محمد الأمين الشنقيطي.. عدو الجهل والخرافة والتعصب

أسس مدرسة «النجاة» في البصرة وقضى حياته القصيرة في طلب العلم

الشنقيطي.. وفي الاطار غلاف الكتاب
الشنقيطي.. وفي الاطار غلاف الكتاب
TT

محمد الأمين الشنقيطي.. عدو الجهل والخرافة والتعصب

الشنقيطي.. وفي الاطار غلاف الكتاب
الشنقيطي.. وفي الاطار غلاف الكتاب

في عام 1876 أبصر محمد أمين فال الخير، نور الحياة في مضارب قبيلته «الحسنيين» في صحراء شنقيط، تلك القبيلة التي تنتمي إلى أشراف العرب، والتي قيل فيها: «إن الشعر العربي بنى بيته فيها»، ثم درس في طفولته مبادئ الفقه والسيرة النبوية، ودواوين الشعر القديم، وعندما بلغ سن الـ25 توجه إلى الحجاز لأداء مناسك الحج، وقبلها اتجه إلى فاس، واتصل ببعض الحلقات العلمية وتابع منها رحلته إلى مصر وأزهرها، ثم حط رحاله في الحرمين الشريفين ليدرس على علماء الحجاز الحديث النبوي والفقه والمغازي والأنساب والنحو ليتجه إلى نشر العلم بدءا من عنيزة ثم الكويت ثم الزبير التي أسس فيها مدرس النجاة الأهلية، تلك المدرسة التي تخرج فيها آلاف الطلبة الذين نشروا العلم في أرجاء الجزيرة العربية وفي العراق.
وفي عام 1932 توقف قلب رجل جليل نذر حياته للعلم والتعليم و«حاول جاهدا أن يبدد ظلمة الجهل والخرافة والتعصب عن أفق المشرق العربي وليصبح هذا الرجل للجيل الجديد نبراسا يحتذى في الإقبال على العلم والإخلاص، وفي مقبرة الحسن البصري بالزبير دفن بعيدا عن وطنه قبل 83 عاما من اليوم».
بهذه الكلمات كتب رجل الأعمال والشاعر الكويتي عبد العزيز سعود البابطين الذي عرف بنشاطه الثقافي الواسع ومؤسس جائزة باسمه للإبداع الشعري، ومكتبة البابطين المركزية للشعر العربي في الكويت، صدّر بها كتابا للباحث والمؤلف الدكتور عبد الرحمن بن صالح الشبيلي عضو مجلس الأمناء في المجموعة السعودية للأبحاث والنشر، عن العالم محمد الأمين الشنقيطي، الذي وصفه الدكتور محمد المختار ولد أبّاه رئيس جامعة شنقيط العصرية في نواكشوط، خلال تقديمه الكتاب بأنه قد لم شتات العلوم، وأسس مدرسة النجاة في الزبير وهي المؤسسة التي كان لها أثر بالغ في النهوض بالعلوم الإسلامية التي تخرج فيها مجموعة من أعلام الخليج والأحساء ونجد، معددا المراحل التي مر بها الشنقيطي في عدة دول، حتى وصل إلى مرحلة العطاء العلمي التي قضاها بين الكويت وعنيزة والزبير، وكانت حافلة بالنشاط التربوي والاصطدام بالتقليديين.
وتناول مؤلفون وأدباء ومؤرخون سيرة الشيخ الشنقيطي؛ إذ نشر العلامة حمد الجاسر نبذة عنه في مجلة «العرب»، مشيرا فيها إلى أن عددا من جيل التعليم المبكر في نجد قد تتلمذ عليه، ومن بينهم علامة عنيزة الشيخ عبد الرحمن السعدي، وأستاذ الجيل التعليمي فيها صالح بن صالح، كما ذكر أن الشنقيطي كان على علاقة وثيقة مع هذه المدينة وأهلها، وتربطه صداقة عميقة مع وجيه عنيزة المعروف علي بن عبد الله بن عبد الرحمن البسام، المقيم بين عنيزة والبصرة والزبير.
وأشار إلى أن الشنقيطي زار مدينة عنيزة مرتين، وأقام بها نحو عامين، وقابل الملك عبد العزيز في منزل محمد سليمان الشبيلي، كما صدر كتاب عام 1981 عن سيرة الشنقيطي من تأليف عبد اللطيف أحمد الدليشي، وكان الكتاب من إصدار وزارة الأوقاف العراقية، وفيه بدد الدليشي الشكوك حول من يحمل اسم «محمد الأمين الشنقيطي» من خلال صورته وسيرته حيث لا يكون بينهم وشائج قرابة أسرية.
