تحركات في الكونغرس لدعم ليندركينغ و«المبادرة السعودية»

المبعوث الأميركي يندد بعرقلة الحوثيين... وبن مبارك يتهم قرارهم بالارتهان لإيران

وزير الخارجية اليمني الدكتور أحمد بن مبارك لدى لقائه المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ في الرياض أمس (سبأ)
وزير الخارجية اليمني الدكتور أحمد بن مبارك لدى لقائه المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ في الرياض أمس (سبأ)
TT

تحركات في الكونغرس لدعم ليندركينغ و«المبادرة السعودية»

وزير الخارجية اليمني الدكتور أحمد بن مبارك لدى لقائه المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ في الرياض أمس (سبأ)
وزير الخارجية اليمني الدكتور أحمد بن مبارك لدى لقائه المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ في الرياض أمس (سبأ)

في الوقت الذي تتزايد فيه الجهود التشريعية في الكونغرس لدعم الجهود الأميركية والدولية لحل الأزمة اليمنية، توجه المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، إلى السعودية في رحلته السابعة إلى المنطقة منذ تسلمه منصبه في فبراير (شباط) الماضي، وذلك لتحقيق وقف إطلاق شامل للنار في اليمن.
وعلمت «الشرق الأوسط» بوجود تحركات وجهود حثيثة في الكونغرس الأميركي، لدعم وحث المشرعين الأميركيين في مجلسي النواب والشيوخ، على دعم الجهود الأميركية في إنهاء الأزمة اليمنية، والدعوة إلى معاقبة الحوثيين على الجرائم المرتكبة في اليمن، واستمرار القتال في مأرب.
وأفادت المعلومات، بأن هذه التحركات يقودها السيناتور السابق نورم كولمان الجمهوري من ولاية مينيسوتا، وذلك بالتواصل مع مكاتب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، والضغط من أجل تحميل الحوثيين الجماعة اليمنية المسلحة المدعومة من إيران، مسؤوليتها في تدهور الأوضاع باليمن، وفشل المفاوضات المدعومة من الحكومة السعودية والدول الأعضاء في التحالف العربي.
وفي رسالة كولمان، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، قال للمشرّعين الأميركيين: «تواصل السعودية دعم جهود حكومة الولايات المتحدة والأمم المتحدة، للوصول إلى حل سلمي للصراع في اليمن، وذلك بإعلانها عن مبادرة سياسية سلمية في أواخر مارس (آذار) الماضي، للتوصل إلى وقف إطلاق نار على مستوى البلاد في اليمن، والتوصل إلى حل سياسي شامل للصراع تحت رعاية الأمم المتحدة. ولكن للأسف، رفض الحوثيون القدوم إلى طاولة المفاوضات بحسن نية».
وشدد في رسالته، على أنه «من الأهمية بمكان أن يلقي أعضاء الكونغرس باللوم في المعاناة التي لا داعي لها في اليمن، على الحوثيين وعلى راعيهم، النظام الإيراني».
ونتيجة لتلك الجهود، تفاعل بعض المشرّعين الجمهوريين في مجلس الشيوخ مع هذه القضية، وكتب كل من السيناتور جيم ريش من ولاية أيداهو، وماركو روبيو من ولاية فلوريدا، وتود يونغ من ولاية إنديانا، ومايك كرابو من ولاية أيداهو، في رسالة موحدة الاثنين الماضي إلى سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، وحثّها على «لفت الانتباه الدولي الذي تشتد الحاجة إليه، للانتهاكات العنيفة لحقوق الإنسان، والتلقين الجماعي للشعب اليمني من قبل الحوثيين المدعومين من إيران».
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أفادت في بيان، بأن تيم ليندركينغ سيمضي يومين خلال رحلته السابعة إلى السعودية من يوم 15 إلى 17 يونيو (حزيران)، إذ سيلتقي بكبار المسؤولين من حكومتي الجمهورية اليمنية، والحكومة السعودية، بالإضافة إلى لقاء مارتن غريفيث المبعوث الخاص للأمم المتحدة.
وأشار البيان، إلى أنه خلال رحلة ليندركينغ السابقة، سيناقش آخر الجهود لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار على مستوى البلاد في اليمن، والذي يعتبره السبيل الوحيد لإغاثة اليمنيين، الذين هم في أمس الحاجة إليه.
