باريس تولي أهمية لمنع الانهيار بدعم الجيش ومساعدة الشعب

TT

باريس تولي أهمية لمنع الانهيار بدعم الجيش ومساعدة الشعب

لم يعد من خيار أمام باريس سوى الرهان -كما يقول مصدر سياسي- على تبني المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتي يستمد روحيتها من خريطة الطريق التي رسمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، على الرغم من أن رئيس الجمهورية ميشال عون أطلق عليها النار لحسابات ليست مُدرجة على جدول أعمال القوى السياسية الداعمة لها، وإنما للجنوح بالبلد نحو انقسام مذهبي وطائفي، وهذا ما أخذ يُقلق من لا يريد العودة إلى الطروحات «الحربجية» التي كانت سائدة إبان الحرب الأهلية التي يُفترض أن تكون قد أصبحت من الماضي.
فالسفيرة الفرنسية لدى لبنان، آن غريو، لم تكن مرتاحة لما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وهذا ما عبرت عنه في جولتها على الرئيس بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في محاولة منها لتلمس الأسباب التي ما زالت تعيق تأليفها، والسؤال عما يمكن القيام به للخروج من مأزق التأليف، من دون أن تطرح أي أفكار جديدة -بحسب المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط»- من شأنها أن تؤدي إلى تخطي العقبات، خصوصاً أن جولتها عليهما تزامنت مع لجوء عون إلى إطلاق النار على مبادرة بري.
ويلفت المصدر السياسي إلى أن جولة غريو على بري والحريري تلازمت مع استكمال التحضيرات الفرنسية لاستضافة باريس اليوم، بدعوة من ماكرون، للمؤتمر الدولي المخصص لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية المهددة الآن -استناداً إلى البيان الصادر عن البنك الدولي- بأحد أسوأ الانهيارات المالية والاقتصادية، ما يشكل ضغوطاً غير مسبوقة على قدراتها العملانية للحفاظ على الاستقرار في لبنان.
ويؤكد أن باريس قررت التحرك على خطين: الأول باتجاه المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية لرفع ما أمكن من معاناتها المترتبة على تدهور الوضعين الاجتماعي والاقتصادي الذي بات يهدد بانفجار شامل يأخذ لبنان إلى الفلتان الأمني وشيوع الفوضى، ما لم يتم تداركه بتزويدها بجرعة من الأوكسجين تبقيها على قيد الحياة.
أما الخط الثاني للتحرك الذي تتحضر له باريس -بحسب المصدر- فيكمن في توفير الدعم للقطاعات الصحية والتربوية والخدماتية، وأبرزها الكهربائية، إضافة إلى الهيئات العاملة في المجتمع المدني، وذلك بالتحضير لمؤتمر دولي ثانٍ يأخذ على عاتقه تأمين التغطية المالية لتوفير كل هذه الخدمات.
ويتوقع أن يتوصل المؤتمر الخاص لتوفير الدعم للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الأخرى إلى اتخاذ قرار يؤدي إلى دعمها لتأمين استمرارية النظام الغذائي للجيش والمحروقات والطبابة وصيانة العتاد والأمور الحياتية الأخرى، ولم يستبعد موافقته على تخصيص دفعة أولى قدرها 75 مليون دولار، يفترض أن تغطي احتياجات الجيش لآخر السنة الحالية شرط أن يعود للدولة قوننة هذا المبلغ حسب الأصول. ويرى أن المؤتمر الآخر لتوفير الخدمات التربوية والصحية والكهربائية سيخصص مبالغ مالية، على أن تُدرج تحت بند تقديم المساعدات في هذا الخصوص، وأن تتم عبر قنوات التواصل مع ممثلين عن المجتمع المدني والمؤسسات المستفيدة منها، ويعزو السبب إلى أن باريس لم تعد تثق بالمنظومة الحاكمة، وهي تراهن على الانتخابات النيابية العامة المقررة في ربيع 2022 لتقليص نفوذها لمصلحة الحراك المدني وبعض قوى المعارضة التي كان وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان قد التقاها في زيارته الأخيرة لبيروت، وحثها على توحيد صفوفها لخوض الاستحقاق الانتخابي في موعده.
ويتوقف المصدر السياسي أمام معادلة جديدة رسمتها فرنسا لتحركها في لبنان تقوم على التضامن بين الجيش والشعب، ويقول إن باريس تستثمر أمنياً في المؤسسة العسكرية، بصفتها آخر المعالم المتبقية من الدولة التي تشكل مع القوى الأمنية صمام الأمان لوقف انهيار لبنان.
ويضيف أن فرنسا تلتفت أيضاً إلى هيئات المجتمع المدني لرفع المعاناة عن اللبنانيين بتوفير الحد الأدنى من المقومات المطلوبة لتأمين الأمن الاجتماعي الذي يشكل، إضافة إلى دعمها للأجهزة الأمنية، وأولها الجيش، شبكة الأمان لمنع انهيار المؤسسات لأن الأمن وحده لا يكفي، ما لم يتلازم مع تحصين الشق الاجتماعي للحفاظ على الاستقرار.
لذلك، فإن باريس تتعامل مع لبنان على أنه يمر حالياً في مرحلة انتقالية، مع أنها لن تمانع بالتوصل إلى تشكيل حكومة مهمة تستدعي منها توفير الحماية لتأمين الاندماج بين الشعب والجيش، وهذا ما يشكل قلقاً لبعض الذين لديهم طموحات رئاسية، أو لبعض من لا يروق له تكريس مثل هذا الاندماج، ظناً منه أنه البديل عن «المعادلة الذهبية» التي يتمسك بها «حزب الله» وتجمع الجيش والشعب والمقاومة.
ويرى المصدر السياسي أن الحذر من الاهتمام الفرنسي بالمؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى يتلازم مع التفات باريس إلى معاناة اللبنانيين، في محاولة لخفض منسوبها السلبي المترتب على تركهم يقلعون شوكهم بأيديهم، في ظل غياب الدولة بكل مؤسساتها وإداراتها، بعد أن دخلت في غيبوبة قاتلة، وذلك لضمان بقائهم على قيد الحياة إلى أن تسمح الظروف التي تتيح للدولة أن تستعيد ثقتهم بها التي ما زالت معدومة حتى إشعار آخر.
وعليه، يعد المصدر نفسه أنه ليس هناك من مبرر لاستهداف المؤسسة العسكرية التي نجحت، بالتعاون مع القوى الأمنية، في التعامل بمرونة وانفتاح مع انتفاضة الشعب اللبناني، وبالتالي من المبكر إقحام المؤسسة الأمنية الأم في السباق الرئاسي لأن الأولوية تكمن في إعادة الروح إلى البلد شرطاً لإنجاز الاستحقاقات الكبرى في موعدها. فمن غير الجائز توفير الأجواء لإتمامها ما لم يستعد لبنان دوره، بدءاً بضمان وجوده، وإلا فإن المخاوف تبقى مشروعة بأن يتزامن الاستحقاق الرئاسي هذه المرة مع زوال الجمهورية عن الخريطة الدولية، علماً بأن من يستهدف المؤسسة العسكرية بحملاته ينطلق من حسابات خاطئة، فحواها أن تفعيل دورها يقلص من نفوذ «حزب الله».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.