هل توقف «التفاهمات السورية» الانهيار الأميركي ـ الروسي؟

الرئيسان جو بايدن وفلاديمير بوتين قبل لقائهما في جنيف أمس (أ.ف.ب)
الرئيسان جو بايدن وفلاديمير بوتين قبل لقائهما في جنيف أمس (أ.ف.ب)
TT

هل توقف «التفاهمات السورية» الانهيار الأميركي ـ الروسي؟

الرئيسان جو بايدن وفلاديمير بوتين قبل لقائهما في جنيف أمس (أ.ف.ب)
الرئيسان جو بايدن وفلاديمير بوتين قبل لقائهما في جنيف أمس (أ.ف.ب)

منذ تدخله العسكري المباشر في سوريا نهاية 2015، تحولت كل قمة بين الرئيس فلاديمير بوتين، ونظيره الأميركي الأسبق دونالد ترمب إلى مناسبة لعقد تفاهمات تقترب فيها أميركا أكثر من المقاربة الروسية. والآن، تحولت سوريا في قمة بوتين وجو بايدن في جنيف، أمس، إلى «منطقة عازلة» لوقف الانهيار الكبير بين واشنطن وموسكو، عبر البحث عن تعاون في ملفات محددة، صغيرة أو استراتيجية، في المسرح السوري.
ترمب الذي كان «مصدقاً» لبوتين، وافق في لقاء غير معلن، على هامش «قمة العشرين» في هامبورغ في يوليو (تموز) 2017، على وقف النار في جنوب سوريا، كما بادر إلى إلغاء برنامج سرّي كانت تديره «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه)، بمشاركة دول عربية وغربية، لدعم «الجيش السوري الحر» عبر الأردن في الجنوب، لقتال قوات الحكومة السورية. وكان هذا «هدية» من ترمب إلى بوتين قبل لقائهما على هامش قمة آسيا - المحيط الهادئ في فيتنام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017. لم يُعقد اللقاء المباشر علناً، واكتفيا بإصدار بيان «يرفض الحل العسكري في سوريا» والإبقاء على قنوات الاتصال العسكرية الروسية - الأميركية بهدف منع «حوادث خطيرة تشمل قوات الشركاء التي تحارب (داعش)».
قبل ذلك، اتفق الجيشان الأميركي والروسي على مذكرة «وقف الصدام» بينهما ورسم «خط فاصل» هو نهر الفرات، بحيث تسيطر واشنطن وحلفاؤها على شرق الفرات، وموسكو وشركاؤها على الجانب الغربي منه.
استمرت المفاوضات الثنائية في النصف الأول من عام 2018، قبل قمة بوتين - ترمب في هلسنكي في يوليو 2018، التي أسهم في «الترتيب» لها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بهدف «إبعاد إيران عن الجنوب السوري». وفي تلك القمة، أعلن الرئيسان التزامهما «ضمان أمن إسرائيل». وقال بوتين إنه بعد تحرير المنطقة الجنوبية من «الإرهاب يجب العودة لنظام وقف إطلاق النار في منطقة الجولان»، وإن الوضع هناك يجب أن يعود كما كان عليه وفق «اتفاق فك الاشتباك» لعام 1974، فيما قال ترمب إن روسيا وأميركا «تريدان مساعدة إسرائيل للدفاع عن نفسها، وإن توفير الأمن لإسرائيل هو هدف مشترك بيني وبين الرئيس بوتين».
وبعد أيام، وفي بداية أغسطس (آب) 2018، أُعلن عن التوصل إلى «صفقة الجنوب» الدولية - الإقليمية. وقال مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف: «إن مقاتلي (حزب الله) والميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران قد انسحبوا جميعاً من هناك» إلى عمق 85 كلم. وأضاف أن الإيرانيين الذين يعملون بصفة مستشارين عسكريين مع قوات الحكومة لا يشملهم هذا الإجراء، ويمكنهم أن يظلوا مع الجيش في مواقع انتشاره قرب خط الفصل بين سوريا وإسرائيل. كما سيّرت «القوات الدولية لفك الاشتباك» (إندوف) دورياتها اعتباراً من أغسطس لأول مرة منذ عام 2012، برفقة الضباط الروس الذين وصلوا إلى خط وقف إطلاق النار المتفق عليه منذ عام 1974، في دلالة على عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.
