اشتباك واتهامات متبادلة بين رئيسي الجمهورية والبرلمان في لبنان

بري: رفض الحريري ليس حقّكم ومبادرتي مستمرة... وعون يتهمه بأنه فقد صفة «الوسيط» وأصبح طرفاً

بري وعون في أحد لقاءاتهما (الوكالة الوطنية)
بري وعون في أحد لقاءاتهما (الوكالة الوطنية)
TT

اشتباك واتهامات متبادلة بين رئيسي الجمهورية والبرلمان في لبنان

بري وعون في أحد لقاءاتهما (الوكالة الوطنية)
بري وعون في أحد لقاءاتهما (الوكالة الوطنية)

مثّل الاشتباك بين رئاستي الجمهورية والبرلمان اللبنانيين أمس، تأزّماً إضافياً على الوضع الحكومي العالق، واستدعى اتصالات عبر وسطاء لمحاولة التهدئة بعد ردّ عنيف من رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس على الرئاسة اللبنانية التي انتقدت أول من أمس مبادرته، قال فيه بري إن رفض الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة العتيدة «ليس من حقكم، وقرار تكليفه ليس منكم»، مشدداً على أن مبادرته مستمرة. وتبع ذلك رد عالي السقف من رئاسة الجمهورية اعتبر فيه عون أن بري فقد صفة «الوسيط» وأصبح طرفاً في الأزمة الحكومية.
ويعد رد بري أعنف تصعيد ضد الرئاسة اللبنانية، رداً على بيان الرئاسة أول من أمس الذي قال إن «الزخم المصطنع الذي يفتعله البعض في مقاربة ملف تشكيل الحكومة، لا أفق له إذا لم يسلك الممر الوحيد المنصوص عنه في الدستور».
وقال بري في رده أمس: «باسم الشعب اللبناني تحركت وأتحرك، وقرار تكليف رئيس حكومة خارج عن إرادة رئيس الجمهورية بل هو ناشئ عن قرار النواب أي السلطة التشريعية». وقال في بيانه إن «الذي يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة هو الرئيس المكلف (المادة 64 من الدستور)، وبالتالي من حقي أن أحاول بناءً لطلب دولة رئيس الحكومة المكلف أن أساعده في أي مبادرة قد يتوصل إليها، لا سيما أن رئيس الجمهورية الذي تعود له صلاحية التوقيع مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيسها أبدى كل رغبة بذلك، وأرسل عدة رسل بهذا الشأن وحصل أكثر من اجتماع في القصر الجمهوري وخلافه لإنجاح ما سمي بمبادرة بري دون حضوري الشخصي».
وأشار بري إلى أن «القاضي كان راضياً»، في إشارة إلى رضا عون على تدخل بري، وأضاف «ما دام ارتفع عدد الوزراء إلى 24 وما دام حل موضوع الداخلية إلى أن أصررتم على 8 وزراء + 2 يسميهم رئيس الجمهورية (الذي ليس له حق دستوري بوزير واحد فهو لا يشارك بالتصويت فكيف يكون له أصوات بطريقة غير مباشرة)، تعطل كل شيء... والبلد ينهار... والمؤسسات تتآكل... والشعب يتلوى... وجدار القسطنطينية ينهار مع رفض مبادرة وافق عليها الغرب والشرق وكل الأطراف اللبنانية إلا طرفكم الكريم». وقال بري في بيانه: «أقدمتم على البيان البارحة (أول من أمس) صراحة تقولون: لا نريد سعد الحريري رئيساً للحكومة»، مؤكداً أن «هذا ليس من حقكم، وقرار تكليفه ليس منكم، والمجلس النيابي قال كلمته مدوية جواب رسالتكم إليه». وشدد بري على أن «المطلوب حل وليس الترحال»، مؤكداً أن «المبادرة مستمرة».
