تحذر غالبية الجهات الأمنية والقضائية والحقوقية التي لها صلة بملف ظاهرة التعاطي والاتجار بالمخدرات في العراق، من أن تناميها المستمر بمثابة «إرهاب ناعم»، قد يحل بديلاً عن الإرهاب المسلح الذي عانت منه البلاد في السنوات الماضية، وبالكاد تمكن من تطويقه وإيقاف أعماله المدمرة.
ورغم الجهود الأمنية المتواصلة لجهة إلقاء القبض على شبكات المتاجرة بالمواد المخدرة على اختلاف أنواعها، فإن ذلك غير كافٍ بنظر كثيرين للحديث عن سيطرة وشيكة أو نهاية قريبة لمعضلة المخدرات التي ارتبط ظهورها وانتشارها المكثف في البلاد مع تراجع الأمن وقوة إنفاذ القانون والفلتان الذي عانت وتعاني منه معظم حدود ومنافذ البلاد مع دول الجوار، خاصة مع إيران التي تمثل البوابة الرئيسية لدخول الأصناف المختلفة من المواد المخدرة، طبقاً للجهات الأمنية المختصة.
وفي آخر جولات الصراع مع تجار ومتعاطي المخدرات، أعلنت المديرية العامة لمكافحة المخدرات، أمس، عن إلقائها القبض على 13 متهماً في مناطق مختلفة من البلاد.
وقال بيان للمديرية إن «قسم مكافحة مخدرات واسط تمكن من اعتقال متهمين اثنين، كما تم اعتقال متهمين آخرين في الديوانية، وفي البصرة متهم واحد، ومثله في ذي قار».
وكذلك، أُلقي القبض على «متهمين في محافظة كربلاء، وواحد في محافظة صلاح الدين وثلاثة آخرين في كركوك، فيما اعتقلت القوات الأمنية متهماً في المثنى. وضبط المتهمين بالجرم المشهود وبحوزتهم 700 حبة مخدرة متنوعة مختلفة الأنواع ومادة الكريستال المخدرة إضافة إلى أدوات التعاطي».
وأشار البيان إلى أن المتهمين أحيلوا إلى القضاء وفق أحكام المادتين القانونيتين 28 و32 من قانون مخدرات (تتراوح أحكامهما بين السجن 6 أشهر إلى 3 سنوات للمتعاطين، وتصل إلى المؤبد مع مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتاجرين).
كان مجلس القضاء الأعلى في العراق أعلن، مطلع الشهر الجاري، أن «نسبة الإدمان على المخدرات قد تصل إلى 50 في المائة من فئة الشباب، وأن النسبة الأكبر للتعاطي تصل إلى 70 في المائة في المناطق والأحياء الفقيرة التي تكثر فيها البطالة».
ورغم القلق المحلي المتزايد من تنامي ظاهرة التعاطي والاتجار بالمخدرات، والجهود الحكومية المبذولة لتطويقها ومحاصرتها، فإن البلاد ما زالت تفتقر إلى الإحصاءات الرسمية الموثوقة عن أعداد المتعاطين والتجار، وتفتقر البلاد أيضاً، إلى المؤسسات والمشافي الصحية لمعالجة المدمنين. وتتحدث جهات رسمية عن إلقاء القبض على ما لا يقل عن 9 آلاف متعاطٍ ومتاجر في كل عام من الأعوام الثلاثة الماضية.
وتقول مصادر أمنية إن «مواد الكريستال - ميث والحشيشة وحبوب الكبتاغون» من أكثر المواد انتشاراً، وغالبيتها تصل إلى العراق عبر الحدود والمنافذ مع إيران مع صعوبة ضبط الحدود مع هذه الدولة التي تمتد لأكثر من 1500 كيلومتر، إلى جانب دخول بعض المواد من سوريا وتركيا ودول مجاورة أخرى. ويقول مدير مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية العميد عماد جابر إن «تجار المخدرات يبتكرون دائماً طرقاً جديدة لإدخالها عن طريق الحدود أو الفجوات الموجود في المنافذ الحدودية الرسمية، إذ لا يمكن السيطرة على شريط طويل من الحدود، ويلجأ بعض التجار إلى تهريب المواد المخدرة من خلال وضعها في مواد سلع ومواد أخرى».
