ناشرون وكتاب يثمنون قرار السعودية تخفيف قيود الرقابة

توقعات بإطلاق 300 ألف عنوان وتطلعات لتغيير نظام المطبوعات

تمثل السعودية أكبر سوق عربية للنشر
تمثل السعودية أكبر سوق عربية للنشر
TT

ناشرون وكتاب يثمنون قرار السعودية تخفيف قيود الرقابة

تمثل السعودية أكبر سوق عربية للنشر
تمثل السعودية أكبر سوق عربية للنشر

أنهت السعودية إشكالية تتعلق بالرقابة على الكتب، محققة مطلباً للناشرين والمؤلفين وجمهور الثقافة الذين انتظروا هذا القرار منذ عقود؛ بإطلاق خدمة الفسح المباشر للمؤلفات المكتوبة التي تشمل: الكتب، والكتب الإلكترونية، والمطبوعات، التي تبلغ نسبة طلباتها على خدمات الفسح 61 في المائة خارجياً، و39 في المائة محلياً؛ مما يتيح وصول كل ما ينشر إلى الجميع بالتزامن مع صدور الكتب والمطبوعات، والمحتوى المقروء، وفقاً لما أعلنته الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع يوم السبت الماضي، التاسع عشر من شهر يونيو (حزيران) الحالي.
وكانت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع السعودية، قد أكدت في بيان لها، أن «السعودية من أوائل الدول على مستوى المنطقة التي تقدم خدمة الفسح المباشر للقطاع الخاص للمحتوى المقروء، حيث يمكن للمستفيدين التقدم للحصول على الفسح الفوري للمطبوعات الخارجية عبر منصة التراخيص الإلكترونية التابعة للهيئة، بعد التزامها بالاشتراطات والضوابط المعمول بها، وتشمل الخدمة الكتب الورقية والإلكترونية».
وتوقعت الهيئة، أن يبلغ عدد فسوحات العام الأول من إطلاق الخدمة 300 ألف عنوان، مؤكدة أن سرعة الفسح ستتيح للجميع المتابعة والتفاعل مع كل ما ينشر في حينه وبالتزامن مع صدور الكتب والمطبوعات والمحتوى المقروء بشكل عام. وأوضحت، أن التعديلات الجديدة على اللائحة ستنعكس بشكل إيجابي على قطاع التجارة الإلكترونية والمطبوعات، فبالإضافة إلى تسهيل عملية الفسح على المؤلفين والناشرين وموزعي الكتب واختصار مدة الانتظار، ستسهم كذلك في تشجيع دخول المستثمرين في قطاع التأليف والنشر والتوزيع، كما أنها ستنمي قطاع تجارة الكتب الإلكترونية، وإثراء منافذ التوزيع السعودية بالمحتوى المتميز فور صدوره، ويشكل القرار أيضاً دعماً مباشراً لدور النشر السعودية التي كانت تعاني من منافسة غير عادلة من دور النشر الأخرى. ويسهم تطبيق الفسح الفوري كذلك في الحد من القرصنة والتحايل وتسرب المستخدمين إلى المتاجر العالمية.
وسجلت «الشرق الأوسط» آراء عدد من الناشرين والمؤلفين من المهتمين بصناعة النشر من داخل السعودية وخارجها حول هذا القرار، ولم تخلُ آراؤهم من طرح مطالب تجاوزت أهمية هذا القرار غير المسبوق إلى طرح آلية لتوحيد جهات وإجازة أعمال النشر، لتسهيل إجراءات الفسح المباشر دون المرور بالإجراءات البيروقراطية، وتعدد جهات الإجازة للكتب والمطبوعات، التي تعيق سرعة فسح المؤلفات المكتوبة.

د. محمد المشوح (مؤسس ومدير دار «الثلوثية» - الرياض): ينبغي منح الناشرين والمؤلفين حق الطباعة

