ديناميكيّة العالم... من الصورة الكبرى إلى الصغرى

جندي أوكراني يطلق مسيّرة مخصصة للتجسس (أرشيفية - أ.ف.ب)
جندي أوكراني يطلق مسيّرة مخصصة للتجسس (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

ديناميكيّة العالم... من الصورة الكبرى إلى الصغرى

جندي أوكراني يطلق مسيّرة مخصصة للتجسس (أرشيفية - أ.ف.ب)
جندي أوكراني يطلق مسيّرة مخصصة للتجسس (أرشيفية - أ.ف.ب)

تقوّم وتُصنّف الدول بناء على ما تملك من ثروات وقدرات، وبناءً عليها يُرسم سلّم التراتبيّة في النظام العالميّ. يُحدّد بعض الخبراء أن هناك عوامل أربعة ترتكز عليها الدول لبناء مجدها، أو للحفاظ على ديمومة كيانها، وهي: القدرة العسكريّة، السياسيّة، الاقتصاديّة والتكنولوجيّة. لكن لا يكفي للدولة أن تملك العناصر الأربعة هذه؛ إذ لا بد لها من رسم الاستراتيجيات الكبرى لحفظ دورها، وحتى فرضه في النظام العالمي إذا لزم الأمر. هكذا تتصرّف القوى العظمى. أما الدول المُصنّفة عادية في النظام العالمي، فهي تسعى قدر الإمكان لحفظ دورها، وذلك عبر التموضع لتقديم الخدمات الاستراتيجية التي تحتاج إليها القوى المهيمنة. إذن، استراتيجيّة التموضع، هي فعل جيو - سياسيّ وبامتياز.

قد تُعلن دولة ما عن نواياها للعظمة كرسالة تحذير للآخرين. هكذا فعل الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت، عندما حضّر الأسطول الأبيض العسكري الأميركي العظيم، وجعله يدور حول العالم من عام 1907 وحتى عام 1909. سُمي بالأبيض لأن لون القطع البحرية كان أبيض؛ كون هذا اللون يعكس النوايا السلميّة. لكن في الوقت نفسه كانت الرسالة أن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت قوّة بحريّة عالميّة وهي جاهزة للعب دور عالميّ. ألا تقوم السياسة على شعائر وإيحاءات خاصة بها؟

تحاول الصين حالياً تبوُّء مركز الصدارة في العالم. هذا هو حلم الرئيس الصيني. هو ضدّ الهيمنة والمهيمنين. فالهيمنة تهدّد الاستقرار والسلم العالميين. وحسب فكر الرئيس الصيني، شي جينبينغ، يتشارك العالم ككلّ بالمستقبل نفسه، والذي من المفروض أن يكون مزدهراً ومستقرّاً.

الرئيس الصيني شي جينبينغ يصافح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بكين (أرشيفية - رويترز)

وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن في الصين لطلب وقف المساعدات الصينيّة الحربيّة لروسيا. بعدها يزور بلينكن إسرائيل للنظر في شأن الحرب المستمرّة على غزّة.

تكثّفت اللقاءات العلنيّة بين مسؤولين رفيعيّ المستوى، من كل روسيا، بلاروسيا، الصين، إيران وكوريا الشماليّة. ألا يوحي هذا الأمر بتشكّل محور جديد مناهض للغرب وهيمنته؟ في هذه المعادلة، تخوض روسيا الحرب على أوكرانيا. تزوّد إيران روسيا بالأسلحة خاصة المُسيّرات. تزوّد الصين روسيا بالتكنولوجيا اللازمة لتحديث المسيّرات الإيرانيّة. تزوّد كوريا الشماليّة روسيا بالذخيرة والأسلحة. لتردّ روسيا الجميل بتخطّي العقوبات الغربيّة على كوريا الشماليّة.

نشرت مجلّة «فورين افيرز» في العدد الأخير لها مقالاً، تشرح فيه تشكّل هذا المحور الثوريّ والذي يضمّ الدول المذكورة أعلاه. لا يرى المقال، أن هناك تحالفاً رسميّاً بين هذه الدول. لكن الأكيد، أنهم كلّهم متّفقون على تقويض أسس النظام العالمي الذي شكّلته أميركا بعد الحرب العالميّة الثانية.

في المقابل، تزّود الهند الفلبين بثلاث بطاريات بحريّة متنقّلة لصواريخ براهموس الفرط - صوتيّة والمضادة للسفن. مع الوعد بتسليم الفلبين قريباً صواريخ بريّة من النوع نفسه.

من مناورات عسكرية مشتركة بين الفلبين وأميركا (أرشيفية - إ.ب.أ)

تعدّل الولايات المتحدة الأميركيّة تموضعها العسكريّ في الشرق الأقصى، وتُحدّثه في الوقت نفسه. تعزّز تواجدها في اليابان، وتزوّدها بأحدث الصواريخ من نوع توما هوك. كما شكّلت أميركا فوجاً جديداً من بحريّة المشاة الأميركيّة، والذي سيتمركز في جزيرة أوكيناوا، خاصة وأن هذه الجزيرة سوف تلعب دور حاملة طائرات عائمة، بدل تعريض الحاملات الأميركيّة لخطر الصواريخ الصينيّة. وإذا ما أضفنا هذا التعزيز مع اليابان، إلى التواجد الأميركيّ المهم في كوريا الجنوبيّة. فقد يمكننا القول إن هذا التحالف يسيطر على بحر اليابان، كما يسيطر على الجهّة الشرقيّة للبحر الأصفر، ضمناً الممر البحريّ بين اليابان وكوريا الجنوبيّة ذي القيمة الاستراتيجيّة الكبرى.

حصلت أميركا مؤخراً من الفلبين على حق استعمال الكثير من القواعد البحريّة العسكريّة، كما القواعد الجويّة. وإذا ما أضفنا دور أستراليا في اللعبة الأميركيّة الجيو - سياسيّة (ضمن تحالف الأوكوس)، كما إضافة حركيّة أميركا في منطقة الأندو - باسفيك. فقد يمكننا القول إن أميركا تسعى إلى تشكيل طوق بحريّ حول الصين بهدف احتوائها. من هنا تضمّنت حزمة المساعدات العسكريّة الأميركيّة الأخيرة والتي اقرّها الكونغرس، مبلغ 8.1 مليار دولار للحلفاء في شرق آسيا ضمنا تايوان ومنطقة الاندو - باسفيك.

في الختام، يقول الكاتب الأميركيّ غريغ ايب، في مقال له في «وول ستريت جورنال» إن حال الاقتصاد الأميركيّ هو على الشكل التالي: الدولار قويّ، العجز كبير، نمو اقتصادي مهمّ، وذلك بالإضافة إلى تبوّء الدخل القومي الأميركي المركز الأوّل بنسبة 26.3 في المائة من الدخل القوميّ العالميّ والمقدّر بـ88 تريليون دولار. احتلّت أوروبا ككل، مع بريطانيا المركز الثاني. حلّت الصين في المركز الثالث. اليابان، والهند في المركزين الرابع والخامس. غابت روسيا عن التصنيف.



بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
TT

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فجر السبت، إلى لاوس حيث سيحضر اجتماعات رابطة دول «آسيان» ويجري محادثات مع نظيره الصيني، وذلك في مستهل جولة آسيوية تشمل دولاً عدة وتهدف إلى تعزيز علاقات واشنطن مع حلفائها الإقليميين في مواجهة بكين.

ومن المقرر أن يلتقي بلينكن وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش محادثات وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تعقد في فينتيان، عاصمة لاوس.

منافسة حادة

ويسعى بلينكن لتحقيق تطلّع بجعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ «منطقة حرة ومفتوحة ومزدهرة»، وهو شعار يحمل في طيّاته انتقاداً للصين وطموحاتها الاقتصادية والإقليمية والاستراتيجية في المنطقة.

وقالت وزارة الخارجية في بيان صدر قبل وقت قصير من وصول بلينكن إلى فينتيان، إنّ «محادثات الوزير ستواصل البناء والتوسع غير المسبوق للعلاقات بين الولايات المتحدة وآسيان»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وهذه هي الزيارة الـ18 التي يقوم بها بلينكن إلى آسيا منذ توليه منصبه قبل أكثر من ثلاث سنوات، ما يعكس المنافسة الحادة بين واشنطن وبكين في المنطقة.

ووصل بلينكن بعد يومين على اجتماع عقده وزيرا خارجية الصين وروسيا مع وزراء خارجية تكتل «آسيان» الذي يضم عشر دول، وقد عقدا أيضاً اجتماعاً ثنائياً على الهامش.

وناقش وانغ وسيرغي لافروف «هيكلية أمنية جديدة» في أوراسيا، وفق وزارة الخارجية الروسية.

وقالت الوزارة إن وانغ ولافروف اتفقا على «التصدي المشترك لأي محاولات من جانب قوى من خارج المنطقة للتدخل في شؤون جنوب شرق آسيا».

وتقيم الصين شراكة سياسية واقتصادية قوية مع روسيا. ويعتبر أعضاء حلف شمال الأطلسي بكين مسانداً رئيسياً لموسكو في حربها على أوكرانيا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، الجمعة، إن وانغ وبلينكن «سيتبادلان وجهات النظر حول مسائل ذات اهتمام مشترك».

ووفق وزارة الخارجية الأميركية سيناقش بلينكن «أهمية التقيّد بالقانون الدولي في بحر الصين الجنوبي» خلال محادثات «آسيان».

توترات متصاعدة

وتأتي المحادثات في خضم توترات متصاعدة بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي، حيث سجّلت مواجهات في الأشهر الأخيرة بين سفن فلبينية وصينية حول جزر مرجانية متنازع عليها.

وتتمسك بكين بالسيادة شبه الكاملة على الممر المائي الذي تعبره سنوياً بضائع بتريليونات الدولارات، على الرغم من حكم أصدرته محكمة دولية قضى بأن لا أساس قانونياً لموقفها هذا.

وفقد بحار فلبيني إبهامه في مواجهة وقعت في 17 يونيو (حزيران) حين أحبط أفراد من جهاز خفر السواحل الصيني محاولة للبحرية الفلبينية لإمداد قواتها في موقع ناء.

وانتقدت الصين في وقت سابق من العام الحالي تصريحات لبلينكن أبدى فيها استعداد واشنطن للدفاع عن الفلبين إذا تعرضت قواتها أو سفنها أو طائراتها لهجوم في بحر الصين الجنوبي.

وتصر بكين على أنه «لا يحق» للولايات المتحدة التدخل في بحر الصين الجنوبي.

والبلدان على طرفي نقيض في ملفات التجارة وحقوق الإنسان ووضع جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي.

وتشمل جولة بلينكن ستّ دول هي لاوس وفيتنام واليابان والفلبين وسنغافورة ومنغوليا.

ومن المقرر أن يصدر وزراء خارجية الدول المنضوية في «آسيان» بياناً مشتركاً في ختام الاجتماعات التي ستُعقد على مدى ثلاثة أيام.