الراحل عبد العزيز الربيعي... عشق المتنبي وشغل الأدباء بسبب شاعر عراقي

لمع اسمه كمثقف سعودي تنويري منذ سبعة عقود

عبد العزيز الربيعي
عبد العزيز الربيعي
TT

الراحل عبد العزيز الربيعي... عشق المتنبي وشغل الأدباء بسبب شاعر عراقي

عبد العزيز الربيعي
عبد العزيز الربيعي

فقد الوسط الثقافي في السعودية، عبد العزيز عبد الله الربيعي، أحد الرموز الأدبية والثقافية في السعودية من جيل الرواد، الذي سجل اسمه في قائمة الأدباء والمفكرين السعوديين الذين قادوا في العقود الماضية حركة التنوير الثقافي، وظهروا بقوة في المشهد كقامات وطنية حققوا إنجازات لافتة تعدت محيطهم المحلي إلى العربي. وكل هذا حدث في ظل ظروف بالغة الصعوبة لعل أبسطها ضعف مصادر المعرفة، بل وانعدامها بالكلية، إلا من خلال الكتاب الذين كان يتطلب الحصول عليه أن يكون طالبه «سندباداً» يرحل إلى دول تؤلف، ودول تطبع، ودول تقرأ، ليجد ضالته، ويعود إلى وطنه ويدلف مكتبته مبتهجاً، غير عابئ أو مكترث بما صرفه من مال، ادخره للحصول على هذا الكنز الثمين الذي لا يساوي شيئاً إلا في بورصة القراءة.
لمع اسم عبد العزيز الربيعي، كقلم وطني قبل سبعة عقود، بعد أن وضع نفسه في الصفوف الأمامية في طابور طويل، يجمع الأدباء والمفكرين والكتّاب والمثقفين، وكان الزحام شديداً، والتدافع هو السائد للوصول لبوابة الدخول إلى عالم المعرفة بكل أبعادها. كانت المعارك تدور على أشدها، بأسلحة عتادها المعرفة، حاملين أقلامهم للوصول إلى دهاليز وساحات «صحافة الأفراد»، التي فتحت أبوابها لهم وتقديم طلبات الالتحاق ككتّاب فيها، وكان الشرط الوحيد لقبولهم كفاءاتهم الكتابية والثقافية.
معركة أحمد الصافي النجفي
مع رحيل عبد العزيز الربيعي ومواراته الثرى يوم أمس في مقبرة النسيم الرياض، فتحت صفحات ناصعة البياض حملت أسماء راحلين مروا على جادة الأدب والثقافة، كان من أبرزهم الربيعي نفسه الذي ولد في الزلفي وعاش في الغاط، وعمل في الفلاحة ثم تنقل في أعمال حكومية متعددة أغلبها في قطاع الزراعة والمياه، ثم التحق في الصحافة وأسس مجلة الجزيرة التي توارت ثم أصبحت جريدة وكتب في صحف ومجلات سعودية وعربية وختمت سيرته بالقول: «كان عاشقًا للمتنبي لدرجة أنه سمى أحد أبنائه (مُحسد) على اسم ابن المتنبي شاعر العربية الكبير».
قبل سنوات ست دلف الكاتب والمؤلف السعودي الدكتور عبد الله القفاري خزينة الأدب وفتحها بحثاً عن مجلة (الأديب) اللبنانية، تصفح المجلة على عجل واستوقفته دراسة نشرت قبل أكثر من نصف قرن، نسخ القفاري ما كتبته المجلة ونشرها للملأ في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2015، في جريدة (الرياض) السعودية، حيث كان أحد كتابها المتميزين، يقول القفاري: «لقد حاولت مع أصدقاء أعزاء أن يكتبوا أو يملوا شيئاً... فقد كان لديهم الكثير مما يمكن أن يشكل قراءة في سيرة مجتمع ووطن وإنسان... أو شهادة للتاريخ... إلا أن دعوتي تلك تأتي دوماً في الوقت الضائع... فلا أرى حماساً ولا رغبة... فقد كانوا في هزيع العمر الأخير... وشمسهم تؤذن بالمغيب».