مع قمة بوتين - بايدن، اختلف الهدف من التعاون في سوريا. لم يعد الهدف بناء الثقة أو تقديم «هدايا» أميركية إلى روسيا، بل استعمال المسرح السوري لوقف الانهيار في العلاقات بين موسكو وواشنطن، ووصولها إلى «أسوأ مستوى»، بسبب العقوبات، والهجمات السيبرانية، والتوتر الدبلوماسي، والتدخلات في الشؤون الداخلية، وملفات تخص كوريا الشمالية وأوكرانيا وغيرها.
وهناك اعتقاد واسع أنه أمام «الخطوط الحمر» التي سعى بوتين وبايدن لوضعها في الملفات الخلافية، هناك مساعٍ لتعاون في ملفات أخرى مثل الملف النووي الإيراني وسوريا ومحاربة الإرهاب، خصوصاً أن إدارة بايدن كانت قد وضعت في سوريا أولويات محددة: استمرار هزيمة «داعش»، ووقف البرنامج الكيماوي والتزام دمشق بالاتفاق الروسي - الأميركي لعام 2013، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين «عبر الحدود».
وقبل قمة جنيف، سعى الأميركيون والروس على أعلى المستويات، إلى تبادل الرسائل السياسية والميدانية في كل ملف، بما في ذلك قصف روسي في إدلب استهدف قياديين في «هيئة تحرير الشام» المصنفة تنظيماً إرهابياً حسب مجلس الأمن الدولي، إضافةً إلى الحشد الأميركي لزيادة عدد البوابات الحدودية لإيصال المساعدات، والحشد الروسي ضد العقوبات الأحادية.
وأغلب الظن أن قمة جنيف ستعطي الضوء الأخضر لاستمرار قناة الحوار الروسي - الأميركي في فيينا. وكانت واشنطن تنتظر اتصالاً من موسكو، والأخيرة تنتظر مبادرة من العاصمة الأميركية. والتوقعات هي أن تكسر قمة جنيف هذه الحلقة، ليعود الطرفان لبحث التعاون في ملفات محددة:
أولاً- استمرار الترتيبات العسكرية شرق الفرات لـ«منع الصدام»، وأن تدفع موسكو دمشق، وأن تشجع واشنطن «قوات سوريا الديمقراطية»، على الحوار حول ترتيبات عملياتية وربما سياسية.
ثانياً- دفع دمشق للإجابة عن أسئلة كانت قد طرحتها «منظمة حظر السلاح الكيماوي» مقابل استعادة الحكومة لـ«امتيازاتها» في المنظمة، بعدما دخلت إلى «منظمة الصحة العالمية» في جنيف، و«لجنة تصفية الاستعمار» في نيويورك.
ثالثاً- توفير أرضية لتمديد العمل بالقرار الدولي الخاص بالمساعدات «عبر الحدود» الذي تنتهي صلاحياته في 11 الشهر المقبل. وكانت إدارة بايدن قد أعطت هذا الأمر أولوية، ورفعت طموحاتها إلى فتح ثلاثة معابر، وسيكون قبول روسيا بتمديد المعبر الحالي في «باب الهوى» إشارة إلى استمرار التعاون.
الدول العربية والإقليمية، ستقرأ بيان قمة بوتين وبايدن لتحديد اتجاه المرحلة المقبلة في الملف السوري.
لذلك، ستتضح ملامح المرحلة المقبلة في إيجاز المبعوث الأممي غير بيدرسن في 25 من الشهر الجاري، خلال زيارته الأولى إلى نيويورك منذ انتشار وباء «كورونا»، كما ستظهر لدى ترؤس وزير الخارجية أنتوني بلينكن اجتماع وزراء خارجية «المجموعة المصغرة» الموسعة في روما قبل اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش» في 28 الشهر الجاري. أما الترجمة الملموسة فستكون لدى التصويت على قرار مجلس الأمن الخاص بالمساعدات قبل 11 من الشهر المقبل.
وهناك مَن يذهب أبعد من ذلك بالقول إن هذه الإشارات السورية المحددة، قد تتسع لتشمل الأمور الاستراتيجية التي تخص الوجود العسكري الإيراني في سوريا وتقليصه، خصوصاً في حال اتفاق أميركا وإيران على العودة إلى الاتفاق النووي، وربط ذلك بملفي التطبيع العربي وعودة دمشق إلى الجامعة والمساهمة في إعمار سوريا.



الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
TT

الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

تتجه الجماعة الحوثية في اليمن إلى توسيع دائرة مواردها من خلال ابتكار آليات ووسائل جديدة للجبايات بالتزامن مع مساعيها إلى إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرتها، وأنشأت أخيراً آلية جديدة تحت اسم «موارد دعم القضاء»، إلى جانب توجهها لفرض جبايات على صناعة المحتوى الإلكتروني، وعلى عدد من الخدمات العمومية.

وكشفت وثيقة جرى تسريبها عن قرار أصدره القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الانقلابي) بدمج عدد من المؤسسات في السلطة القضائية بوزارة العدل وحقوق الإنسان في حكومة الجماعة التي لا يعترف بها أحد، وإعادة تنظيم مهام وأهداف الكيان الجديد، بما في ذلك تولي تحصيل موارد ما سماه «صندوق دعم القضاء».

قرار حوثي بإعادة هيكلة مؤسسات حكومية تضمن الإشارة إلى صندوق موارد لصالح القضاء (إكس)

وبينما لم تعلن الجماعة الحوثية إنشاء هذا الصندوق أو مهامه رسمياً، ترجح مصادر قانونية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء صدور قرار بإنشاء الصندوق دون الإعلان عنه، خصوصاً أن الجماعة تتحفظ على الإعلان عن قراراتها الأخيرة بشأن دمج وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختطفة، ومنها هذا القرار الذي جرى تسريب بعض مواده.

وتوقعت المصادر أن يكون قرار إنشاء صندوق بهذا الاسم بوابة لتحصيل جبايات مختلفة من مصادر متعددة، سواء من المؤسسات أو القطاعات الإيرادية، بهدف السيطرة على إيراداتها وضمان دخولها في أرصدة تابعة للجماعة في البنوك، أو من الشركات التجارية والتجار ورجال الأعمال، وحتى من صغار الباعة ومختلف المهن والأعمال.

وذهبت المصادر في توقعاتها إلى أن مثل هذا الصندوق قد يستخدم في ابتزاز التجار ورجال الأعمال والشركات والبيوت التجارية، من قبيل أن عدم مساهمتهم في رفد موارد القضاء قد يتسبب في تعطيل مصالحهم أو معاملاتهم القانونية، وإجراءات التقاضي الخاصة بهم.

وبدأت الجماعة الحوثية منذ أسابيع تقليص الهيكل الإداري للدولة ومؤسساتها في مناطق سيطرتها من خلال عمليات دمج وإلحاق وإلغاء، بهدف مزيد من السيطرة عليها وإزاحة الموظفين فيها من غير الموالين للمشروع الحوثي.

ملاحقة صناعة المحتوى

وذكرت مصادر يمنية مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تدرس منذ عدة أسابيع إنشاء آلية لفرض رسوم على صناعة المحتوى الإلكتروني من خلال فرض جبايات على المواقع الإلكترونية، وعلى صناع المحتوى والمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووفقاً للمصادر فمن المتوقع أن يجري فرض الجبايات تحت اسم ضريبة الدخل، ويجري تحصيلها مقابل ما يتحصل عليه صناع المحتوى ومالكو المواقع الإلكترونية من مبالغ، سواء كانت عائدات من نشاطهم، أو من الإعلانات التي يقدمونها.

مبنى مجلس القضاء الأعلى في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية وتفرض جبايات باسمه (فيسبوك)

وبينت المصادر أن الجماعة تدرس آليات ووسائل فرض هذه الرسوم من خلال تتبع أنشطة صناع المحتوى، ومراقبة المواقع الإلكترونية وما تعرضه من إعلانات على صفحاتها، وتسعى إلى الاستفادة من تجارب عدد من الدول في هذا الشأن.

إلا أن الجماعة تواجه تحدياً كبيراً في تنفيذ نياتها، ويتمثل ذلك في قلة صناع المحتوى اليمنيين، ووجود كثير منهم خارج البلاد، حيث لا تساعد سرعات وأسعار الإنترنت في مناطق سيطرة الجماعة على إتاحة الفرصة لصناعة محتوى يدر مداخيل كبيرة.

كما أن غالبية مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن لا يحصلون على إيرادات كبيرة، ويكتفي أغلبهم بالحصول على هدايا من الجهات التي يقدمون لها خدمات إعلانية.

ومنذ قرابة شهر ونصف الشهر أخطرت وزارة إعلام الجماعة الحوثية ملاك المواقع الإخبارية ومحركات البحث، بتقديم تخفيضات بنسبة 70 في المائة على رسوم الحصول على تراخيص مزاولة النشاط، ولمدة لا تتجاوز الشهرين، مهددة بإجراءات عقابية على من يتخلف عن السداد والحصول على التراخيص.

جبايات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على نتائج اختبارات النصف الأول من العام الحالي (إعلام حوثي)

ومن المتوقع أن تبدأ الجماعة فرض إجراءات عقابية بحق المواقع الإلكترونية، مثل الحجب، واقتحام المكاتب، ومصادرة الأجهزة والمعدات، ضد كل من تخلف عن الحصول على تلك التراخيص.

وأخيراً فرضت الجماعة الانقلابية رسوماً على نتائج اختبارات طلبة المدارس للنصف الأول من العام الدراسي الحالي في مناطق سيطرتها.

وذكر أولياء أمور الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي أن الرسوم التي فرضتها الجماعة الحوثية مقابل الحصول على النتائج تراوحت بين أقل من نصف دولار إلى أكثر من دولار (بين 300 و600 ريال، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ534 ريالاً)، وجرى تحصيلها من دون سندات.

واستنكر أولياء الأمور هذه الجبايات الجديدة، التي تضاف إلى ما يجري فرضه عليهم وعلى أبنائهم من رسوم منذ بداية العام الدراسي، والتي ضاعفت من الأعباء المفروضة عليهم، خصوصاً مع توقف الرواتب، وغلاء الأسعار، وتردي أحوالهم المعيشية.