مصر تعود مجدداً لمجلس الأمن في أزمة «سد النهضة»

اجتماع غير عادي لوزراء الخارجية العرب لبحث التطورات

TT

مصر تعود مجدداً لمجلس الأمن في أزمة «سد النهضة»

بعد عام تقريبا من جلسة سابقة لمجلس الأمن الدولي بشأن أزمة «سد النهضة» الإثيوبي، أعادت القاهرة مجدداً القضية إلى المنظمة الدولية، بعد أن وجه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة لشرح مستجدات الملف.
وقال بيان للخارجية المصرية، أمس، إن شكري وجه الخطاب مساء أول من أمس «انطلاقاً من مسؤولية المجلس وفق ميثاق الأمم المتحدة عن حفظ الأمن والسلم الدوليين، حيث يتضمن خطاب وزير الخارجية تسجيل اعتراض مصر على ما أعلنته إثيوبيا حول نيتها الاستمرار في ملء سد النهضة، خلال موسم الفيضان المقبل، والإعراب عن رفض مصر التام للنهج الإثيوبي، القائم على السعي لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب، من خلال إجراءات وخطوات أحادية، تعد مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق».
وكانت مصر قدمت في يونيو (حزيران) 2020 طلباً إلى مجلس الأمن، دعته فيه إلى «التدخل في أزمة السد»، وعُقدت بالفعل جلسة لمناقشة الطلب المصري، لكن دون أن تفضي إلى نتائج أو قرارات.
وقال السفير أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، إن خطاب شكري، الذي تم تعميمه كمستند رسمي لمجلس الأمن، «يكشف للمجتمع الدولي حقيقة المواقف الإثيوبية المتعنتة، التي أفشلت المساعي المبذولة على مدار الأشهر الماضية، من أجل التوصل لاتفاق عادل ومتوازن، وملزم قانوناً حول سد النهضة، وذلك في إطار المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي».
وتأتي تحركات القاهرة بعد أيام من بيان مشترك مصري - سوداني، تم التأكيد خلاله على «أهمية تنسيق جهود البلدين على الأصعدة الإقليمية والقارية والدولية، بهدف دفع إثيوبيا إلى التفاوض بجدية وحسن نية، وبإرادة سياسية حقيقية من أجل التوصل لاتفاق شامل وعادل، وملزم قانوناً حول ملء وتشغيل سد النهضة، بعد أن وصلت المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الإفريقي إلى طريق مسدود، بسبب التعنت الإثيوبي».
وأضاف حافظ أنه «تم كذلك إيداع ملف متكامل لدى مجلس الأمن حول قضية سد النهضة، ورؤية مصر إزاءها، ليكون بمثابة مرجع للمجتمع الدولي حول هذا الموضوع، ولتوثيق المواقف البناءة والمسؤولة، التي اتخذتها مصر على مدار عقد كامل من المفاوضات، ولإبراز مساعيها الخالصة للتوصل إلى اتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث، ويحفظ حقوقها».
في السياق ذاته، يعقد مجلس جامعة الدول العربية، على مستوى وزراء الخارجية، اجتماعا غير عادي في العاصمة القطرية الدوحة الثلاثاء المقبل، لبحث تطورات قضية «سد النهضة» الإثيوبي.
وقال السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، أمس، إن «الاجتماع غير العادي للمجلس يعقد بناءً على طلب من مصر والسودان، وعلى هامش الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب، المقرر عقده في الدوحة».
وتُصر إثيوبيا على ملء خزان السد، مع بدء موسم الأمطار في يوليو (تموز) المقبل، بصرف النظر عن إبرام أي اتفاق. فيما تخشى مصر والسودان على حصتيهما من مياه النيل. وتتهمان إثيوبيا بـ«(التعنت وإفشال المفاوضات)، التي جرت على مدار نحو 10 سنوات».
ولفت السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إلى «أهمية الاجتماع غير العادي لمجلس جامعة الدول العربية»، وقال إنه «لتنبيه الأطراف العربية بخطورة المشهد، وما يحمله من تهديدات تطال منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية، وذلك على الرغم من كل ما قدمته مصر والسودان من حلول ومقترحات، ومحاولات للتواصل دون جدوى مع الموقف الإثيوبي».
وأوضح حجازي لوكالة الأنباء المصرية الرسمية، أنه من المتوقع أن «يتم خلال الاجتماع المهم استعراض الاتصالات، التي قامت بها مصر والسودان مع الأشقاء الأفارقة، والجهود التي بذلت على الصعيد الدولي لحث المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته».
مضيفا أن «الاجتماع يأتي كذلك للتعريف بمجمل ما توصلت إليه مصر والسودان خلال المرحلة الماضية، وبمخاطر ترك هذا الإقليم الاستراتيجي، وهو شرق القارة، للتعنت الإثيوبي»، موضحا أن «عدم استقرار تلك المنطقة يمس أيضا بالأمن العربي في منطقة الخليج والبحر الأحمر، بحكم جوار منطقة شرق القارة والمضايق بخطوط الإمدادات النفطية والغازية، وحركة الأساطيل النفطية عبر مضيق باب المندب؛ مما يستدعي تعزيز الجهود المصرية والسودانية، واتصالاتهما بالأطراف العربية والدولية؛ للعمل من أجل احتواء هذا المشهد الذي يهدد المنطقة برمتها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».