدة)

وأظهرت البيانات الحكومية ارتفاع حالات الاشتباه بالكوليرا إلى 81 حالة، سجلت أغلبها في مديرية حجر بعدد 36 حالة، ثم مديرية بروم ميفع 32، ومدينة المكلا 4 حالات، ومثلها في غيل باوزير، في حين بلغت حالات الاشتباه بالحصبة 83 حالة، أغلبها في عاصمة المحافظة 23 حالة، ثم مديرية غيل باوزير بـ21، ثم مديرية الديس بـ17، والشحر 11 حالة، وتوزّعت بقية الحالات على بقية مديريات ساحل حضرموت.

تعافي الحالات

مع ذلك، أكدت دائرة الترصد الوبائي أن نحو 99 في المائة من حالات الإصابة المسجلة بهذه الأمراض تماثلت للتعافي، بعدد 329، في حين تبيّن أن 57 في المائة من حالات الحصبة كانت لمصابين غير مطعّمين ولم يتلقوا أي جرعة من اللقاحات.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد ذكرت أن اليمن يتحمّل العبء الأكبر من حالات الإصابة بالكوليرا على الصعيد العالمي، مشيرة إلى أن البلاد عانت من سريان الكوليرا بصفة مستمرة لسنوات عديدة، وسجلت بين عامي 2017 و2020 أكبر فاشية للكوليرا في التاريخ الحديث.

57 % من حالات الإصابة بالحصبة في اليمن كانت لأطفال غير مطعّمين (الأمم المتحدة)
57 % من حالات الإصابة بالحصبة في اليمن كانت لأطفال غير مطعّمين (الأمم المتحدة)

وبيّنت أنه حتى 1 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أبلغ اليمن عن 249 ألف حالة مشتبه في إصابتها بالكوليرا، وحدوث 861 وفاة مرتبطة بهذا المرض منذ بداية العام الماضي. وذكرت أن هذا العدد يشكّل 35 في المائة من العبء العالمي للكوليرا، و18 في المائة من الوفيات المبلغ عنها عالمياً.

وقالت المنظمة الأممية إن عدد الحالات والوفيات المبلغ عنها ارتفع قبل نهاية العام الماضي بنسبة 37 في المائة و27 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبقه، وأعادت أسباب ارتفاع أرقام الإصابات والوفيات إلى إضافة بيانات أكثر تفصيلاً من جميع المحافظات اليمنية.

نقص التمويل

أكد ممثل منظمة الصحة العالمية ورئيس بعثتها لدى اليمن، أرتورو بيسيغان، أن فاشيات الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والإسهال المائي الحاد، تفرض عبئاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من فاشيات أمراض متعددة.

وقال إن على المنظمة والجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني أن تبذل جهوداً مضنية لتلبية الاحتياجات المتزايدة في ظل النقص الحاد في التمويل. ونبه إلى أن «عدم الحصول على مياه الشرب المأمونة، وسوء ممارسات النظافة العامة في المجتمعات المحلية، ومحدودية فرص الحصول على العلاج في الوقت المناسب؛ تزيد من عرقلة الجهود الرامية إلى الوقاية من المرض ومكافحته».

صغار السن أكثر عرضة للإصابة بالإسهالات الحادة والكوليرا في اليمن (الأمم المتحدة)
صغار السن أكثر عرضة للإصابة بالإسهالات الحادة والكوليرا في اليمن (الأمم المتحدة)

وذكر المسؤول الأممي أن التصدي للكوليرا في اليمن يتطلّب تدخلات عاجلة وشاملة تشمل التنسيق، والترصد، والقدرات المختبرية، والتدبير العلاجي للحالات، ومبادرات المشاركة المجتمعية، والمياه والصرف الصحي والنظافة العامة، والتطعيمات الفموية ضد الكوليرا، مشيراً إلى أن الاستجابة للكوليرا في اليمن تواجه فجوة تمويلية قدرها 20 مليون دولار.

تدريب وتطعيم

وفق بيانات المنظمة الأممية، أُغلق 47 مركزاً لعلاج الإسهال و234 مركزاً للتغذية الفموية، بسبب نقص التمويل خلال العام الماضي، وقد دعّمت المنظمة أكثر من 25 ألف بعثة لفرق الاستجابة السريعة لاستقصاء الإنذارات وبدء تدابير المكافحة على المستوى المحلي، ووفّرت الكواشف واللوازم المختبرية لدعم جهود تأكيد حالات العدوى في 12 مختبراً مركزياً للصحة العامة.

وقالت المنظمة إنها اشترت الأدوية الأساسية والإمدادات الطبية وإمدادات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة والوقاية من العدوى ومكافحتها ووزّعتها على المرافق الصحية، ومنها مراكز علاج الإسهال الثمانية عشر المدعومة من المنظمة.

وإلى جانب ذلك، درّبت منظمة الصحة العالمية أكثر من 800 عامل، ودعّمت وزارة الصحة العامة والسكان بحملة تطعيم فموي ضد الكوليرا لتوفير الحماية لنحو 3.2 مليون شخص في 34 مديرية في ست محافظات يمنية.