ويضيف، في تصريحات صحافية، أن «محافظة البصرة تحتل المركز الأول في البلاد بالنسبة للاتجار وتعاطي المخدرات، نظراً لقربها من المنافذ الحدودية، ثم تليها محافظة ميسان القريبة هي الأخرى».
وكشف عن أن قواته تمكنت خلال عام 2020 من «ضبط 250 كيلوغراماً من مادة الحشيشة وأكثر من 36 كيلوغراماً من مادة الكريستال، بجانب 15 ألف حبة مخدرة».
بدوره، يرى عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، علي البياتي، أن «المخدرات ستكون التهديد الرئيسي للعراق في المرحلة المقبلة، وتمثل تهديداً أمنياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً وحتى سياسياً».
وقال البياتي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «العراق لا يزال يتعامل مع الملف من وجهة نظر أمنية بحتة فقط والجهود الأخرى تكاد تكون معدومة، والمحافظات الأكثر انتشاراً هي المحافظات الحدودية، خاصة البصرة».
وأضاف: «لا يمكن معرفة الأعداد الحقيقية للمدمنين لعدم وجود جهود مؤسساتية حقيقية للإحصاء، بجانب عدم وجود ثقة بين المواطن والمؤسسة الحكومية، كون المدمن في عين الحكومة مجرماً، حسب القانون».
ويرى أن «التطورات التي حدثت مع بداية وباء (كوفيد – 19) أدت، بسبب الضغوطات الاجتماعية والنفسية والفراغ والعوز الاقتصادي وتراجع فرص العمل، إلى كثرة التعاطي ودفعت الشباب إلى الانخراط والتورط مع شبكات تجارة وتوزيع المخدرات».
ويعتقد البياتي أن معالجة ظاهرة المخدرات في العراق بـ«حاجة إلى تعديل قانون مكافحة المخدرات رقم 50، لتشديد العقوبة على التجار والتخفيف عن المتعاطين، لأنهم ضحايا الواقع والاستغلال وغياب جهود الدولة لحمايتهم، وشرط ألا يفلت التجار من العقوبة بحجة أنهم متعاطون فقط أو العكس».
وحتى عام 2003، كان العراق لا يعاني من مشكلة المخدرات، نظراً للإجراءات العقابية القاسية التي كانت تتخذها الدولة ضد المتعاطين والمروجين والمتاجرين بها، وكانت البلاد بمثابة نقطة مرور محدود لهذه التجارة الدولية غير الشرعية، إلا أن البلاد تحولت منذ ذلك التاريخ، بحسب المختصين، إلى دولة تعاطٍ واتجار، ويذهب البعض إلى أنها تحولت كذلك إلى دولة تصنيع لبعض أنواع المخدرات مثل مادة الكريستال - ميث وزراعة الحشيشة، لكن ذلك غير مدعوم بأدلة موثوقة وإحصاءات رسمية.
وتتضارب التكهنات بشأن الجماعات المتورطة بملف المخدرات، حيث تشير بعض أصابع الاتهام إلى ميليشيات وفصائل نافذة تسهل عبورها عبر المنافذ الحدودية، نظراً للأرباح العالية التي تدرها المخدرات، وهناك من يتحدث عن عصابات وكارتلات مالية تدير شبكة واسعة من الأشخاص في معظم محافظات البلاد للترويج والاتجار بالمخدرات.
المخدرات «إرهاب ناعم» يهدد حاضر العراق ومستقبله
الحدود مع إيران بوابة دخولها الرئيسية
المخدرات «إرهاب ناعم» يهدد حاضر العراق ومستقبله
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة