في شمال محافظة درعا على أطراف محافظة السويداء جنوبي سوريا، أرض تسمى اللجاة. قرى نائية وناس منسيون، يعاني أهلها صعوبة العيش. الوصول إليها يستلزم قطع مسافات طويلة، سكانها يعيشون في شبه عزلة، هم من العشائر البدوية المشهورة جنوب سوريا، يعيشون في تجمعات صغيرة متباعدة منذ عشرات السنين ويقتاتون من تربية المواشي، عصفت بهم الحرب في سوريا وكان لهم نصيب من آثارها، معظم سكانها تركها ومنهم من عاد إليها بعد غياب سنوات، فيما البعض الآخر لا يزال يعاني النزوح في قرى حوران.
هناك قرى في اللجاة لم يعد أبناؤها إليها بعد تهجيرهم بفعل المعارك رغم دخولها ضمن مناطق اتفاق التسوية الذي جرى جنوب سوريا عام 2018. ومنها قرى الشياح، والشومرة، والعلالي، والمدورة، والظهر، والطف. وكلها قرى دمرت منازلها بشكل شبه كامل ولم يعد إليها سكانها الذين هجروا منها منذ أكثر من 8 سنوات بفعل قوات النظام السوري، بسبب قرب هذه القرى من ثكنات ومقرات عسكرية لقوات النظام السوري، وفقاً للناشط حسان محمد من منطقة اللجاة.
ويقول حسان محمد، مدير تحرير موقع «اللجاة برس» لـ«الشرق الأوسط» إن سبب عدم عودة سكان معظم قرى اللجاة إلى منازلهم، بعد اتفاق التسوية، هو أن قوات النظام السوري حولت هذه القرى التي هُجر أهلها إلى نقاط عسكرية. ورغم محاولات الأهالي في العودة إلى قراهم، عن طريق التواصل مع مسؤولين مدنيين في محافظة درعا، واللواء الثامن التابع للفيلق الخامس المدعوم من روسيا، وحتى مع الجانب الروسي نفسه، فإن جهودهم لم تثمر، وحتى استجابت الجانب الروسي أيضاً كانت محدودة وغير كافية بنسبة لطلبات الأهالي، لأنهم سهلوا عودة أهالي بلدة أيب شمال غربي منطقة اللجاة عام 2020 دون غيرها من القرى.
ويوضح محمد أن منطقة اللجاة تشهد كباقي مناطق درعا حالة عدم استقرار وانفلات أمني، شكلت القوات الروسية مجموعة تابعة للفيلق الخامس من عناصر فصائل التسويات الموجودين في منطقة اللجاة، بهدف منع ارتكاب خروقات وتجاوزات من قبل قوات النظام السوري في المنطقة، ولمنع تشكيل أي قوة عسكرية غير سورية في المنطقة.
وبحسب تعبيره لا توجد مقرات أو مجموعات تابعة لـ«حزب الله» أو الميليشيات الإيرانية في منطقة اللجاة، وأن «حزب الله» حاول تجنيد عدد من أبناء المنطقة بداية التسويات عام 2018، لكنه لم ينجح بذلك، نتيجة طبيعة أبناء المنطقة وهم من العشائر العربية الأصيلة، وانتشار مجموعات للفيلق الخامس المدعوم في روسيا هناك، حيث لاقت هذه المجموعات تأييداً شعبياً باعتبار أن عناصر المجموعة من أبناء منطقة اللجاة، كما توجد في اللجاة مجموعة من فصائل التسويات تابعة للفرقة الرابعة والمخابرات الجوية، أعدادهم بالعشرات ولا تحظى هذه المجموعة بتأييد شعبي، وليس لها مهام في منطقة اللجاة، ولكن يتم نقلهم على حواجز ضمن مناطق التسويات في درعا، وخاصة في مناطق ريف درعا الغربي. ويشير محمد إلى «فشل حزب الله في استقطاب منتسبين من السكان المحليين، ولم تسجل حتى الآن أي عملية انتساب لأي شخص من منطقة اللجاة مع الحزب بشكل مباشر، ولكن تم تجنيد عدد من الأشخاص في ميليشيات متهمة بالتعامل مع إيران وتتلقى التدريب على يد قادة (حزب الله) مثل ميليشيات الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية الموجودة في منطقة اللجاة».
