السودان: مبارك الفاضل يعلن وراثته لـ«حزب الأمة»

دعا لإقالة الحكومة الحالية وتكوين أخرى انتقالية بديلة

زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في لقطة قبل رحيله، وفي الإطار مبارك الفاضل (الشرق الأوسط) (إ.ب.أ)
زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في لقطة قبل رحيله، وفي الإطار مبارك الفاضل (الشرق الأوسط) (إ.ب.أ)
TT

السودان: مبارك الفاضل يعلن وراثته لـ«حزب الأمة»

زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في لقطة قبل رحيله، وفي الإطار مبارك الفاضل (الشرق الأوسط) (إ.ب.أ)
زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في لقطة قبل رحيله، وفي الإطار مبارك الفاضل (الشرق الأوسط) (إ.ب.أ)

أعلن السياسي السوداني المثير للجدل ورئيس «حزب الأمة»، مبارك الفاضل المهدي، أن زعامة حزب الأمة ستؤول إليه خلفاً للزعيم التاريخي للحزب الصادق المهدي الذي توفي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وشن هجوماً عنيفاً وانتقادات قاسية للحكومة الانتقالية، والقوى السياسية الموقعة على الوثيقة الدستورية، واتهمها بالفشل وحمّلها المسؤولية الكاملة عن سوء الأوضاع التي تعيشها البلاد، داعياً إلى إقالة الحكومة الحالية، وتكوين حكومة انتقالية بديلة، وتوقيع اتفاقية «عدم اعتداء» مع جنوب السودان.
ويعد حزب «الأمة» أحد أكبر الأحزاب السودانية؛ حيث تمتد جذوره إلى «الثورة المهدية» في السودان، وظل الفاضل من بين قادته المهمين طوال عدة عقود. بيد أنه انشق عن التيار الرئيس للحزب، الذي يقوده ابن عمه الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، عام 2002. وكوّن حزباً موازياً يحمل ذات الاسم «حزب الأمة».
وفور إعلانه لحزبه الجديد، شارك الفاضل في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، وتم تعيينه مساعداً للرئيس، لكن تمت إقالته بقرار من البشير بعد عامين من تقلده المنصب في الحكومة، التي أسقطت الحكومة المنتخبة، التي كان يشغل فيها منصب وزير الداخلية.
وإثر إعلان حكومة البشير لما أطلقت عليه وقتها «الحوار الوطني»، عاد مبارك المهدي للسلطة مجدداً، وتم تعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للاستثمار، وظل في المنصب حتى استقال منه قبل أيام قليلة من انطلاق الثورة الشعبية، التي أطاحت بحكومة الإنقاذ، وهو الأمر الذي جعل الثوار يعتبرونه جزءاً من النظام البائد، وبالتالي تم إبعاده من المشاركة السياسية في الحكم الانتقالي.
وقال الفاضل في مؤتمر صحافي، عقده أمس في الخرطوم، إن الانقسامات المتتالية للمكون المدني، الذي يقود الحكومة الانتقالية «الحرية والتغيير»، تسببت في سيطرة المكونات ذات الطبيعة اليسارية على الحكم، وعلى وجه الخصوص «حزب البعث العربي الاشتراكي»، عبر لجنة إزالة التمكين، التي «أصبحت حكومة موازية تتدخل في الاقتصاد ومشتريات الدولة... وتدير القضاء والنيابة، وتقوم بالاعتقالات خارج القانون».
وقطع الفاضل بعودة قيادة حزب الأمة له، بعد وفاة زعيمه التاريخي الصادق المهدي بقوله: «بعد وفاة السيد الصادق المهدي، فإن الزعامة وقيادة الحزب تحولت لي، لأننا من المؤسسين، بحكم الشرعية التأسيسية والنضالية». موضحاً أنه سيظل زعيماً للحزب حتى اكتمال إجراءات إعادة توحيده، وأن هناك لجاناً تعمل على إنجاز العملية، التي تجري على قدم وساق للوصول لمؤتمر عام، ينتخب خلاله رئيس الحزب بنهاية العام الحالي.
في غضون ذلك، انتقد الفاضل دور الحركات المسلحة، الموقعة على اتفاقية سلام جوبا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بقوله: «لقد اقتضت مقاومة الشمولية حمل السلاح لمجابهة منطق القوة، الذي فرضته حكومة الإنقاذ البائدة، لكن بعد سقوط شمولية الإنقاذ كان من المفترض أن يحتكم الجميع إلى أدوات العمل السياسي الديمقراطي، الذي شكل أهم مطالب الثورة والثوار، بما فيهم الحركات المسلحة».
ودعا الفاضل إلى تمتين العلاقات مع دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، باعتبارها علاقات «استراتيجية»، تشكل ركناً مهماً من أمن السودان القومي، واعتبر رفض السودان للمبادرة الإماراتية لإنهاء النزاع الحدودي بينه وإثيوبيا، خطأ كبيراً «أفقد السودان فرصة حسم سيادة منطقة الفشقة لسيادته، واستثمارات تبلغ نحو 8 مليارات دولار، وتحقيق السلام مع الجارة إثيوبيا»، وقال بهذا الخصوص: «المبادرة الإماراتية تخدم أهداف السودان الاستراتيجية في تحقيق السلام مع الجارة إثيوبيا، وتنمية وزراعة مليوني فدان من أخصب الأراضي بأحدث التقنيات، وتثبيت سيادة السودان على أراضي الفشقة بكاملها».
وحمّل الفاضل ما أطلق عليه «الخلاف اليساري الآيديولوجي» بين قوى إعلان الحرية والتغيير من جهة، ورئيس الوزراء من الجهة الأخرى، المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية، وتأخير خطوات الإصلاح الاقتصادي، وما نتج عنه تضاعف معدلات التضخم وضعف الإنتاج، وتراجع سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، وأزمات الكهرباء والمياه، وشح السلع وارتفاع أسعارها.
ووجّه انتقادات حادة لمفاوضات السلام الجارية في جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة عبد العزيز الحلو، واعتبر أنها تخوض حرباً بالنيابة عن حكومة جنوب السودان، وأن الحل يكمن في «عقد معاهدة سلام، وعدم اعتداء بين الحكومتين، تنهي الحرب بالوكالة بين الدولتين، قبل الدخول في اتفاق سلام مع الحركة الشعبية».
وتوعد الفاضل بمقاومة ما أسماه «محاولات تمديد الفترة الانتقالية»، باعتبارها تمكيناً لحكم «شمولي جديد»، وطالب بتعجيل الانتخابات، وتكوين حكومة منتخبة تملك تفويضاً شعبياً، وعدم تمديد الفترة الانتقالية، محذراً من تشظي السودان، وحدوث مزيد من المعاناة للشعب حال تمديدها.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».