هل تصمد حكومة بنيت أمام تناقضاتها؟

المنطق السياسي التقليدي يقول إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لن تصمد طيلة المدة المخصصة لولايتها (4 سنوات ونصف السنة، حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2024). فهي تتألف من أحزاب متناقضة جداً. تشكلت من معسكرين يتقاسمان السلطة مناصفة: معسكر اليمين ويضم 12 نائباً (يمينا برئاسة نفتالي بنيت 6، وأمل جديد برئاسة غدعون ساعر 6 نواب)، ثم معسكر التغيير ويضم 49 نائباً (برئاسة يائير لبيد ويضم ستة أحزاب).
بالإضافة إلى التناقض بين المعسكرين، يوجد تناقض لا يقل شدة داخل معسكر لبيد. فهو يضم حزب ليبرمان في أقصى اليمين وحزب ميرتس في أقصى اليسار، وبينهما حزب غانتس وحزب العمل وحزب لبيد نفسه. ومعهم أيضاً الحركة الإسلامية.
إذا قرأنا خريطة تشكيل الحكومة وبرامج كل منها وربطنا ذلك بتاريخ السياسة الإسرائيلية، نجد أن هذه الحكومة هشة وقابلة للكسر السريع. مثال على ذلك، ما حصل في يوم إقرارها بالكنيست، أول من أمس، إذ أفاقت إسرائيل على سلسلة أحداث بسيطة كادت تطيح بالحكومة قبل أن ترى النور. فبمجرد أن أعلن النائب إيلي أفيدار، من حزب «يسرائيل بيتينو» برئاسة أفيغدور ليبرمان، أنه منذ الآن سيصوت في الكنيست بشكل مستقل ولن يلتزم بقرارات حزبه، حتى بدأ الحديث عن فشل الحكومة. ثم اهتزت من جديد عندما قرر النائب سعيد الخرومي الامتناع عن التصويت بعدما أرسل نتنياهو 50 شرطياً إلى قرية بير هداج التي تعيش فيها والدته، بغرض هدم بيتها و99 بيتاً آخر لسكانها. وبالتالي حظيت الحكومة بتأييد 60 نائباً مقابل 59.
إنها حكومة هشة فعلاً. تقف على شعرة. وإذا أصيب نائب في الائتلاف بالإسهال واضطر إلى التغيب، يمكن أن تسقط هذه الحكومة. ونتنياهو الذي يعرف ذلك جيداً، يبني آماله كلها على هذه الهشاشة ليعود إلى الحكم. كما أن وجود حكومة كهذه ينطوي على فرص لا يستهان بها، فغالبية الأحزاب اليمينية فيها فقدت حجماً كبيراً من المصوتين التقليديين لها، وإذا فشلت تجربتها وذهبت إلى انتخابات مبكرة ستختفي عن الساحة. فقد بيّن استطلاع للرأي عرضته «القناة 20» التابعة لليمين الاستيطاني، أنه في حال إجراء انتخابات جديدة، فإن المعسكر الذي يشكل هذه الحكومة سيخسر 5 مقاعد من قوته لصالح معسكر نتنياهو. وبين الاستطلاع أن حزب لبيد وحده سيرتفع من 17 إلى 23 مقعداً، لكن حزب «يمينا» بقيادة نفتالي بنيت سيهبط من 7 إلى 4 مقاعد، وحزب «أمل جديد» برئاسة غدعون ساعر، سيهبط من 6 إلى 4 مقاعد، ويسرائيل بيتينو برئاسة أفيغدور ليبرمان سيهبط من 7 إلى 6، فيما يحافظ كل من حزب العمل (7) و«ميرتس» (6)، والإسلامية (4) على قوتهم. وستهبط «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية من 6 إلى 5 مقاعد.
من هنا، فإن بنيت وساعر سيواجهان مشكلة جدية في عبور نسبة الحسم، وسيواجهان خطر الاختفاء من الحلبة السياسية. ولذلك، فإن عليهما أن ينجحا، وبأي ثمن. والتقدير أنهما سيحصلان على دعم مهم للنجاح، أولاً من الولايات المتحدة، التي يبدو أنه كان لها دور في نجاح ائتلافهما. ولم يكن صدفة أبداً أن الرئيس بايدن، الذي امتنع عن محادثة نتنياهو بعد فوزه طيلة ستة أسابيع، اتصل ببنيت بعد ساعتين من تنصيب حكومته وهنأه ووعده بالعمل بالتعاون معه. وثانياً من المؤسسة العسكرية، التي تولت الالتقاء معه بعد ساعات من تنصيبه، وأبلغته بعدد من الأسرار المهمة التي كان يفترض أن يبلغه بها نتنياهو نفسه ولكنه لم يفعل.
وحسب خطة بنيت ولبيد لتعزيز الائتلاف الحكومي، فإن هناك احتمالات غير قليلة بأن يستطيعا إقناع حزب متدين أو أكثر للانضمام إليهما. ولديهما أمل أيضاً في أن يحصل تمرد في الليكود ضد نتنياهو، وأن يفتح هذا الباب لتشكيل حكومة مع الليكود أو قسم من نوابه. ولكن، حتى إن لم يحصل تطور كهذا، فإن أداء جيداً للحكومة بتركيبتها الحالية، مع بعض التجديد بالإبداع والبراغماتية، يمكنه منع سقوطها. هكذا حصل مع شارون سنة 2003، فقد انسحب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، وبدأ يتحدث عن «عبء الاحتلال». وعندما سئل كيف غير آراءه اليمينية بهذه السرعة وبهذه الضخامة، قال يومها: «ما تراه من هنا (أي من موقع رئاسة الحكومة) لا تراه من هناك (موقع المعارضة). فالحكم بحذ ذاته يمكن أن يفرز قادة. في الوقت الحاضر لا يبدو ذلك واقعياً مع شخصية مثل بنيت، لكن الفرصة قائمة. وهناك جهات عدة تحاول جعلها فرصة واقعية».