علاء البربري يختزل العالم في ملامح بطل مهزوم

بعد عشرين عاماً من التوقف يعود بمجموعته «غير المغضوب عليه»

علاء البربري يختزل العالم في ملامح بطل مهزوم
TT

علاء البربري يختزل العالم في ملامح بطل مهزوم

علاء البربري يختزل العالم في ملامح بطل مهزوم

في مجموعته القصصية الصادرة عن دار «بدائل» بالقاهرة، يطمح الكاتب علاء البربري إلى تجسيد المفاهيم المجردة بحيث تصبح شخوصاً ذات إرادة مستقلة تتفاعل مع الراوي الذي يبدو طوال الوقت وحيداً ضائعاً لا يملك مصيره ويكتفي طوال الوقت بمتابعة العالم من شرفة المتفرجين، آملا ألا يكون قد أوقعه حظه السيئ في قائمة «المغضوب عليهم» من جانب السلطات، ويقصد بها السعادة والمال والعيش في هدوء.
وكما يقال، يشكل العنوان عتبة لقراءة النص، حيث يبدو التصدير أو «التوطئة» التي استهل بها الكاتب مجموعته القصصية إحدى الرسائل الضمنية المهمة التي تفصح عن نوعية العالم الذي يريد من المتلقي أن ينخرط فيه «لي صديق يحب الجمال والخير والحرية، ولثبوت التهمة عليّ، حكم عليه بالإعدام عشقاً، ثم خُفف الحكم إلى المؤبد في سجن شديد الشاعرية. زرته مرة وحيدة فاشتكى لي من حارسته الجميلة، قال: يعذبونني يا صديق بوجه حر طليق، ويرغمونني على ولادة الألم، ثم دفن الكلمات من سكات في الزحام. قلت له: سأناشدهم كي يطلقوا سراحي، فقد سئمت منك ومن كفاحي لأجل شمعة في الظلام».
المفارقة أن المجموعة القصصية الأولى صدرت لعلاء البربري قبل أكثر من عشرين عاماً عن الهيئة المصرية للكتاب بعنوان «يوني سكس» وكانت واعدة للغاية بلغتها الحادة كنصل لامع وسخريتها العنيفة ورسمها الكاريكاتوري للشخصيات حتى إن كثيرين توقعوا لمؤلفها أن يكون واحداً من أهم كتاب جيل التسعينات في هذا الفن، مترقبين العمل القادم للشاب القاهري الهادئ الخجول. خذل البربري متابعي تجربته الأولى فلم يظهر له عمل جديد طوال عشرين عاماً ثم اختفى هو شخصياً من الساحة الأدبية وانشغل بعمله في الكويت، حتى بدا للبعض أن المجموعة الأولى كانت بيضة الديك التي لن تتكرر. وحين ظهرت هذه المجموعة، بدا أن المؤلف يستعيد براعته في نسج عالم مدهش وغرائبي يخصه: «جلست مع الوحدة مبتسماً أكاد أحسد نفسي. هدوؤها شدني إليها منذ النظرة الأولى. هي تفهمني جيداً دون أن أتكلم. تملؤني، أتنفسها، أغوص فيها وتغوص في داخل بيتي لا أحد يستطيع تسجيل قضية (فعل فاضح) ضدنا. لا أحد أصلاً يرانا معاً، وهي لا تخاف الظلام مثلي ولا ترهقني بعقد طفولتها. مرة صرخت بحماس وقلت لها: أحبك أيتها الوحدة... لولاك لكنت وحيداً في هذا البيت الكبير! وفي يوم اقترحت على جاري في الغرفة المجاورة أن نموت معاً، فسمعتني الوحدة. بكتْ وتوسلتْ ألا أتركها وحيدة!».
هذا المنوال من أنسنة الأشياء يبدو قاسماً مشتركاً في أغلب قصص المجموعة، حيث تنطق الجمادات أو تلوذ بصمت مهيب معبر، في كل الأحوال هي تملك وعيها الذاتي وحضورها المستقل فتصبح محملة بالأسى ومحاصرة بالنهايات المحتومة: «وأخيراً أكملت الطبخة الفاسدة حديثها للكرسي المنسي: ألن تأكل؟ لم يقل الكرسي شيئاً، لأنه كرسي... أكل وواصل الموت في سكات». وفي قصة «المريض» تتحول النبتة من كائن وديع ملقى بإهمال في الظل إلى ضحية خيالات مريضة لشخص لا يرى فيها سوى أنثى تصلح للزواج بهدف إنجاب عدد من الزهر الوفير!
لكن، ما الذي يحدث حين يتخلص الراوي من تفاصيل عالمه الضيق الصغير التي تشاركه شقته الصغيرة، الباردة على الدوام، ويقرر مواجهة العالم الأكبر وتحمل مسؤولية العيش في مدينة قاسية لا ترحم الرومانسيين أمثاله؟ يصطدم الراوي بالعديد من المفارقات التي تحاصره في واقع كابوسي لا يفيق منه أبداً: «بحث في الصباح عن وظيفة خالية. جريدة قديمة حملت هذا العنوان: قتيل أحب قتيلة. وبعد التفاصيل إعلان صغير: مطلوب حزين متفرغ، مصنوع من زجاج، خبرة في التحسس، يفضل سكان الكوكب الآخر».
تردنا أجواء هذا الألم لنوع من التناص المستتر، فقديماً قال الشاعر صلاح عبد الصبور: لست شاعراً حزيناً ولكني شاعر أتألم، وهذا بالضبط ما ينطبق على الراوي هنا. الألم يحاصره جسدياً ونفسياً فجميع الأشياء الحسنة تغادره ولا يبقى إلا كل ما يثير الأسى. على سبيل المثال، يحدث ذات مرة أن تضرب له البهجة موعداً ولكنه يصل متأخراً كما يليق بإنسان قدره الأبدي سوء الحظ. لا يجدها، يهاتفها فلا ترد. لقد نال منها الغضب مبلغه فلم تعد مجرد بهجة في العموم، بل بهجته هو على نحو خاص، بهجته الغاضبة.
تنوع نصوص المجموعة رسم ملامح بطل مهزوم، هش، سلبي، عاجز تماماً عن الفعل ومستسلم لقوى عديدة من حوله توجه مصيره وتتلاعب بمستقبله، سواء كانت معنوية كالوحدة والأرق والرغبة الحسية، أو جمادات مثل المقاعد وأدوات المطبخ وشاشات الكومبيوتر والهاتف والتلفاز. يسقط الراوي في بئر الأمنيات المستحيلة فتصبح المعجزات بديلاً مقبولاً يعفيه من عناء تحقيق ذاته أو تغيير واقعه «في تلك الليلة قررت أن أحلم بملعب لـ(الاسكواش) يشاركني الحائط فيه البهجة، يتحرك للأمام وللخلف، يقصر ويطول من تلقاء نفسه، يتمدد وينكمش، وكله بثوابه».
يساعد قصر قصص المجموعة في تكثيف هذا الجو بثقله وخفته، فهي أشبه بومضات قوية تتلاحق، سريعة فيما لا يتجاوز بضعة أسطر فتضئ ظلام الواقع معرية كل ما هو قبيح ومحتفية بالضعف والهشاشة في سياق أشمل من الحب والخير والجمال. لا يهم تصنيف النصوص في تلك الحالة سواء تم وصفها بـ«القصة الومضة» أو «القصة القصيرة جداً»، فالمهم هو السمات العامة التي تميز هذا النوع من الأشكال الفنية. هنا تنعدم الثرثرة ويتراجع الترهل، فلا فرصة للاستطراد، ولا مجال لسطر زائد أو فقرة يمكن الاستغناء عنها كما في كثير من الكتابات الأخرى. بينما تأتي المفارقة الساخرة في نهاية النص فيما يشبه «لحظة التنوير» التي تبعث برسالة فنية شديدة اللهجة والجمال إلى من يهمه الأمر من القراء.
إضافة إلى الولع بأنسنة الأشياء تعد السخرية ملمحاً أساسياً في البنية الجمالية لفضاء هذه المجموعة... إنها كتابة مكثفة تختزل العالم ونفسها فيما يشبه ذبذبة سردية ساخرة، في لوحة يتساوى فيها الإحساس بالوجود والعدم، وتحلق بهذه الكثافة فوق ما هو واقعي بحثاً عن بعض الهواء النقي.



