ألغام طرابلس... عقبة كبيرة في طريق إنهاء الأزمة الليبية

منزل في طرابلس تعرض للتدمير بعد انفجار لغم بداخله (رويترز)
منزل في طرابلس تعرض للتدمير بعد انفجار لغم بداخله (رويترز)
TT

ألغام طرابلس... عقبة كبيرة في طريق إنهاء الأزمة الليبية

منزل في طرابلس تعرض للتدمير بعد انفجار لغم بداخله (رويترز)
منزل في طرابلس تعرض للتدمير بعد انفجار لغم بداخله (رويترز)

رغم الاهتمام المحلي والدولي بالنتائج الإيجابية التي خلص إليها مؤتمر «برلين 2» المعني بالأزمة الليبية، والذي تركز أساساً على عملية الانتقال السياسي في البلاد وإخراج المقاتلين الأجانب، لا تزال تداعيات الفوضى والاقتتال تعبر عن نفسها بشكل أكبر عمقاً من مجرد خروج المتقاتلين، أو توقفهم عن الحرب، إذ لا تزال «الألغام»، التي تعد أكبر تجليات العنف في ليبيا، مدفونة في بعض المناطق، وتهدد حياة المواطنين بشكل يومي.
ويُذكّر مقتل صديق الفرجاني في انفجار لغم، خلفه مقاتلون أجانب في منزله بجنوب طرابلس، بالرهانات الخطيرة في الصراع الليبي، فالرجل الذي كان في التاسعة والثلاثين من عمره عندما لقي حتفه، وكان يخطط للزواج، كان ذاهباً مع ثلاثة من جيرانه لتفقد الأضرار التي لحقت بمنازلهم جراء القتال، الذي اندلع الصيف الماضي، وكان يلتقط صورا بهاتفه المحمول عندما تعثر في سلك.
وقال شقيقه إسماعيل (37 عاما) لـ«رويترز»: «فجأة سُمع انفجار كبير... وقيل لي إن صديق توفي على الفور، متأثرا بجراحه البالغة». ولا يزال خطر تجدد الصراع قائما، رغم توقف الأطراف الرئيسية عن القتال، وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، تمثل أكبر أمل لتحقيق السلام المفقود منذ سنوات.
ويعتبر جنوب طرابلس أكبر مكان يتجلى فيه هذا الخطر الداهم، حيث ترك المتقاتلون والعديد من المرتزقة الأجانب كمية كبيرة من المتفجرات والألغام، التي أودت بحياة العشرات ممن حاولوا العودة لمنازلهم.
والأخطر من ذلك أن هذه الألغام الأرضية أُخفيت في المنازل والشوارع، أو داخل أغراض لا تثير الريبة، مثل ألعاب الأطفال والأجهزة المنزلية بهدف الخداع. ولم يتسن الوصول إلى ممثلين عن قوات «الجيش الوطني» للتعليق على اتهامهم بترك هذه الألغام، لكنهم «نفوا من قبل زرع متفجرات في مناطق المدنيين».
وكان الفرجاني يعيش في منطقة وادي الربيع، التي شهدت اشتباكات خلفت سيارات محترقة، ومنازل ومتاجر دمرها القصف، وكُتبت بالطلاء الأحمر عبارة «احذروا الألغام» على الجدران والأسوار على امتداد الشارع.
وبعد أن نزحت عائلة فرجاني إلى مكان آخر بالعاصمة، لم تجد بدا من العودة إلى منزلها، وبسبب عدم قدرته على تحمل تكاليف تأجير مسكن في طرابلس، لم يكن لدى إسماعيل وأسرته خيار سوى العودة والإقامة في ملحق أقامه بمنزله المجاور لمنزل أخيه، المحاط بمزارع ومنازل قد تؤدي كل خطوة فيها إلى حدوث انفجار. ولحظه العاثر، خطأ صديق هذه الخطوة الدامية، ليضيف بذلك اسمه لقائمة الضحايا المدنيين.
وفي منطقة عين زارة، قاد عبد الرحمن العريفي (25 عاما) السيارة عائدا إلى منزل الأسرة الصيف الماضي مع والدته للوقوف على حجم الخسائر، التي لحقت به. وبعد أن انعطف إلى طريق ترابي لشراء قنينة مياه مرت السيارة على لغم، وعندما استفاق بعد نصف ساعة كانت عيناه متورمتين وجسمه خدرا. كافح العريفي للخروج من السيارة، ووجد والدته ملقاة على الطريق وكان وجهها مشوها، وساقها مقطوعة ومصابة بجروح بالغة في البطن، وقال إنها «تأوهت لفترة وجيزة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة... وصرخت قليلا ومن ثم توفيت».
وبحث مؤتمر «برلين 2» التقدم في المسار السياسي في ليبيا، وإجراء انتخابات عامة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وانسحاب المقاتلين الأجانب. لكن عملية السلام لا تزال تواجه العديد من التحديات التي قد تؤدي بها إلى الانهيار، ويتجدد على أثرها القتال. فيما لا تزال جماعات مسلحة تحتفظ بالسلطة والنفوذ على الأرض.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.