وردت الرئاسة اللبنانية مساء أمس على بيان رئيس مجلس النواب نبيه بري، معتبرة أنه «أسقط عن نفسه صفة الوسيط» و«حق التحرك باسم الشعب اللبناني»، ورأت أن «الهدف الحقيقي للحملات على الرئيس ميشال عون هو تعطيل دوره في المراقبة وإقصاؤه عن تحمل مسؤولياته»، كما عدّت أن ثمة «من لم يغفر للرئيس عون استعادة الحضور والدور بعد سنين التنكيل والإقصاء منذ العام 1990 حتى العام 2005». وأسفت رئاسة الجمهورية «لأن يتحدث بري عن عدم حق الرئيس بالحصول على وزير واحد في الحكومة، مبرراً ذلك بعدم مشاركته في التصويت، وكأنه أراد بذلك أن يؤكد ما بات مؤكداً أن الهدف الحقيقي للحملات التي يتعرض لها رئيس الجمهورية، هو تعطيل دوره في تكوين السلطة التنفيذية ومراقبة عملها مع السلطة التشريعية، وإقصاؤه بالفعل حيناً، وبالقول أحياناً، عن تحمل المسؤوليات التي ألقاها الدستور على عاتقه». واعتبرت الرئاسة أن اتهامها بعدم الموافقة على مبادرة بري ورفض الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة «هو قمة الإنكار ومجافاة الحقيقة، لأن رئيس الجمهورية تجاوب مع إرادة مجلس النواب وتم تكليف الحريري بتشكيل الحكومة بقرار صادر عنه، بعد التغاضي عن الكثير من الإساءات والتعرض للرئاسة ولشخص الرئيس والصلاحيات». ونفت الرئاسة مطالبة عون بتسمية وزيرين اثنين زيادة على الوزراء الثمانية، وبالثلث الضامن «رغم عدم وجود ما يمنع ذلك».
وقالت: «لا بد أن يدرك دولة الرئيس وغيره، أن رئيس الجمهورية يسعى بكل قوة إلى حل للأزمة الحكومية التي افتعلتها ممارسات باتت معروفة عند الجميع، وعقّدتها رغبات في تهميش دور رئيس الجمهورية والحد من صلاحياته ومسؤولياته»، مضيفة أن البيان الذي صدر عن رئيس البرلمان «خير دليل على ذلك».
وقالت إن «رئاسة الجمهورية إذ تكتفي بما تقدم، تترفع عن الدخول فيما ورد من مغالطات في بيان رئيس مجلس النواب، وتسجل له إيجابية وحيدة هي الرغبة في أن تبقى مبادرته مستمرة لتسهيل تشكيل الحكومة، وإن كان البيان الصادر اليوم أسقط عن دولته صفة «الوسيط» الساعي إلى حلول، وجعله للأسف، طرفاً لا يستطيع أن يعطي لنفسه حق التحرك «باسم الشعب اللبناني».
ولاحقاً، ردّ المكتب الإعلامي للرئيس بري على بيان الرئاسة، قال فيه: «لنا الرغبة أن نصدق ما ذهبتم إليه إذا كنتم أنتم تصدقونه، مذكرين إياكم بأن فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون هو صاحب القول: بعدم أحقية الرئيس ميشال سليمان بأي حقيبة وزارية أو وزارة». وقالت رئاسة مجلس النواب: «فلنذهب إلى الحل».
ويشار إلى أن مبادرة بري تحظى بدعم عدة أطراف بينها تيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«حزب الله» الذي سيبقى مؤيداً للمبادرة ما دام أن بري متمسك بها «كونه لا مبادرات أخرى قائمة لحل المعضلة الحكومية». وكان «التيار الوطني الحر» حيّد نفسه عن الاشتباك بين الرئاسة اللبنانية من جهة، والرئيس الحريري والرئيس بري من جهة أخرى. وأعلن رئيس «التيار» النائب جبران باسيل أمس «نحن مع تأليف حكومة بسرعة برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري، وهذا الخيار نحن ملزمون به وفق الدستور».
وأعرب باسيل عن أمنياته «أن تكون هناك مبادرة سريعة في اتجاه اتخاذ الخطوات المطلوبة على هذا الصعيد»، مشيراً إلى أن «الأولوية المطلقة للحكومة هي بتنفيذ الإصلاحات، وإلى حين حصول هذا الأمر وهو واجب وضروري وسريع، يمكن لمجلس النواب القيام بعمل كبير وإقرار القوانين لحل الكثير من مشكلات اللبنانيين».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.