ضمن مطبوعات «دار منشورات الربيع» بالقاهرة، صدر حديثا كتاب «إسعافات أولية» للروائي السوداني الدكتور أمير تاج السر، وهو عبارة عن نظرات تأملية قدم من خلالها قراءات مختلفة لكثير من القضايا الأدبية، منها علاقة السينما بالرواية، والنشر الشعبي الذي يتيح للقراء الحصول على الكتب بأقل الأسعار، كما تحدث عن عدد من الكتاب الكبار مثل الروائي الكولومبي جابريل جارسيا ماركيز وجيرالد مارتن الذي لازم ماركيز ثمانية عشر عاما وكتب سيرته، والتركي يشار كمال وآخرين.
تحدث تاج السر عما أسماه «سوء التذوق»، مشيرا إلى أن هناك قراء لم يتذوقوا «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا»، و«إيرنديرا الغانية»، وكل روائع ماركيز، وهذا راجع إلى أن البعض يقرأ أعمالا متفقا على مكانتها وقدرتها على الإبهار، وهذا النوع من القراء موجود في الوسط الثقافي العربي والغربي على السواء.
ولتوضيح وجهة نظره قال الأديب السوداني إن الموضوع سيكون أكثر قربا للفهم، عند الحديث عن رواية مثل «ذكرى عاهراتي الحزينات»، وهي رواية صغيرة الحجم كتبها ماركيز في أواخر عطائه الإبداعي، قبل أن يبتعد عن الكتابة لظروفه الصحية، وتعتبر «استنساخا» لرواية «ياسوناري كواباتا» التي يراقب فيها الرجال المسنون، فتيات صغيرات جميلات وهن نائمات، مقابل أجر يدفعونه لصاحبة البيت، وذكر أنها تعرضت لمراجعات كثيرة، وقد تنوعت وجهات النظر فيها، وتراوحت بين التمجيد واللوم، لكن الانتقادات التي لقيتها ظلت أكثر بكثير من التمجيد.
وفي حديثه عن علاقة السينما بالرواية قال تاج السر إن مسألة ارتباط الرواية بالسينما، والسينما بالرواية، من المواضيع الأثيرة لدى المحاورين، في الزمن الحاضر، وهناك دائما ثمة أسئلة في الحوارات والاستطلاعات العامة التي تجري بين حين وآخر، عن هذه القضية، التي ترتبط في الأذهان بروابط كثيرة، عمقتها موجة من الأفلام الجيدة، التي التقطت حكايتها من روايات منشورة، ما ساعد على ذيوع صيت الرواية والفيلم في الوقت نفسه.
رؤية خاصة
لكن هناك أمورا مهمة من وجهة نظر الروائي السوداني لا بد من أخذها في الاعتبار عند الحديث عن هذه القضية وهي أن القصة السينمائية التي تؤخذ من نص سردي، لن تكون أبدا هي النص السردي، والذي سيحدث حين نرى الفيلم هو مشاهدة نسخة أخرى من القصة، قد تكون أجود مما كتب المؤلف، أو أسوأ، أو مجرد عمل سينمائي طاف بجو الرواية المكتوبة وقدمها للمشاهدين، وقال تاج السر إن هذا يتضح عند قراءة آراء من طالعوا نصاً في كتاب، وشاهدوه في السينما أو التلفزيون بعد ذلك، وقتها سوف نلاحظ أن هناك آراء متباينة، من عشاق القراءة المدمنين على الكتب، هؤلاء سيغضبون، ويرون أن الرواية التي قرأوها قد شوهت بإضافة تفاصيل لم تكن مكتوبة، وحذف تفاصيل أخرى كانت تزين النص.
ورأى تاج السر أن ما تجب ملاحظته في هذه القضية أن كاتب السيناريو، عند حصوله على موافقة المؤلف لتحويل نصه الروائي إلى عمل دارمي، يتحرك طبقا لرؤيته الخاصة، ويعمل على إعادة تفصيل قصة الفيلم، وعناصرها وأجوائها، ويحاول بقدر الإمكان أن لا يبتعد كثيراً عن الأصل، خاصةً إن كان الكاتب قريباً من نصه، ويزعج كاتب السيناريو بين حين وآخر بالسؤال عما يحدث، وحين يفرغ ويقدم رؤيته المكتوبة سوف يحدث انفعال ما، ويردد الكاتب، أنها ليست قصته، رغم أنه يعلم تماما أنها قصته لكن أضاف لها السيناريست رؤية أخرى، ومتعة جديدة، اكتسبتها عند قراءتها ببصر السينما المختلف تماما عن بصر القراءة العادية.
ويرى تاج السر أن رواية «أحداث موت معلن» كانت مكتوبة بحيث تصبح فيلما في يوم ما، فهناك مشاهد سينمائية كثيرة داخل النص، وصور تتحرك أمام القارئ بتشويق عجيب، أيضاً لا نجد تلك الغرائبية المعروفة عند ماركيز كثيرا، لأنه كما قلت، كان يكتب رواية سيناريو، بوعي تام ملتزما بمواصفات النص الذي سيتحول إلى سيناريو، وهو ما يعني أن هناك روايات تسهل عمل السيناريست، وروايات تصعب عمله.
8:18 دقيقة
«إسعافات أولية»... تأملات في الثقافة والحياة
https://aawsat.com/home/article/3037896/%C2%AB%D8%A5%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9%C2%BB-%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9
«إسعافات أولية»... تأملات في الثقافة والحياة
ماركيز والذائقة القرائية وعلاقة السينما بالرواية
- القاهرة: حمدي عابدين
- القاهرة: حمدي عابدين
«إسعافات أولية»... تأملات في الثقافة والحياة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة