قبل أن تكمل السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا الشهر الثالث من عمرها، بدا أن كلا من المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، وحكومة «الوحدة الوطنية» التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، يتحرك بمفرده على مسار حل الأزمات الداخلية، كما ظهرت خلافات في وجهات النظر حول إدارة البلاد دبت بين الشركاء الذين احتفى بهم الليبيون فور تولي المسؤولية.
ويبرهن على هذا التباعد بين أعضاء السلطة التنفيذية الجديدة اتخاذ قرارات تتعلق بتسيير الأمور في البلاد. وتجلى هذا الأمر بشكل أكبر بعد الرسالة التي بعث بها المنفي إلى وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، عن طريق رئيس الحكومة، يطالبها بإلغاء سفر وفد يضم أطيافا مختلفة من الجنوب الليبي إلى إيطاليا بعد تلقيه (الوفد) دعوة لعقد ملتقى للمصالحة في روما. وعبّر المنفي عن انزعاجه لعدم إخباره بسفر وفد الجنوب إلى إيطاليا، وقال: «من خلال متابعتنا لملف المصالحة الوطنية، تبادر إلى علمنا قيام وزارة الخارجية الليبية بالاستعداد لابتعاث وفد من أطياف الجنوب الليبي إلى زيارة إيطاليا وفقا للدعوة المقدمة من قبل وزارة الخارجية الإيطالية لعقد ملتقى مصالحة فوق الأراضي الإيطالية دون التنسيق المسبق مع المجلس الرئاسي».
الأمر المثير للاهتمام والذي جعل كثيراً من الليبيين يطرحون عددا من علامات الاستفهام، أن وزارة الخارجية الإيطالية، تعاملت بشكل رسمي وأخبرت حكومة «الوحدة الوطنية» برغبتها في دعوة وفد من الجنوب لحضور ملتقى لـ«المصالحة الوطنية» في روما، غير أن الحكومة لم تضع المجلس الرئاسي في الصورة، «ما يعكس تضارب الاختصاصات وتغولها بين السلطة التنفيذية التي لم يتبق على بقائها في السلطة سوى ستة أشهر على الأكثر»، حسبما ذكر مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط».
ورغم ذلك، عبّر المنفي عن استنكاره من تدخل إيطاليا في ملف المصالحة الذي قطع فيه شوطاً كبيراً، وقال في رسالته للمنقوش: «نشجب ونستنكر هذا التصرف من قبل وزارة الخارجية الإيطالية»، كما أن الأمر «يستوجب إلغاء الملتقى المشار إليه وإخطار الجانب الإيطالي بضرورة احترام مبادئ السيادة الداخلية، ومراعاة علاقات حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة».
وذكر رئيس المجلس الرئاسي بأن مخرجات «ملتقى الحوار السياسي الليبي» في جنيف أوكلت إلى المجلس الرئاسي إطلاق مسار المصالحة الوطنية، وذلك بتشكيل مفوضية وطنية عليا للمصالحة، وهو ما دفعه (المجلس) إلى التعاطي سريعا مع هذه الدعوة، فأصدر قراره رقم 5 لسنة 2021 بإنشاء المفوضية الوطنية العليا للمصالحة.
وقال مصدر سياسي مقرب من السلطة التنفيذية لـ«الشرق الأوسط» إن العلاقة بين المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة الوطنية» شابها بعض الفتور في الآونة الأخيرة، كما أن العلاقة بين المنفي ونائبيه عبد الله اللافي، وموسى الكوني، لم تعد كما كانت منذ انتخاب المجلس الرئاسي في بداية شهر فبراير (شباط) الماضي.
وعزا المصدر أسباب ذلك، إلى ما وصفه بـ«معركة الصلاحيات الواسعة»، التي «مكّنت رئيس الحكومة من اتخاذ العديد من القرارات، والتحرك على المسار الدولي خصماً من رصيد المجلس الرئاسي»، لكن هناك من يرى أن الدبيبة «يتحرك وفق السلطة المخولة لأي رئيس حكومة منوط به التعاطي مع المسارين الداخلي والخارجي».
وفي الخامس من فبراير فاز محمد يونس المنفي، الذي يتحدر من مدينة طبرق بـ(شرق البلاد) برئاسة المجلس الرئاسي الليبي، الذي يضم في عضويته عبد الله اللافي نائبا لرئيس المجلس عن غرب البلاد، وموسى الكوني نائبا عن الجنوب، كما فاز عبد الحميد الدبيبة، الذي يتحدر من مدينة مصراتة بمنصب رئيس الحكومة.
والجفوة التي تعتري العلاقات بين السلطة التنفيذية، ظهرت إلى العلن قبل أيام عندما اعتلى الدبيبة ظهر جرافة كبيرة بجوار قائدها، وهي تزيح التراب عن عرض الطريق الساحلي الرابط بين مدينتي مصراتة وسرت، لتسارع اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» وتعلن في اليوم التالي عبر وسائل الإعلام استمرار غلق الطريق، إلى حين إنهاء بعض المعوقات، وعلى أثر ذلك وصفت القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، هذا الإجراء بأنه «استعراضي ومرفوض لأنه جاء من جانب واحد».
ورأى المصدر السياسي أن الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، «هي الحل الأمثل لفض الاشتباك والانقسام الذي تعانيه ليبيا من سنوات حول الصلاحيات، إذ إنه في حال إتمامها سيكون للبلاد رئيس واحد بصلاحيات واضحة ومحددة، دون تدخل من حكومة أو برلمان، وهو ما يحلم به جل الليبيين وينتظرون تحقيقه».
وفي الخامس من أبريل (نيسان) الماضي، أعلن رئيس المجلس الرئاسي عن تأسيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، وقال إنها ستكون «صرحاً لجميع الليبيين وتحقيق العدالة فيما بينهم بما يكفله القانون».
غياب التنسيق بين «الرئاسي» الليبي والحكومة يُفجّر خلافات ويطرح أسئلة
غياب التنسيق بين «الرئاسي» الليبي والحكومة يُفجّر خلافات ويطرح أسئلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة