«برلين 2»... تقاسم حصص أم فرصة للحل في ليبيا؟

وزير الخارجية الأميركي يحضر المؤتمر

بلينكن حال مغادرته بريطانيا عقب قمة مجموعة السبع في 12 يونيو (أ.ف.ب)
بلينكن حال مغادرته بريطانيا عقب قمة مجموعة السبع في 12 يونيو (أ.ف.ب)
TT

«برلين 2»... تقاسم حصص أم فرصة للحل في ليبيا؟

بلينكن حال مغادرته بريطانيا عقب قمة مجموعة السبع في 12 يونيو (أ.ف.ب)
بلينكن حال مغادرته بريطانيا عقب قمة مجموعة السبع في 12 يونيو (أ.ف.ب)

تترقب الأوساط السياسية الليبية مجدداً الخطط والقرارات الدولية التي ستُتخذ بشأن أوضاع بلادهم، والتي قد يتكشف عن جزء غير قليل منها في مؤتمر «برلين 2» المقرر عقده في 23 من الشهر الجاري. وبينما عدّه البعض «اجتماعاً لإعادة تقسيم حصص القوى الخارجية المتداخلة بالشأن الليبي، ولن ينجح في إيجاد حل توافقي»، عدّه آخرون «فرصة كبيرة لحلحلة الأوضاع الراهنة».
كما يعود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى أوروبا الأسبوع المقبل، في مسعى لتعزيز العلاقات مع حلفاء بلاده (فرنسا وألمانيا وإيطاليا)، وأيضاً للمشاركة في المؤتمر الذي تستضيفه برلين بشأن ليبيا.
من جهته، توقع عضو المجلس الأعلى للدولة الذي يوجد مقره في طرابلس، عبد القادر أحويلي، أن «يسعى كل طرف لتأمين مصالحه عبر اتفاق جديد، وهذه ليست الأزمة، الأزمة الحقيقة أنهم مستمرون بخلافاتهم وتضارب مصالحهم، وبالتالي لا نتوقع أن ينجح هذا المؤتمر في إيجاد حل توافقي قد يثمر عن معالجة للانسداد السياسي الراهن». وقال أحويلي لـ«الشرق الأوسط»: «الحالة الوحيدة التي يمكن عبرها إنقاذ هذا المؤتمر من الفشل وأن تكون له تأثيرات إيجابية على الوضع الليبي هي «إيجاد توافق بين روسيا وتركيا»، لكن للآن وكما يبدو «هناك محاولة من حلف شمال الأطلسي (ناتو) لتوريط تركيا ودفعها لمواجهة روسيا فوق أراضينا، ربما منحوا تركيا حتى قبل انعقاد اجتماع (ناتو) الأخير الضوء الأخضر لاستخدام القوة ضد عناصر (فاغنر) الروسية بليبيا، وهذا في جزء منه يفسر زيارة الوفد التركي الذي ضم وزراء الدفاع والخارجية والداخلية للعاصمة طرابلس مؤخراً»، معتبراً أن «تنفيذ ذلك فعلياً سيعد خطوة غير حكيمة من الأتراك، وستُظهرهم بكونهم أداة للولايات المتحدة في ليبيا».
ويرى أحويلي أن الليبيين كانوا يتطلعون في دعم المؤتمر «لخطوات توحيد المؤسسة العسكرية؛ إلا أن ذلك بالطبع يصعب الوصول إليه في ظل استمرار التدخلات الخارجية السلبية والتي تترجم عملياً بالصراع المحتدم بين شركات النفط العالمية».
كانت «الخارجية الألمانية» قد دعت لعقد جولة جديدة من محادثات السلام الليبية ستستضيفها برلين (الأربعاء) المقبل، لمناقشة الخطوات المقبلة التي يحتاج إليها تحقيق استقرار مستدام في ليبيا، وطبقاً لبيان «الخارجية الألمانية» سيتم التركيز «على الاستعدادات للانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا». كما يتوقع أن «تمتد المناقشات لخطوات توحيد قوات الأمن الليبي».