وخلال ثلاث سنوات، لم تحصل تغييرات إيجابية على الخدمات الأساسية في منطقة اللجاة شمال شرقي محافظة درعا، حيث الترهل والفساد واضح في جميع المجالات مثل الصحة والتعليم والخدمات العامة، ووعود بتقديم الخدمات الأساسية للأهالي، وعودة مؤسسات الدولة إليها بما فيها التعليمية، لم تثمر حتى الآن، وفق ما قاله فراس وهو مدرس من منطقة اللجاة.
يعتبر قطاع التعليم من أكثر القطاعات التي تضررت خلال السنوات الماضية، حيث تم تدمير غالبية المدراس في منطقة اللجاة، ويعتبر التسرب التعليمي من أبرز المشكلات التي تواجه القطاع التعليمي في اللجاة، فقد أدت الأعمال العسكرية إلى نزوح مستمر للأهالي متسببة بانقطاع التلاميذ عن مدارسهم، وترك عدد كبير من الطلاب مدارسهم، بالإضافة إلى نقص الكوادر التعليمية، نتيجة النزوح والأوضاع الاقتصادية والأمنية السيئة، إضافة لفصل عدد كبير من الموظفين الأساتذة، بسبب أوضاعهم الأمنية، ولم يتم ترميم أي مدرسة تعرضت للقصف أو التدمير حتى الآن، ولم يشهد القطاع التعليمي أي تحسن.
ويقول نشطاء إنه يتم تدريس طلاب المرحلة الابتدائية حالياً في المناطق التي دمرت بها المدارس في منازل قديمة من الحجر عبارة عن غرفتين، وهي لا تصلح أن تكون مكاناً للتعليم، وأن معظم هذه المنازل تنعدم فيها المستلزمات والوسائل اللوجيستية التعليمية والخدمات المدرسية مثل مشارب المياه الصحية ودورات المياه وأماكن مخصصة لقضاء الاستراحة بين الحصص الدراسية، كحال أبناء قرية الجسري وسط منطقة اللجاة.
ويقول طالب في الصف الثالث الإعدادي تبعد مدرسته عن القرية التي يسكنها ثمانية كيلومترات: «نريد مستقبلاً أفضل، مستعدون لأن نتحمل تكاليف ومعناة الذهاب إلى المدرسة، ولكن أعدادنا قليلة في المدرسة، نحن 20 طالباً فقط في الصف الثالث الإعدادي، بعض المدارس أجبر الكثيرون من الذين دمرت المدارس في قراهم إلى ترك الدراسة، وحتى مستوى تعليمنا يختلف عن أبناء الأرياف والمدن، بسبب نقص الكادر التدريسي المتخصص واللوازم المدرسة الحديثة». وبسبب بعد المدرسة فإن الكثير من الطلاب يتركون التعليم ويتسربون من المدارس، كما أن أهالي بعض الطلاب لا يسمحون لهم بالذهاب إلى المدرسة البعيدة وخاصة الإناث.
تراجع خدمي
ويوضح حسان أن ما يقرب من 90 في المائة من سكان منطقة اللجاة يعانون من تدني الخدمات الأساسية وانعدامها في كثير من الأحيان، حتى على أبسط مستلزمات الحياة كمادة الخبز، حيث إن فرن الخبز في بلدة جدل يغطي أكثر من عشرة قرى، مما يؤدي إلى تزاحم بين المواطنين وتجمعهم لساعات طويلة من أجل الحصول على مادة الخبز في الوقت الذي يعاني فيه الفرن من شح في مادة الطحين، والانقطاع المتكرر للكهرباء مما يؤثر على جودة مادة الخبز، ونقص الكمية التي تغطي حاجة الأهالي. ويضيف أن المواطنين في المنطقة يعانون في تأمين مياه الشرب بسبب عدم صيانة الآبار، والانقطاع المتكرر للكهرباء، بالإضافة إلى تضرر كبير في شبكات التوزيع الداخلية ضمن القرى والبلدات، ويعتمدون على الصهاريج الخاصة باهظة الثمن لتأمين مياه الشرب والخدمة، حيث يصل سعر الخزان إلى أكثر من 5 آلاف ليرة سورية تحتاجه العائلة بشكل يومي.