وفي أحدث تحرّك أميركي لمواجهة إيران وتمويلها الحوثيين، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على عدد من اليمنيين والإيرانيين وكيانات أخرى، بسبب تسهيل عمليات نقل أموال تقدر بملايين الدولارات إلى جماعة الحوثي المسلحة، ضمن شبكة دولية تعمل لصالح الحرس الثوري الإيراني.
- مساعي غريفيث «الوداعية»
شدد المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث أمس (الخميس) في سياق مساعيه الوداعية للملف اليمني على أن التسوية السياسية القائمة على التفاوض هي وحدها كفيلة بإنهاء الحرب، في حين جددت الحكومة الشرعية تمسكها بمرجعيات الحل داعية المجتمع الدولي إلى ممارسة مزيد من الضغط على الانقلابيين الحوثيين للقبول بخيار السلام.
وكان غريفيث عاد إلى الرياض بعد إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن (الثلاثاء) بالتزامن مع عودة المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ الذي يحاول هو الأخير إنعاش الخطة الأممية، أملا في تحقيق اختراق للتوصل إلى وقف الحرب وتخفيف المعاناة الإنسانية في اليمن قبل انقضاء الأيام الأخيرة لغريفيث، وانتقاله إلى وظيفته الجديدة في نيويورك وكيلا للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
في هذا السياق أفادت الخارجية الأميركية في تغريدات على «تويتر» بأن ليندركينغ ناقش في الرياض هو والسفيرة كاثي ويستلي مع السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر «أهمية التقدم في اتفاقية الرياض. كما أدانوا الهجمات الوحشية المتزايدة للحوثيين ضد المدنيين في محافظة مأرب وعرقلة الحوثيين لعملية السلام».
وأضافت الخارجية في تغريدة أخرى أن تيم ليندركينغ «أعرب هو والسفيرة كاثي ويستلي، في لقاء مع رئيس مجلس الوزراء اليمني معين عبد الملك، عن أملهما في عودة مجلس الوزراء اليمني إلى عدن قريباً». كما أكد ليندركينغ «على أهمية التدفق الحر للبضائع وخاصة الوقود عبر ميناء الحديدة وفي جميع أنحاء اليمن».
وفي الوقت الذي فهم من هذه التصريحات للمبعوث الأميركي أنه يضغط على الحكومة الشرعية لوقف تدابير الرقابة على السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة، شاركت بريطانيا عبر سفيرها لدى اليمن مايكل آرون في السعي لدعم جهود غريفيث الوداعية من خلال لقاءات أجراها السفير مع مسؤولي الحكومة اليمنية.
ذكرت المصادر الرسمية اليمنية أن رئيس الحكومة معين عبد الملك تداول مع المبعوث الأميركي في الرياض «المقترحات المطروحة للسلام على المستوى الأممي والدولي وتعامل الحكومة الإيجابي معها، وما يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي والأمم المتحدة لممارسة الضغوط على ميليشيا الحوثي وداعميها في طهران، لوقف حربها وهجماتها ضد المدنيين والنازحين خاصة في مأرب، واستهداف الأعيان المدنية في السعودية».
ونقلت وكالة «سبأ» عن عبد الملك أنه «عبر عن تقدير بلاده «للموقف الأميركي الواضح في تسمية الطرف المعرقل لمسار السلام، وضرورة مضاعفة الضغوط على ميليشيا الحوثي وداعميها» و«لفت إلى أن العقوبات الأميركية المفروضة مؤخرا على كيانات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وتسهم في تمويل ميليشيا الحوثي الانقلابية تطور مهم».
وبحسب ما نقلته الوكالة الحكومية قال عبد الملك إن «أي مسار سلام ينبغي أن يبدأ بوقف إطلاق نار حقيقي، والتزام كامل بمقتضيات السلام بإشراف ورعاية أممية ودولية، وإن ميليشيا الحوثي حتى لو استجابت للضغوط الدولية للذهاب في مسار السلام، ستستخدم هذا الأمر كما في التجارب السابقة لإعادة بناء قواتها وإشعال الحرب مجددا».