ولم يبتعد عضو المؤتمر الوطني المنتهي ولايته، عبد المنعم اليسير، عن الطرح السابق، وإن «قصر اتهامه على تركيا في التعامل مع الوضعية الليبية ككعكة ينبغي ابتلاعها بأكملها»، رافضاً «التعويل والآمال التي يعلقها البعض على هذا المؤتمر»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «لو صدقت نيات رعاة المؤتمر لَعَمدوا من البداية إلى الضغط وترحيل القوات الأجنبية عن أراضينا وفي مقدمتها القوات التركية ومَن جلبوهم معهم من مرتزقة، بدلاً من عقد المؤتمرات المتتالية بلا جدوى»، لافتاً إلى أن «ما يحدث حالياً هو إدارة صراع ومفاوضات وصفقات مصالح بين الدول الغربية وتركيا، هم يحاولون انتزاع مزايا من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أماكن أخرى مقابل إطلاق يده في ليبيا بلا مضايقات». وأضاف اليسير: «لقد سلّموا واقتنعوا بالرسائل التي روّجها إردوغان حول أن ليبيا قد باتت مستعمرة لبلاده، وأنه بات على الجميع التعايش وتقبُّل بقاء قواته هناك، والقبول ببعض الفوائد، وضمان الحفاظ على مصالحهم، وهذا ما أقنع به الإدارة الأميركية الجديدة».
ويختلف المحلل السياسي الليبي، السنوسي إسماعيل الشريف، مع الآراء السابقة، مشيراً إلى «كيف مثّل مؤتمر برلين الأول الذي انعقد في يناير (كانون الثاني) 2020 نقطة البداية لعملية السلام الراهنة بعد سنوات من الصراع بين الفرقاء الليبيين على الرغم من تضارب مصالح الرعاة له ببلادنا»، وهو ما يعني «وجود إمكانية كبيرة في أن تقدم نسخته الثانية دفعة قوية تسهم في إرجاع القطار الليبي إلى القضبان، وتضمن وصوله لمحطته النهائية بإجراء الانتخابات العامة في ديسمبر المقبل».
وقال الشريف لـ«الشرق الأوسط» إنه «قد يكون ضرورياً أن يلوّح المؤتمر بإمكانية اللجوء لملتقى الحوار السياسي لاعتماد القاعدة الدستورية المطلوبة لإجراء الانتخابات، للضغط على كل من مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة لإنجاز القوانين الانتخابية التي تعثر إنجازها من قِبلهما للآن، ربما برغبة بعض أعضائهما في البقاء بالسلطة والتمتع بامتيازاتها... كما أنه قد يكون ضرورياً دعم أيٍّ من الأفكار الدولية المطروحة لسحب المرتزقة تدريجياً».
أما عضو مجلس النواب، محمد عامر العباني، فطالب بـ«ضرورة مشاركة وفد برلماني في أعمال المؤتمر، والذي من المقرر أن تشارك به حكومة الوحدة الوطنية»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «شعبنا بلغ سن الرشد ولا يجوز فرض الولاية عليه وتغييب إرادته بما سيُطرح من حلول ومقترحات، ولذا لا بد من مشاركة وفد يمثل السلطة الشرعية المنتخبة من كل الليبيين»، مضيفاً: «الليبيون مطالبهم محددة وهي: إجلاء القوات الأجنبية، وطرد المرتزقة، وحل الميلشيات ونزع سلاحها، وإجراء انتخابات نزيهة في موعدها المقرر، ولكونهم أكثر طرف عانى واكتوى بنيران الآثار السلبية لكل هذه الأوضاع فقد تكون لديهم رؤى جدية مقارنةً بالجميع فيما سيُطرح من مقترحات وخطط للحل».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.