عاش الشنقيطي 56 عاما، أمضى منها 23 عاما في طلب العلم، بدأ بعدها رحلته بدءا من بلدان المغرب (الصويرة، ومراكش، وطنجة والرباط، والدار البيضاء) مرورا بمدن الحجاز (مكة المكرمة، والمدينة المنورة) ثم الكويت ومدن نجد وبخاصة عنيزة وانتهاء بالزبير.
كما قام برحلات إلى الأحساء وعمان، واليمن، والهند، وذكر الدليشي أن الشنقيطي حفظ القرآن قبل البلوغ، ثم انضم إلى حلقات الدرس لدى علماء بلدته، فدرس مجموعة متنوعة من كتب الفقه، والنحو، وشعر المعلقات، وعرج الدليشي على قصة إصابة الشنقيطي بالجدري عام 1900 وسفره إلى مصر، ولقائه العلامة محمود التركزي الشنقيطي وزيارتهما معا للشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية.
كما روى قصة أدائه الحج وإصابته بالملاريا عام 1901 وهي الإصابة التي أقعدته عامين في المدينة المنورة، كما أورد في الكتاب أسماء بعض العلماء الذين درس عليهم، وكان من أبرزهم أديب الحجاز عبد الجليل برّاده، ثم عاد إلى مكة المكرمة ليلازم أستاذه وصديق والده الشيخ أحمد بن سالم الديماني في مرضه حتى وفاته عام 1907.
استثمر محمد أمين الشنقيطي فترة إقامته تلك في الالتحاق بحلقات الدرس بالحرم الشريف حتى توسع في دراسة النحو والحديث والأدب والمنطق والأصول والتجويد، ودفع احتلال فرنسا إلى موريتانيا في العام نفسه إلى صرف نظر الشيخ عن العودة إلى بلاده رغم حنينه إليها، وهو ما صادف وفاة شريف مكة (عون) وتولي الشريف حسين حكم الحجاز وإعلانه الثورة العربية.
لم يكن الشنقيطي مختلفا عن غيره من علماء شنقيط من حيث قول الشعر، لكنه كان يعترف بأنه لا يعد نفسه من الشعراء.
أقام الشيخ الشنقيطي في الزبير عام 1909 وأسس فيها مدرسة النجاة وتزوج بـ«لولوة بنت سلطان السلطان الطويل»، لكن الشيخ الذي انغمس في أحداث السياسة في جنوب العراق وجرته دوامة النزاع بين الإنجليز والعثمانيين في رأس الخليج، مما اضطره إلى التنقل بين الكويت ونجد وبغداد، لكنه عاد ثانية إلى الاستقرار في الزبير.
وتظهر سيرة الشيخ الشنقيطي أن له مدرسة فقهية ينفرد بها عمن سواه في عصره، بقدر ما كان مدرسا وواعظا مستنيرا ووسطيا في نهجه، منصرفا للدعوة، صافي المعتقد، ولا يوجد في سيرته ما يوحي بانتمائه إلى فرقة أو طائفة أو الطرق المنتشرة في عصره في مغرب العالم العربي ومشرقه، وكان مالكي المذهب، واختصر الدليشي الحديث عن سيرة الشيخ بالقول: «تتلمذ على أساتذة يؤلفون مدرسة إسلامية رصينة وقد خرج بعلم صحيح، وفكر شامل في مصادر الدين الإسلامي من الكتاب والسنة، والإجماع والقياس، معتمدا في ذلك آراء أكابر المسلمين المفكرين الذين لا ترقى التهمة إلى سلامة عقائدهم».
غير أن الشنقيطي لم يسلم من حسد بعض المحافظين الذين وجدوا في شعبيته وانفتاحه انحسارا في نظرة الناس إليهم بل لقد تعرض للإيذاء الجسدي عندما أيّد فتح مدرسة للبنات في الزبير إلى جانب مدرسة النجاة للبنين، وكان يؤكد على التمسك بتعاليم الإسلام الصحيحة، ونبذ المذهبية الضيقة وترك ما شاع من البدع والجمود الفكري.
وعاشر الشنقيطي عددا من أعلام عصره، الذين عرفهم أو التقاهم، ولعل أبرزهم: حافظ وهبة الذي عاش في الكويت ثم التحق بديوان الملك عبد العزيز وصار من مستشاريه وأول ممثل للسعودية في بريطانيا عام 1930م، وعبد العزيز الرشيد مؤلف «تاريخ الكويت»، ومنشئ مجلة «الكويت»، وعبد العزيز الثعالبي، الزعيم التونسي المعروف، ومحمد رشيد رضا صاحب «تفسير المنار»، ومحرر مجلة «المنار»، وتلميذ الشيخ محمد عبده، ومحمد خليفة النبهاني مؤلف «التحفة النبهانية»، ومحمود شكري الألوسي المؤرخ والعالم والأديب والمفسر.



بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)
بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)
TT

بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)
بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)

يجري النظر إلى بيدرو ألمودوفار، على نطاق واسع، باعتباره أعظم مخرج سينمائي إسباني على قيد الحياة. أما هو فيرى نفسه كاتباً في المقام الأول - «كاتب حكايات»، بحسب وصفه. واتخذت هذه الحكايات الباذخة منعطفات يصعب التنبؤ بها أو حتى تحديدها.

دارت إحدى قصصه حول رجلين، يبنيان رابطة قوية بينهما، يطيلان النظر إلى امرأتين غائبتين عن الوعي، وفي قصته المعنونة «الجلد الذي أعيش فيه»، تناول قصة جراح تجميل يجري عملية جراحية لرجل أسير، ويحوله إلى امرأة ضد إرادته.

من بين أكثر من 20 فيلماً روائياً له، كتب ألمودوفار أو شارك في كتابة جميعها تقريباً. في الواقع، وربما أمضى أياماً على مكتب الكتابة، أكثر من وقته داخل مواقع التصوير.

وفي وقت لاحق، اتضح أنه كان يكتب أشياءً أخرى كثيرة - قصص قصيرة، ومذكرات يومية، وبضعة مقالات غير قابلة للتصنيف - على مدار فترة انهماكه في صناعة الأفلام. كانت القصص موجودة في عدة مجلدات زرقاء غامضة، جمعتها مساعدته لولا غارسيا على امتداد الفترة التي تنقل خلالها المخرج مرات عدة بين شقق مختلفة في مدريد.

غلاف الكتاب

وفي عام 2022. بناءً على إلحاح المحرر الأدبي الإسباني غاومي بونفيل، ألقى ألمودوفار نظرة على ما جرى حفظه من كتاباته على مر السنين.

يعلق بونفيل على الأمر بقوله: «كان الأمر أشبه برؤية جانب من شخصية بيدرو لم أكن أعرفه»، مضيفاً أن «المخطوطات التي تولوا فرزها تحتوي على كتابات كتبها المخرج عندما كان مراهقاً، بجانب قطع أخرى يبدو أن ألمودوفار كتبها بعد عقود»، ونشرت مجموعة كتاباته تحت عنوان «الحلم الأخير»، باللغة الإنجليزية، في 24 سبتمبر (أيلول)، الماضي.

يحيط الغموض بمحتوى هذه المجموعة: هل هي مذكرات؟ (كانت إحدى القطع عبارة عن فقرة كتبها في دفتر يوميات قبل عامين)، أم هي محض خيال، أم مجرد مسودات لأفكار يمكن أن تكون إلى قصص خيالية - أم قصص غير مكتملة لم يحولها المخرج إلى فيلم؟ (هناك قصة عن انضمام الكونت دراكولا إلى دير في إسبانيا).

ومثلما الحال مع أفلامه، لا يشعر ألمودوفار بالحاجة إلى وضع إنتاجه في خانة أي نوع أدبي محدد.

في مقدمة الكتاب، ذكر ألمودوفار أنه: «طُلب مني كتابة سيرتي الذاتية أكثر من مرة، ولطالما رفضت ذلك. ويمثل هذا الكتاب شيئاً من المفارقة. وربما يكون من الأفضل وصفه بأنه سيرة ذاتية مجزأة، غير مكتملة وغامضة بعض الشيء».

وربما يكمن اللغز الأكبر في «الحلم الأخير»، وفي السبب الذي دفع ألمودوفار إلى اختيار نشر أي شيء من كتاباته من الأساس. المعروف أن الكثير من الفنانين المشهورين يعمدون إلى حرق أعمالهم التي أبدعوها في فترات الشباب، بدلاً من أن ترى النور. أما ألمودوفار، فقد اختار النهج المعاكس، ونشر المجموعة دون أدنى تحرير تقريباً.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا، بعد سنوات من إبقاء هذه الحكايات بعيداً عن الأنظار، اختار ألمودوفار كاتب القصص الخيالية، إطلاقها للعالم؟

اليوم، في سن الرابعة والسبعين، يتمتع ألمودوفار بحضور نادر لرجل قلما يحمل بداخله ندماً. وقد ولد ألمودوفار في ظل حكم الجنرال فرانشيسكو فرانكو، لكنه بلغ سن الرشد بعد وفاة الديكتاتور، وفي وقت أصبح من الممكن إنتاج أفلام عن الجنس والمخدرات في إسبانيا.

عام 1986. أسس هو وشقيقه أغوستين، شركة إنتاج خاصة بهما، حملت اسم «إل ديسيو»، مما منح المخرج نوعاً من السيطرة الفنية على أفلامه، قلما تمتع بها أحد من قبله. وفي مقابلة أجريت معه في مكتبه، هذا الصيف، قال بنبرة عكست شعوراً بالفخر والدهشة معاً: «الآن، يدرس الناس أفلامي في أقسام الجامعة».

ورغم ادعاء ألمودوفار بأن كتابه سيرة ذاتية، لن يشعر سوى القليل من القراء أن «الحلم الأخير» مذكرات شخصية. ومع ذلك، فإن المجموعة، قصة تلو الأخرى، تستعيد ذكريات الماضي، وتعكس مراحل مختلفة من حياة ألمودوفار، وتحمل كل قطعة مفتاحاً يسلط الضوء على مجمل أعمال ألمودوفار.

وباستطاعة أي متابع لألمودوفار أن يتعرف على الفور على حبكة فيلمه المثير «التعليم الرديء» ــ وقد ظلت القصة حبيسة مجلد أزرق لسنوات، قبل أن يحولها ألمودوفار أخيراً إلى فيلم عام 2004. وعبر القراءة، لا تملك سوى أن تتساءل أحياناً: هل القصة التي أطالعها الآن، ذات المخطوطة التي شاهدتها على الشاشة قبل عشرين عاماً؟

والآن، من هو ألمودوفار؟ أجاب عن ذلك بقوله: «في هذا القرن الجديد أصبحت أكثر كآبة، وأكثر تقشفاً، وأكثر حزناً، وأقل ثقة، وأكثر افتقاداً للأمان، وأشد خوفاً».

وخلال المقابلة، بدا وكأنه يقول إنه رغم إنتاجه المستمر للأفلام، فإن ثمة جزءاً منه يتباطأ: «هناك مهارات معينة تتلاشى تدريجياً بمرور الوقت. أتذكر أنني على مدار شهر واحد، كنت أفكر في 10 قصص يمكنني كتابتها وتحويلها إلى أفلام. اليوم، اختفت هذه القصص».

بعد ذلك، بدا وكأنه يريد التراجع عن هذا الاعتراف. وقال: «لحسن الحظ، الأدب والسينما مهنتان تتمتعان بطول العمر. الأمر ليس مثل لاعب التنس الذي ينهي مسيرته المهنية في سن الـ35».