من جهته، يوضح أبو جهاد البالغ من العمر 55 عاماً، وهو أحد سكان منطقة اللجاة، أن معظم قرى منطقة اللجاة مهمشة ومنسية، وبعضها الآخر يعاني انقطاعاً كاملاً لكافة مقومات الحياة، كالكهرباء والصرف الصحي ومياه الشرب وخدمات التعليم والخدمات الصحية والإغاثية.
وأوضح أن عدد بلديات منطقة اللجاة المفعلة حالياً تبلغ ثماني بلديات ولا مشاريع إنمائية أو إغاثية تنهض بالمنطقة، رغم عدة شكاوى من المواطنين، حتى المشاريع الغذائية والسلات الغذائية التي كانت تقدم للأهالي، هيمن عليها بعض الشخصيات، التي باتت تقدم إحصائيات غير دقيقة للمنظمات الداعمة والإدارة المحلية، مما أدى إلى حرمان نسبة كبيرة من الأهالي من حقوقهم في السلال الغذائية.
تواضع صحي
أحد الممرضين من منطقة اللجاة رفض الكشف عن اسمه الصريح لضرورة أمنية، يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن قوات النظام اتخذت من المركز الطبي الوحيد في المنطقة في بلدة صور غرب منطقة اللجاة مقراً لها، بالإضافة لعدد من المراكز الخدمية منها مبنى مؤسسة الكهرباء ومبنى المدرسة الإعدادية ومبنى البلدية ومبنى المقسم الآلي، كلها حولتها قوات النظام إلى مقرات عسكرية لها.
وتفتقر منطقة اللجاة للمشافي العامة رغم أنها تضم أكثر 70 قرية ولا يوجد بها من قبل الأحداث والحرب في سوريا أي مشفى عام، ويعتمد سكانها المحليون على المشافي في مناطق السويداء أو مدينة إزرع في درعا.
وأوضح أن دور المراكز الطبية الصغيرة الموجودة في اللجاة (المستوصفات الطبية) على خدمات بدائية مثل تضميد الجروح والكسور غير الخطيرة، واللقاحات الخاصة بالأطفال المقدمة من المنظمات الإنسانية وحتى أنها تنقطع أحياناً، وتحتوي على كادر طبي صغير وغير مختص، ولا يوجد في هذه المراكز أي معدات حديثة أو متوسطة الحداثة «ونظراً لضعف الإمكانيات الطبية والمهنية، وعدم الوعي من مخاطر فيروس (كوفيد - 19) نتيجة بساطة المجتمع والحياة في اللجاة، وعدم الاهتمام بالناس وتفعيل دور التوعية من مخاطر الفيروس، عانت منطقة اللجاة موجات حادة من مرضى (كوفيد - 19). ووفيات وصلت إلى أكثر من 200 حالة، وحالات مرضية وصلت إلى طلاب المدارس».
تشكلت هضبة اللجاة قبل ملايين السنين نتيجة البراكين والحمم التي قذفها بركان جبل العرب الخامد حالياً، يبلغ عدد سكانها 55 ألف نسمة، تحد منطقة اللجاة من جهة الشرق مدينة شهبا في محافظة السويداء، ومن الشمال قرية المسمية في درعا، ومن الغرب منطقة خبب في سهل حوران. جرت فيها معارك مع قوات النظام، تشكل فيها فصائل معارضة للنظام هي (لواء العمري) (جيش العشائر)، انتهت المعارك فيها بـتحريرها مطلع عام 2012. هجر العدد الأكبر من سكانها، وبقيت أعداد بسيطة فيها، ودخلت ضمن مناطق التسوية جنوب سوريا عام 2018.