مشغولات «المبدعين العرب» التراثية تجتذب الجمهور المصري

65 فناناً يشاركون في النسخة الأولى من الملتقى

لوحة توحي بالأمل للفنانة المصرية سارة سعيد - جيريتك السودان من القطع التراثية
لوحة توحي بالأمل للفنانة المصرية سارة سعيد - جيريتك السودان من القطع التراثية
TT

مشغولات «المبدعين العرب» التراثية تجتذب الجمهور المصري

لوحة توحي بالأمل للفنانة المصرية سارة سعيد - جيريتك السودان من القطع التراثية
لوحة توحي بالأمل للفنانة المصرية سارة سعيد - جيريتك السودان من القطع التراثية

لوحات تشكيلية تحمل اتجاهات جديدة في فن «البورتريه»، وأشغال يدوية بمختلف الخامات ومنتجات تراثية تعبّر عن الأصالة، ضمّها «الملتقى الدولي الأول للمبدعين العرب» في القاهرة الذي شاركت في تنظيمه ثلاث جهات هي: «مؤسسة المبدعين العرب، وجمعية المحافظة على التراث المصري، ورابطة سومر للثقافة والفنون». ويضم المعرض أعمال 65 فناناً من سبع دول عربية هي: مصر، والسودان، والعراق، والمغرب، وتونس، والبحرين، ولبنان، وتحتضنه قاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا المصرية حتى 19 من يونيو (حزيران) الجاري، وشهد حضوراً كبيراً من الجمهور الذي أقبل على شراء المنتجات المصنوعة يدوياً والتي أبدعتها أنامل فنانات عربيات يمثلن الأغلبية داخل المعرض.
وحظي جناح السودان باهتمام خاص بمنتجاته التراثية التي تعبّر عن البيئة السودانية وتكشف عن عادات وتقاليد لا تزال راسخة، مستخدماً خامات من صميم البيئة السودانية في تصميم قطع فنية مبهرة، كجلد الإبل والفخار وقرون البقر التي تحولت إلى تحفة فنية نُقشت فوقها بعض آيات القرآن الكريم، وكذلك الشمعدان الذي صُمم من خشب الأبنوس بعد نحته.
وربما كان أكثر المعروضات السودانية لفتاً للانتباه هو «الجيريتك» الذي يعكس إحدى العادات المتوارثة وهو يضمّ صينية مزخرفة بأشكال مبتكرة تُرصّ فوقها زجاجات العطور وكأسان مزخرفتان، وكما أوضحت لـ«الشرق الأوسط» د.نوال محمد إبراهيم، أستاذة الصحة النفسية ورئيسة الجناح في المعرض أنّ «الجيريتك أحد طقوس ليلة الزفاف حيث يُوضع الحليب في الكأس ويأخذ العريس رشفة منه ويبخه في وجه عروسه، كما تفعل العروس نفس الشيء، ليكون ذلك إيذاناً بأن تصبح حياتهما بيضاء كالحليب لا يعكر صفوها شيء». وتؤكد أنّ «هذه العادات لا تزال موجودة ويحرص عليها الشباب والفتيات لأنها جزء من تراثنا».
أمّا المشاركة العراقية فتمثلت في لوحات فنية من التصوير الزيتي قدمتها رابطة سومر في أول مشاركة لها بالقاهرة، وكان البورتريه الأكثر حضوراً في لوحات الفنانين العراقيين، فقدم عبد هادي بورتريهاً لامرأة مستخدماً المناديل الورقية، وعرض علي عبد الكريم بورتريهاً لعجوز يمسك بخيوط يحاول أنّ يضع بها حبات السبحة وهو يقاوم الزمن الزاحف إلى تجاعيد وجهه المنهكة ونظره الضعيف، أما الفنانة العراقية سؤدد الرماحي فقدمت لوحة لفتاتين تبدوان كعروس البحر واستخدمت فيها مزيجاً من الألوان الساخنة والباردة.
ويقول الفنان عبد هادي الذي يرأس «رابطة سومر للثقافة والفنون» في بغداد، لـ«الشرق الأوسط» إنّ «الرابطة تضم نحو ألف فنان تشكيلي من مختلف دول العالم، وتُعنى بشكل خاص بفنون الرسم والنحت والخط والهاند ميد، وكذلك الموسيقى والشعر، وتمنح لأعضائها المشاركة في مختلف المعارض الدولية».
وضمن فناني رابطة سومر شاركت الفنانة المغربية د.لطيفة أبركدنس بلوحة تصوِّر ثلاثة عمال ظهورهم مثقلة بالأحمال يصعدون بها فوق مرتفع من الأحجار الصلبة، بينما شاركت الفنانة البحرينية د.عبير أحمد خليفة بلوحة لامرأة ريفية، وقد تراصّت خلفها ملامح البيوت معتمدةً تمازجاً لونياً بين زُرقة السماء والبيوت بلون خشب الأشجار.
ومن مصر شاركت محافظتا أسوان وشمال سيناء بمنتجات مرتبطة بالبيئة، فقدمت نساء أسوان حقائب من الخوص ومشغولات من الخيط والخرز والخيش والشغل اليدوي والإكسسوار، وعرضت د.أميرة جمال الدين، الأستاذة بكلية التربية جامعة العريش، الشال السيناوي بألوانه المبهجة وتطريزه المميز الذي يعيش طويلاً، والحقائب العملية التي تنفّذها وأفراد أسرتها في مشغل العائلة، كما عرضت أشكالاً من الحيوانات كالجمل والحصان والديك والفيل بالنحت على الخشب مستخدمة أخشاباً من البيئة لأشجار (السرسوع، والزيتون، والليمون) التي تمتاز بالتماسك، وعدم التشقق بمرور الزمن.
وقدم جوزيف الميري بورتريهاً لشاب أسمر البشرة وآخر لفتاة صغيرة، مستخدماً ألوان الباستيل، معبراً من خلالهما عن تكنيك مختلف لكل منهما، فالأول تتعدد وتتداخل فيه الألوان والآخر أكثر نعومة وبساطة. كما شاركت الفنانة سها سعد بثلاث لوحات لفن البورتريه، لوجوه نسائية تعبِّر عن معنى الحرية والأمل.
وضمن فناني رابطة سومر شاركت الفنانتان إيمان كمال بلوحة الحصان، وريهام السكري بلوحة نصف وجه لفتاة سمراء شاركها وجه قرد مستخدمةً بالتة ألوان برز فيها اللون الأزرق بدرجاته.
وإلى جانب المشاركات العربية فقد شاركت من إندونيسيا الفنانة سوزانا صوفيان التي تخصصت في تصميم وتزيين حقائب اليد بمختلف أحجامها، وقد لاقت تصميماتها إقبالاً كبيراً من رواد المعرض.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».