بدء محاكمة سو تشي في ميانمار

TT

بدء محاكمة سو تشي في ميانمار

بدأت أمس (الاثنين) محاكمة زعيمة ميانمار المعزولة، أون سان سو تشي، بينما يواصل القادة العسكريون تضييق الخناق على الاضطرابات التي تشهدها البلاد منذ قوع الانقلاب العسكري في فبراير (شباط) الماضي. وتمثل سو تشي (75 عاماً) أمام المحكمة بتهمة انتهاك قوانين فيروس كورونا أثناء حملتها في الانتخابات التي فازت بها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك لحيازتها أجهزة اتصال لاسلكية غير مرخصة. وهي تخضع حالياً للإقامة الجبرية. ويرى مراقبون، أن الجيش يهدف إلى إسكات سو تشي على المدى الطويل، حيث تواجه أحكاماً طويلة المدة. وقال أحد محاميها، خين مونغ زاو، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «المحكمة ستستمع إلى شهود الادعاء. لن تتحدث أونغ سا سو تشي اليوم». في محاكمة ثانية، ستمثل اعتباراً من اليوم (الثلاثاء) بتهمة إثارة الفتنة إلى جانب الرئيس السابق للجمهورية وين مينت. وتواجه أيضاً سو تشي الحائزة جائزة نوبل اتهامات أخرى أكثر خطورة، من بينها نية التحريض وخرق قانون الأسرار الرسمية واتهامات بقبول ما قيمته 600 ألف دولار و11.4 كيلوغرام من الذهب. وقالت ديبتي ستوتارد منسقة شبكة «آسيان البديلة» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن قائد المجلس العسكري «مينغ أونغ هلاينغ مصمم على سجنها لبقية حياتها... سنشهد إجراءً استعراضياً مدفوعاً فقط بأسباب سياسية». وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت يوم الجمعة، إن العنف يتصاعد وأدانت استخدام الجيش «المشين» للأسلحة الثقيلة. وقالت باشليت، إن المجلس العسكري لم يبد أي استعداد لتنفيذ اتفاق من خمس نقاط اتفق عليه مع رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) في أبريل (نيسان) لوقف العنف وبدء حوار مع خصومه. ورفضت وزارة الخارجية التي يقودها المجلس العسكري في ميانمار بيان باشليت وشككت في دقة التقرير وحياده. وقالت، إن «التقرير لم يذكر ولم يدن أعمال التخريب والإرهاب التي ترتكبها الجمعيات غير المشروعة والجماعات الإرهابية وكذلك معاناة قوات الأمن والقتلى في صفوفها». وتشهد ميانمار اضطرابات منذ استيلاء المجلس العسكري على السلطة في فبراير واحتجازه سو تشي وأعضاء بارزين آخرين في حزبها؛ مما أدى إلى اندلاع احتجاجات يومية واشتباكات بين القوات المسلحة وميليشيات مسلحة لأقليات عرقية. ووفقاً لتقديرات «جمعية مساعدة السجناء السياسيين» غير الربحية، فقد قُتل ما لا يقل عن 863 شخصاً في الاحتجاجات المتواصلة ضد المجلس العسكري في ميانمار، بالإضافة إلى اعتقال أكثر من 6000 آخرين. ولم يسمح للزعيمة السابقة بلقاء الفريق القانوني المكلف الدفاع عنها إلا مرتين. وفي كل مرة لم تتجاوز المدة نصف الساعة.
وقال خين مونغ زاو «نستعد للأسوأ»، مندداً باتهامات وصفها بأنها «منافية للمنطق» تمت فبركتها بهدف «استبعادها عن الساحة (السياسية) وتشويه صورتها». ويهدد الجنرالات بحل حزبها، وقالوا إنهم يريدون تنظيم انتخابات جديدة في غضون سنتين.
وأُفرج الاثنين عن الصحافي الأميركي المحتجز في منذ مارس (آذار) بعد إسقاط التهم الموجهة إليه، وفق ما صرح محاميه تين زار أو.
وقال المحامي لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه تم الإفراج عن نايثن ماونغ «صباح اليوم (أمس) من سجن انسين بعد أن سحبت الشرطة التهم الموجهة إليه». وسيعود إلى الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء).



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.