الأحزاب اليهودية المتشددة همّشها الائتلاف الحكومي الجديد

بعدما كانوا في قلب السلطة الإسرائيلية لسنوات بفضل دعمهم رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وجد اليهود المتشددون المتزمتون أنفسهم فجأة في مقاعد المعارضة يحدوهم القلق من حكومة عنوانها «التغيير» وتفسح للعلمانيين المجال واسعاً، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
في إسرائيل، الدولة الوحيدة ذات الغالبية اليهودية في العالم، يرسم الدين في السياسة وبشكل أوسع في المجال العام، فجوة عميقة بين العلمانيين من جهة واليهود المتزمتين والمتشددين من جهة أخرى. بعد الانتخابات التشريعية في مارس (آذار) التي فاز فيها الحزبان اليهوديان المتشددان شاس (للمتدينين الشرقيين) ويهدوت هتوراه (للمتدينين الغربيين)، معا، بستة عشر مقعداً من أصل 120 في البرلمان، اعتقدا أنهما سيعودان إلى السلطة في حكومة يرأسها نتنياهو كما حصل منذ 2009.
لكن هذه المرة لم يكن دعم حزبي «شاس» و«يهدوت هتوراه» كافياً ليحصل نتنياهو على أغلبية من 61 نائباً ويشكل حكومة. بالنتيجة انتقل التفويض إلى الوسطي يائير لبيد الذي شكل حكومة تضم أحزاباً من أقصى اليمين واليسار والوسط تولى حليفه نفتالي بينيت رئاستها.
ولأنهما لا يرغبان في أن يكونا جزءاً من ائتلاف اجتمع حول الرغبة في إزاحة نتنياهو من السلطة، وجد المتشددون أنفسهم خارج اللعبة وانتقدوا الائتلاف الذي يقولون إنه يتعارض مع «قيمهم اليهودية». قال آرييه درعي رئيس حزب شاس الذي كان يشغل حقيبة الداخلية، إن «حكومة بينيت تلقي بكل ما هو مهم للشعب اليهودي في سلة القمامة». ورد نفتالي بينيت المتدين بقوله: «لن يعلمنا النواب المتشددون ما هي اليهودية».
في الواقع ستفقد الأحزاب اليهودية المتشددة نفوذها في تخصيص المساعدات العامة، في حين أن مؤسساتها «لا يمكنها الاستمرار سوى بفضل هذه الإعانات»، كما يقول إيلان غريلسامر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان بالقرب من تل أبيب. يشكل اليهود المتشددون ويعرفون باسم «الحريديم» 12 في المائة من سكان إسرائيل، وكثير منهم لا يعملون ويدرسون في مدارس تلمودية ويعتمدون بشكل كبير على الإعانات الحكومية. قال غريلسامر، المتخصص في الأوساط اليهودية المتشددة، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنهم «سيفقدون منصباً رئيسياً وهو اللجنة المالية البرلمانية التي كان حزب يهدوت هتوراه يرأسها منذ سنوات».
بالإضافة إلى ذلك، فإن وزير المالية الجديد ليس سوى أفيغدور ليبرمان، زعيم اليمين القومي العلماني الذي يعارض علانية سيطرة اليهود المتشددين على الحكم. وهم أيضاً قلقون من رؤية التيارات اليهودية الأخرى تتولى إدارة المسائل الدينية التي تتركز بشكل كبير في أيدي «الحريديم». فرئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت الذي يضع قلنسوة صغيرة على رأسه، هو في نظر اليهود الحريديم «إصلاحي»، وهي صفة تمثل إهانة كبرى بالنسبة لهم. وهو رغم أنه يتحدث عن «تعزيز الهوية اليهودية»، لا يعطي الأولوية في برنامجه لقضايا الدين والدولة.
يتعرض رئيس الحكومة بينيت بشكل خاص لانتقادات بسبب دعمه مشاريع قوانين من شأنها إنهاء إعفاء طلاب المدارس الدينية اليهودية من الخدمة العسكرية الإلزامية، أو السماح لوسائل النقل العام بالعمل يوم السبت أو تسهيل عملية التحول إلى اليهودية. إذ يخشى النواب اليهود المتشددون أن تؤثر حكومة بينيت - لبيد على ما يسمى سياسة الوضع الراهن السارية منذ إنشاء إسرائيل في عام 1948 التي تؤيد تطبيقاً صارماً لليهودية في المجال العام، كاحترام إجازة السبت في الأماكن العامة واحتكار الحاخامية والسيطرة على قواعد «الكشروت» أو الأكل الحلال وحظر الزواج المدني، وغيرها.
قالت الصحافية بيغي سيدور، التي تعمل في صحيفة «جيروزاليم بوست»، إن «الحريديين مرعوبون من هذه الحكومة الجديدة، وما يحدث لهم في الوقت الحالي كارثي... سيمرون بأزمة عميقة». ومن أول النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين الحكومة واليهود المتشددين، تشكيل لجنة تحقيق في التدافع على جبل ميرون (الجرمق) الذي خلف 45 قتيلاً في نهاية أبريل (نيسان)، معظمهم من المتشددين، خلال فعالية دينية في شمال إسرائيل.
وقد فشلت حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة في تشكيل هذه اللجنة التي عارضها زعماء اليهود المتشددين، خوفاً من إلقاء اللوم عليهم في هذه المأساة.