يتناول فيلم «الغرفة المجاورة»، الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان البندقية السينمائي الأخير، «مشكلة الموت» التي يعاني منها ألمودوفار، على نحو أكثر صراحة من أي من أعماله السابقة، كما أنه أول فيلم له باللغة الإنجليزية. السيناريو، يدور حول مراسلة حربية سابقة تخطط للانتحار، بعد رفضها العلاج من مرض عضال. وتنضم إليها صديقة كاتبة تخشى كل ما يتعلق بالموت، ولكنها توافق على مرافقتها خلال أيامها الأخيرة.

يقول ألمودوفار: «يدور أحدث فيلم أخرجته عن الموت، لكنه يتحدث كذلك عن محاولة التعايش مع الموت». (نال الفيلم، الذي تقوم ببطولته تيلدا سوينتون وجوليان مور، تصفيقاً حاراً استمر لمدة 20 دقيقة في مهرجان البندقية، وفاز بجائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم).

يطل الموت برأسه مرة أخرى في القصة التي يحمل كتابه، «الحلم الأخير»، عنوانها، وتعتبر بمثابة تكريم لوالدته، فرانشيسكا كاباليرو، التي توفيت عام 1999. في هذا الصدد، يقول ألمودوفار إن والدته كاباليرو هي التي عرفته للمرة الأولى على أسلوب «القصص الخيالية» داخل قريتهم، عندما كانت تقرأ الرسائل لجيرانها الأميين. وفي كثير من الأحيان، كانت تزين مضمون الرسائل بخيالات، قال ألمودوفار إنها غالباً ما كانت تأتي أبهى من الحقيقة.

في قصة ألمودوفار، كانت كاباليرو في المستشفى، في لحظاتها الأخيرة على الأرض، بينما كان أفراد أسرتها ملتفين حولها، ثم سقطت فجأة في سبات عميق. وعندما استيقظت، سألت عما إذا كانت هناك عاصفة، وفي غضون فترة وجيزة ماتت. وعن ذلك، كتب ألمودوفار: «كان الجمعة يوماً مشمساً، بينما تسللت بعض أشعة الشمس تتدفق عبر النافذة. يا ترى ما العاصفة التي كانت والدتي تشير إليها في حلمها الأخير؟»

من الحديث عن موت والدته، عاد ألمودوفار إلى موته. وفي حديثه معي، قال: «إنها مسألة بيولوجية، لكن عندما يتعلق الأمر بالموت لا أعتقد أنني تطورت حقاً ذهنياً على نحو يجعلني أتقبله ـ فقط لقبول أنه جزء من طبيعة الحياة. الحقيقة، لم أبلغ هذه النقطة بعد».

ومع ذلك، عندما عاد إلى قصته عن الكونت دراكولا - في القصة، يتعلم مصاص الدماء الخالد خداع الموت بشرب الدم من صليب - كان من الواضح أن جزءاً من المخرج قد تقبل أنه يقترب من نهاية حياته المهنية. وقال إنه لطالما راودته الرغبة في تحويل القصة إلى فيلم، لكنه كان يعلم أن القصة ربما لن تُروى بأي شكل آخر.

آخر قطعة لألمودوفار في المجموعة - أحدث قطعة جرى سحبها من المجلدات الزرقاء - مقال بعنوان «رواية رديئة»، ويتحدث فيها عن آراء الآخرين به ككاتب.

يقول: «في وقت مبكر، عندما كنت صغيراً، كان حلمي أن أصبح كاتباً، وأن أكتب رواية عظيمة. بمرور الوقت، أثبت الواقع أن ما كتبته سيصبح أفلاماً حتماً. أدركت أن كتاباتي لم تكن قصصاً أدبية، بل كانت مسودات أولية لسيناريوهات».

ويختتم ألمودوفار حديثه قائلاً إن الحياة غالباً ما تدور حول تغيير المسار نحو ما تجيده، ويقول إنه كان محظوظاً في هذا الصدد.

* خدمة «نيويورك تايمز»