كما نقلت المصادر اليمنية عن المبعوث الأميركي قوله: «لقد صدمنا من الهجمات التي شنها الحوثيون على المدنيين في مأرب خلال فترة وجود الوفد العماني في صنعاء، وتدين الولايات المتحدة هذه الهجمات بشدة».
- الشرعية تدعو لنهج أممي جديد
أفادت المصادر اليمنية بأن وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك شدد أمس (الخميس) خلال لقائه غريفيث «على أهمية انتهاج الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لنهج جديد يجبر الميليشيات الحوثية على التخلي عن خيار الحرب وسياسة وضع العراقيل، وتغليب مصلحة الشعب اليمني، لما من شأنه وضع حد للمأساة الإنسانية ووقف سفك دماء اليمنيين».
كما نسبت المصادر لغريفيث أنه «شدد على أن التسوية السياسية وحدها القائمة على التفاوض كفيلة بإعادة الأمور إلى نصابها، والتي من شأنها أن تنهي الحرب وتؤذن بسلام عادل مستدام لكل اليمنيين».
وفي لقاء بن مبارك مع السفير البريطاني مايكل آرون، أفادت المصادر بأن الأول أكد التزام الحكومة بمسار السلام ودعمها للجهود الأممية والإقليمية والدولية من أجل التوصل إلى حل سلمي شامل ومستدام. وبأنه «أشار إلى أن رفض ميليشيا الحوثي للمبادرة المطروحة إلى جانب استمرار تصعيدها وتحشيدها العسكري في محافظتي مأرب وحجة يؤكد عدم جديتها في السلام، وارتهان قرارها بالنظام الإيراني ومشروعه التخريبي في المنطقة».
وبخصوص مراقبة الحكومة الشرعية للوضع الإنساني ومنحها تصاريح استثنائية لدخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة أكد وزير الخارجية اليمني أن الشرعية حريصة «على ضمان تغطية احتياجات المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية، رغم عدم التزام الميليشيات باتفاق استوكهولم بشأن آلية استخدام الموارد الجمركية والضريبية لدفع مرتبات الموظفين، وتوظيفها لتمويل عملياتها العسكرية».
وفي تقدير الكثير من المراقبين للشأن اليمني فإن إرغام الحوثيين على القبول بأي خطة سلام لا بد أن يأتي من طهران، في حين يرجحون أن الدور العماني لن يكون له أثر على صعيد إنجاح الخطة الأممية ما لم تحصل الجماعة على مكاسب سياسية، مثل إطلاق يدها في عائدات موارد ميناء الحديدة والتحكم في وجهات السفر من مطار صنعاء دون قيود.
كما يشير المراقبون إلى تعنت زعيم الجماعة الحوثية الذي أظهر في أحدث خطبه عدم اكتراثه بالمقترح الأممي والمساعي الدولية لا سيما الأميركية، داعيا أتباعه إلى حشد المزيد من المقاتلين وجمع المزيد من الأموال للاستمرار في الحرب.
ومع تصريحات غريفيث عن مغادرته للملف اليمني في وقت لاحق الشهر المقبل، تعول الولايات المتحدة - كما يبدو - على المساعي التي تبذلها مسقط لإقناع الحوثيين بوقف النار، مع ما يكتنف ذلك من شكوك في عدم جدية الجماعة لوقف القتال والعودة إلى طاولة المشاورات مع الحكومة الشرعية.
وكان غريفيث أكد في إحاطته أمام مجلس الأمن تعثر جهوده في إقناع الطرفين بخطته، وقال إن الحوثيين «يصرّون على اتفاق منفصل بشأن موانئ الحديدة ومطار صنعاء كشرط أساسي مسبق لوقف إطلاق النَّار وإطلاق العملية السياسية». كما أكد ذلك زعيم الجماعة خلال لقائه بغريفيث في صنعاء.
وأضاف أن الحكومة اليمنية «أصرت من جهة أخرى، على أن يتمّ الاتفاق على كل هذه القضايا أي الموانئ، المطار، وقف إطلاق النار وإطلاق العملية السياسية وتنفيذها كحزمة واحدة مع التركيز على بدء وقف إطلاق النَّار».
ومع اعتراف غريفيث بـ«سوء حظه» لجهة عدم موافقة الطرفين على الحلول الوسطى التي قال إنه اقترحها، قال إنه يأمل أن تؤتي الجهود التي تقوم بها سلطنة عُمان وغيرها (...) ثماراً، وأن نسمع قريباً عن تحوّل في مصير اليمن.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.