إن قرار وزارة الإعلام فيما يتعلق بالموافقة على فسح الكتب الإلكترونية وتسهيل إجراءاتها يعدّ أمراً مهماً في منظومة ننتظر استكمالها كناشرين، ومن المتعارف عليه لدى قراء الكتاب والمؤلفين والناشرين أن فسوحات الكتب هي المعضلة الكبرى التي تواجه الجميع في كثير من الدول.
لقد كان لنظام المطبوعات الذي خوّل للوزارة الصلاحيات الكاملة في إجراء الفسوحات للكتب المطبوعة داخلياً أو خارجياً، دور في إحجام كثير من المؤلفين من الكتابة والتدوين؛ بسبب شدة الإجراءات، وطول أمد الفسح طيلة السنوات الماضية رغم التطورات التي حصلت في السنتين الماضيتين.
إننا الآن أمام مطالب عديدة نقدمها للوزارة تكمن في سرعة إيجاد آليات متناسبة ومتناسقة مع التطورات الإلكترونية المذهلة التي تعيشها السعودية، ومنها إجراءات الفسوحات، وأنه من المهم أن يتم النظر بواقعية تامة إلى موضوع الرقابة البعدية وتفعيلها، وأن المؤلف والناشر يتحمل التبعات الناشئة عن ذلك.
لا شك أن رخص الفسوحات التي تمنح لبعض دور النشر والذي أعلنت عنه الوزارة مؤخراً سوف يسهم أيضاً في تخفيف المسؤوليات على الجهات الرقابية. نحن نعلم أن الجهات الرقابية المعنية؛ الوزارة، وزارة الإعلام ترتبط أيضاً بعشرات الجهات التي تسمح وتفسح بحكم اختصاصاتها، سواء كانت الإفتاء أو وزارة الصحة، أو دارة الملك عبد العزيز أو غيرها من المؤسسات، وهذا الأمر أرى أن من الضروري أن يتم إعادة النظر فيه، وأن يتاح للناشرين وللمؤلفين الطباعة فوراً، ويتحملوا مسؤولياتهم. ومن المهم أن نلفت النظر إلى أننا أمام تجربة أخرى، وهي تجربة الأندية الأدبية؛ فالأندية الأدبية لا تمرّ على عين الرقيب، فكتبهم لا ترد على وزارة الإعلام بالفسوحات، وإنما يتحملون تبعاتها أو ما يعرف بالرقابة البعدية للكتاب.
تطلعنا كبير بأن هذا الأمر سوف ينعكس إيجاباً وبقوة تامة على سوق النشر السعودية التي تعتبر أكبر سوق عربية للنشر لولا تلك المعوقات التي تشهدها السوق. نأمل من وزارة الإعلام أن تستكمل المنظومة الرقابية في ذلك، وأن تبادر إلى حسم موضوع الرقابة على الكتب، سواء كانت من الداخل أو من الخارج، أو سواء كانت إلكترونية أو ورقية؛ حتى يتسنى العيش في هذا الفضاء الواسع، ومن ثم تفعيل ما يسمى بالرقابة البعدية، والمحاسبة القضائية على ما يرد، ونحن دولة مؤسسات وقانون، ومن المهم أيضاً أن تخفف الأعباء على الجهات والمسؤوليات في هذا الأمر؛ لأن هذا الأمر أصبح متعلقاً بعشرات الجهات والمسؤوليات التي يمر عليها كل عنوان أو موضوع.

محمد الفريح (مدير شركة «العبيكان» للنشر والترجمة): مطرقة القرصنة وسندان التوزيع

استبشرت خيراً بصدور قرار وزارة الإعلام الأخير الخاص بالفسح الفوري لإصدارات دور النشر الخارجية من المطبوعات، وهو وإن كان قراراً جريئاً ومتطوراً وسيحقق نقلة نوعية في اختصار بعض الإجراءات المطولة سابقاً، إلا أنه لا يزال قاصراً ولا يحقق ما يطمح له الناشرون والموزعون السعوديون من تغيير نمط وطريقة إجراءات الفسح الحالية والتي تأخذ أحياناً أسابيع، وبعضها يمتد لأشهر، وتتداخل هذه الإجراءات ضمن صلاحيات عدد من القطاعات المختلفة كل حسب تخصصه؛ الأمر الذي زاد الأمر تعقيداً وطولاً.
مع قناعتي الشخصية بأن التحديث والتجديد وتجاوز بعض الأنظمة التقليدية ومواكبة روح العصر لم يعد ترفاً ورفاهية، وإنما واجبات لازمة حتمتها طبيعة الزمن المتسارع جداً، الذي لم يعد فيه مكان للتفكير بالطريقة السابقة نفسها التي أكل عليها الدهر وشرب، وأخذت من جهد الناشرين والمراقبين وموظفي الإعلام ووقتهم ما أخذت، وقد يتفق معي عدد من الناشرين والموزعين والوراقين وممتهني صناعة التأليف والنشر، أن تغيير نظام المطبوعات تغييراً هرمياً هو الحل الأمثل والأنجع لملاحقة تطورات العصر، فتكون مسؤولية رقابة المحتوى والكتب لدى الناشرين والمشتغلين بصناعة الكتب وحدهم، ويبقى دور المؤسسة الحكومية وصانع القرار في التشريع وسن القوانين والأنظمة وتحديثها ومراقبتها وفقاً لمتطلبات العصر الرقمي الجديد.
أكرر على ضرورة وجود التشريعات الخاصة بأنظمة وترخيص ونشر الكتب الرقمية بأنواعها والتفاعلية والصوتية والمحتوى المخصص لفئات معينة ككتب المكفوفين وغيرها، والتي أصبحت سمة غالبة ومهيمنة في عصرنا الحاضر، والتي لا يوجد لها حتى اللحظة تراخيص واضحة المعالم في أنظمة وتشريعات الوزارة. كلنا أمل بأن يتبع هذا القرار رغم أهميته قرارات أخرى تدعم وتساند حركة النشر والترجمة والتأليف والتوزيع التي تئن وتتوجع بين مطرقة القرصنة والاحتيال وسندان التوزيع.

