السعودية منال الضويان ووردة الصحراء... طبقات من الحرير والمعاني

في معرضها الفردي الأول بلندن

TT

السعودية منال الضويان ووردة الصحراء... طبقات من الحرير والمعاني

التكرار اللانهائي، دوامة ليس لها نهاية في عمق معرض الفنانة السعودية منال الضويان في لندن، تعود فيه الضويان لمواضيع شغلتها على امتداد مشوراها الفني، ولكنها تبرز تلك المواضيع بشكل مختلف وتعبر عنها أيضاً بصور ومواد مختلفة تعكس تطورها كفنانة.
في «كرومويل بليس» مساحة الفنون الجديدة في لندن قدمت الضويان معرضها الفردي الأول في العاصمة البريطانية تحت عنوان «التكرار الأبدي للمألوف». استعارت الفنانة العنوان من الفيلسوف نيتشه وطوعته ليعبر عن هواجس فنية خاصة بها.
مدخل المعرض مجموعة من المنحوتات السوداء تنتظم في شكل غير واضح المعالم، تبدو كل قطعة مثل الساق البشرية في وضعية الانثناء، هل هذا ما تريد تصويره؟ تصاحبني في جولتي القصيرة وتشرح ما تعنيه بتلك التشكيلات. أشير لها في البداية أن العمل يبدو مختلفاً في عالم الفنانة منال الضويان، توافقني الرأي وتقول إن العمل، والذي يحمل عنوان «الظهور»، تعتبره تكملة لعمل آخر عرضته في إسبانيا من ناحية الموضوع والتركيب. غير أن ظروف الإغلاق الذي سببه وباء «كوفيد - 19» في بريطانيا غير من طريقة عمل الضويان، فبدلاً من تنفيذ المنحوتات بنفسها اضطرت للاستعانة بسيدة خارج لندن لتكمل عملية إدخالها للفرن.
يبدو العائق الذي مثلته إغلاق ورشات الخزف في لندن منسجماً مع موضوعها الرئيسي وعنوان العرض، فالتكرار اللانهائي لنمط الحياة أثناء الحجر المنزلي مع تعطل خطوات العمل، تقول: «بالنسبة لي فترة الإغلاق كانت تكراراً أبدياً، تبدأين تحليل تصرفاتك وممارساتك وعملك. أردت أن أطرح فكرة التكرار وهو ما ترينه هنا في الأعمال، حتى في المنسوجة وعلى مستوى مصغر فكل (الغرز) تتكرر».
بالنسبة لأفكارها التي تتمثل أمامنا في أعمال مكتملة فهي نضجت على نار هادئة في عقلها وتعبر عن مرحلة فكرية تعتبرها «مرحلة التعافي». تشرح لي أكثر أن التغييرات التي يشهدها المجتمع السعودي كثيرة جداً وخاصة ما يتعلق بالمرأة فيها. على مدى مشوارها الفني حرصت على تسجيل واقع المرأة المختلف في أشكاله في المملكة، فاستكشفت بالصور الفوتوغرافية النساء في أماكن عملهن، وفي عمل آخر ألقت الضوء على جيل من رجال ونساء البترول عبر سلسلة من الصور تعبر عن جيل رائد في السعودية.
أما هنا، فهي تعود لواقع المرأة، وهو متغير بشكل كبير. المنحوتات السوداء أمامنا مثال لذلك التغير. أستطيع تخيلها على أنها سيقان تخرج تدريجياً من مياه عميقة، أو ربما تكون أشكالاً لسيدات متشحات بالسواد. بالنسبة لها العمل يعبر عن الانتقال من مساحة لأخرى. تشرح بأن المرأة السعودية كانت تحتل مساحة خاصة بها في السابق، عالم واضح الحدود والمعالم قطنته المرأة وتعودت على وجودها داخله وهي محاطة بالنساء. التغييرات المجتمعية الآن تخرج بالمرأة إلى دائرة أخرى. بشكل ما يوحي لي العمل بفكرة البداية، بداية الخروج للحياة لتلك التشكيلات السوداء، بعد الاختفاء تظهر تدريجياً للوجود.
العمل التالي يعود بنا إلى تيمة محببة لدى الضويان وهي «وردة الصحراء»، استخدمتها قبل ذلك في عروض مختلفة «استخدمت فكرة وردة الصحراء أكثر من مرة في أعمال آخرها كان في معرض «21.39» بجدة 2020. بعنوان «الشاهد المؤقت وهذه هي المرة الثالثة التي أعود فيها للفكرة».
ما هي حكاية وردة الصحراء التي سحرت الفنانة؟ ترجع منال الضويان علاقتها بالتشكيلات الطبيعية الجميلة إلى طفولتها: «منذ طفولتي وأنا أجد تلك التشكيلات في الطبيعة، بالقرب من منزل والدتي، تتكون بعد الأمطار الغزيرة المفاجئة وكنا كأطفال نستمتع بجمعها».
وردة الصحراء لها خصوصية فهي تظهر في 13 صحراء حول العالم ومنها صحراء المنطقة الشرقية في السعودية وللإجابة عن تساؤلات الزوار تضع منال الضويان إحداها في العرض. «وردة الصحراء ألهمت الكثير من الفنانين مثل الفنان العراقي ضياء العزاوي بل حتى المعماري الفرنسي جان نوفيل استلهم منها تصميمه لمتحف قطر الوطني».
في عالم منال الضويان تكتسب وردة الصحراء طبقات مختلفة من المعاني تشبه طبقات الملح المتحجر، الذي تتكون منه الوردة على الطبيعة. وردة منال الضويان مصنوعة من نسيج حريري صنعته عاملات في الهند. القماش الحريري وصانعاته جزء هام في العمل، فالحرير يحمل «طاقة مليئة بالسلام»، حيث إن العاملات يستخدمن خيوط الحرير دون إيذاء دودة القز ولهذا يطلق عليه اسم «حرير السلام».
الطاقة الإيجابية التي تحملها طبقات الوردة الضخمة تواجه طاقة سلبية من صبغة سوداء وكلمات متناثرة بالأسود على سطح القماش. استخدمت الفنانة عبارات وعظية انتشرت في الثمانينات من القرن الماضي «نحن الآن في مرحلة التعافي ولهذا تجدين أن العبارات والكلمات متداخلة بين طبقات القماش وتضيع معانيها بذلك».
آخر عمل في المعرض يحمل عنوان «فقط ورق» نرى لفافات ورقية بيضاء، نلمح كتابات داخلها ولكن بلمسها نكتشف أنها مصنوعة من البورسلين، هنا أيضاً تعود الفنانة لعملية التعافي وتشير إلى أن الكتابات داخل كل لفافة بيضاء «كانت شائعة منذ سنوات. هنا حولت أوراق الكتيبات التي كانت توزع على المارة لقطع من البورسلين الهش يمكن تحطيمه بسهوله، كانت بالنسبة لي بمثابة عمل يخرج الطاقة داخلي».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».