هذه الدراسة كانت للربيعي، التي نشرها قبل 45 سنة، وتحديداً في مايو (أيار) 1970. في مجلة «الأديب» اللبنانية عن الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، تحت عنوان «أحمد الصافي النجفي متنبي هذا العصر». كان لتلك الدراسة وقع خاص لا من حيث رفع مكانة الشاعر الصافي النجفي إلى منزلة أبي الطيب المتنبي، ولكن أيضاً تداولاً وقراءة وتعليقاً إلى الحد الذي يصفه الشاعر النجفي نفسه، في رسالة خاصة للربيعي بأنها «أثارت إعجاب الأدباء فبادروا إلى نقلها في صحفهم، فبعد أن نقلتها مجلة «العرفان»، ها هي مجلة «الجديد» اللبنانية تعيد نشرها وكان إعجابهم بها كقطعة أدبية ودراسة تحليلية خالصة لوجه الفن والأدب...»، وأنه لم يتبقَ لديه منها إلا نسخة واحدة كان البعض يستنسخها حرصاً على قراءتها واقتنائها».
وأثارت هذه المقالة ضجة كبيرة، فها هو الدكتور محمد رجب البيومي يكتب مقالاً مطولاً في «الأديب» في عدد يونيو (حزيران) 1973بعنوان «فتى المروءة» يريد به الربيعي، وهي شهادة نبل ومروءة تجسدت في مواقف خبرها وعايشها للربيعي... إلا أنه لم يتنازل عن بعض رأيه في أبي الطيب المتنبي، وهو شاعر الربيعي الأول، الذي لا يرى في عالم الشعر العربي سواه...
بل ها هو يقتص من الربيعي... «لكننا نقول للأستاذ عبد العزيز يا أخي كيف جاز لك في أحاديثك أن تنكر مقارنة المتنبي بأبي العلاء وأبي تمام، والثلاثة قريب من قريب من قريب... ثم تقول في حديثك عن النجفي إن شعره يقف بثقة أمام شعر أبي الطيب... أنا لا أنكر أن الأستاذ أحمد الصافي النجفي شاعر كبير، وأنه فنان أصيل، وأن مقامه جهير في الشعر المعاصر! ولكني أنكر أن يقرنه عبد العزيز بأبي الطيب ثم يرفض أن يجعل المتنبي مقارناً لأمثال أبي تمام وأبي العلاء والبحتري والشريف؟ أهي مروءة الأدب قد بسطت أريحيتها الواسعة على النجفي في ساعة صفاء حتى لفته مع المتنبي في دثار واحد».
الربيعي المتطرف في عشقه لأبي الطيب، شكل أيضاً نموذجاً لجيل مختلف مهما بعدت به اهتماماته وانشغالاته في شؤون الحياة... بل إنه في ستينيات القرن الماضي ادخر جزءاً من دخله القليل ليسافر للقاهرة، بحثاً عن كتاب أو لقاء أديب، ومنهم صديقه عبد الله القصيمي على اختلاف في الرؤى وتباين في التوجه وخلاف لا يفسد بهجة اللقاء... ومن القاهرة رحل لبيروت فقط ليلتقي بالشاعر الصافي النجفي... حيث انعقدت بينهما صداقة لم يكن الأصل فيها سوى انجذابه لتلك الأيقونة النجفية، المليئة بالآلام والأحزان، الطافحة بالتشاؤم، المغموسة بالكآبة والتعاسة وبالحرمان والأسى والتشرد والشرود... كما يقول عنه الربيعي في دراسته.
في دارته بالملز، وجدت الأستاذ عبد العزيز الربيعي، رغم العقود الثمانية (حدث هذ قبل ست سنوات) التي يحملها على كتفيه، لم تعجزه عن استعادة ومضات تلك المرحلة بلغة وبريق وحضور جميل تنهك الأيام الجسد... إلا أن الحضور الذهني أسبغ على صوته الجهوري ولغته الحيوية الجميلة ألقاً من نوع آخر.
رحل عبد العزيز الربيعي، الذي ظل زاده طوال حياته في معركته مع المعرفة بيت أبي الطيب المتنبي:
أعز مكان في الدنا سرج سابح/ وخير جليس في الزمان كتاب



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).