ديمي مور «في حالة صدمة» بعد فوزها بأول جائزة تمثيل خلال مسيرتها

مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
TT

ديمي مور «في حالة صدمة» بعد فوزها بأول جائزة تمثيل خلال مسيرتها

مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)

حصلت الممثلة ديمي مور على جائزة «غولدن غلوب» أفضل ممثلة في فئة الأفلام الغنائية والكوميدية عن دورها في فيلم «ذا سابستانس» الذي يدور حول ممثلة يخفت نجمها تسعى إلى تجديد شبابها.

وقالت مور وهي تحمل الجائزة على المسرح: «أنا في حالة صدمة الآن. لقد كنت أفعل هذا (ممارسة التمثيل) لفترة طويلة، أكثر من 45 عاماً. هذه هي المرة الأولى التي أفوز فيها بأي شيء بصفتي ممثلة»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

الممثلة ديمي مور في مشهد من فيلم «ذا سابستانس» (أ.ب)

تغلبت الممثلة البالغة من العمر 62 عاماً على إيمي آدمز، وسينثيا إيريفو، ومايكي ماديسون، وكارلا صوفيا جاسكون وزندايا لتفوز بجائزة أفضل ممثلة في فيلم موسيقي أو كوميدي، وهي الفئة التي كانت تعدّ تنافسية للغاية.

وقالت مور في خطاب قبولها للجائزة: «أنا في حالة صدمة الآن. لقد كنت أفعل هذا لفترة طويلة، أكثر من 45 عاماً. هذه هي المرة الأولى التي أفوز فيها بأي شيء بصفتي ممثلة وأنا متواضعة للغاية وممتنة للغاية».

اشتهرت مور، التي بدأت مسيرتها المهنية في التمثيل في أوائل الثمانينات، بأفلام مثل «نار القديس إلمو»، و«الشبح»، و«عرض غير لائق» و«التعري».

وبدت مور مندهشة بشكل واضح من فوزها، وقالت إن أحد المنتجين أخبرها ذات مرة قبل 30 عاماً أنها «ممثلة فشار» أي «تسلية».

ديمي مور تحضر حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب» الـ82 في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا (رويترز)

وأضافت مور: «في ذلك الوقت، كنت أقصد بذلك أن هذا ليس شيئاً مسموحاً لي به، وأنني أستطيع تقديم أفلام ناجحة، وتحقق الكثير من المال، لكن لا يمكن الاعتراف بي».

«لقد صدقت ذلك؛ وقد أدى ذلك إلى تآكلي بمرور الوقت إلى الحد الذي جعلني أعتقد قبل بضع سنوات أن هذا ربما كان هو الحال، أو ربما كنت مكتملة، أو ربما فعلت ما كان من المفترض أن أفعله».

وقالت مور، التي رُشّحت مرتين لجائزة «غولدن غلوب» في التسعينات، إنها تلقت سيناريو فيلم «المادة» عندما كانت في «نقطة منخفضة».

وأضافت: «لقد أخبرني الكون أنك لم تنته بعد»، موجهة شكرها إلى الكاتبة والمخرجة كورالي فارغيت والممثلة المشاركة مارغريت كوالي. وفي الفيلم، تلعب مور دور مدربة لياقة بدنية متقدمة في السن على شاشة التلفزيون تلتحق بنظام طبي غامض يعدها بخلق نسخة مثالية من نفسها.