د. بدر بن صالح الوهيبي (باحث ومؤرخ): تعدد جهات الإجازة

ورأى الباحث والمؤرخ الدكتور بدر بن صالح الوهيبي، الذي أنجز عدداً من المؤلفات اللافتة والموثقة، وخاض معركة «إجازة» مؤلفاته التي مرّت بين مد وجزر، أن قرار إلغاء الرقابة المسبقة على الكتب والاكتفاء بالرقابة في وقت لاحق إجراء لا يكفي في ظل «رؤية 2030»، حيث يتطلب الأمر إسناد الفسوحات لدور النشر بدلاً من تعدد الجهات التي تتولى الإجازة والفسح، حيث تتحمل دور النشر مسؤولية ما ينشر، وفق نظام المطبوعات، وهو ما يحقق الفائدة للمؤلف والناشر، وتقليل خسارة وضياع الفرص على المؤلفين، كما أن مثل هذا الإجراء، سيساهم في إنعاش سوق النشر في السعودية ومعارض الكتاب. إن التأخير في البت بإجازة وفسح الكتب، الذي يتفاوت بين الطول والقصر لدى الجهات التي تحول إليها الكتب والمؤلفات تضع الناشر والمؤلف في حرج.

ربيع كسروان (مؤسس ومدير عام «منتدى المعارف» بيروت): دفعة كبيرة لحركة التأليف

قرار إلغاء الرقابة المسبقة على الكتب، سيكون له الأثر الكبير في إحداث نهضة كبيرة في قطاع النشر في المملكة، عن طريق إعطاء دفعة كبيرة لحركة التأليف والكتابة لدى قطاع المؤلفين والكتّاب باختصاصاتهم كافة، فكلما كانت الوسيلة سهلة ومتاحة أقبل المؤلف على تقديم منتوجه بيسر إلى الناشر. إن المؤلف لن ينتظر طويلاً لكي يرى عمله منشوراً أو موزعاً في الأسواق في فترة وجيزة، على عكس ما كان يجري في السابق، حيث يضطر المؤلف السعودي مثلاً إلى نشر عمله خارج المملكة ليقوم الناشر الخارجي بإرساله مجدداً إلى المملكة لكي يقوم بعرضه من خلال أحد الموزعين المحليين السعوديين للفسح القانوني، وهذا مسار طويل للوصول القانوني إلى القارئ والسوق السعودية.
من هنا، ومع تدفق المزيد من أعمال المؤلفين السعوديين عبر الناشرين السعوديين سيضاعف من الأعمال المنشورة بشكل كبير داخل المملكة مع السرعة المتوقعة في إنجاز مسار النشر، ويكون له تأثير مضاعف لأن المزيد يجر المزيد ويشجع الآخرين، وكلما انتعش قطاع النشر شجع ذلك على تحفيز الكتاب للكتابة، وهكذا.


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»
TT

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.

في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.

 

باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!

 

من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!

قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.

أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!

هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!

 

د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي

ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.

وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».

قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.

أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.

وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).

لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.

 

عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية

ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.

ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.

وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.

 

كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة

ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.

تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.

والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.

في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.

مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.

 

حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي

من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.

وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.

وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.

وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.

وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.

جمانة الطراونة

 

جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»

الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:

«في الليلِ

أرى شخصاً آخرَ

لا أَعْرِفُـهُ

يَتَعَقَّبُني

فأغذُّ خطايَ،

وأسرعُ

أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:

– اصحبْني ظلاً

فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».

أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.