«الرحلة»... ميريام فارس وولادة أمل على يد نجمة

اختارتها منصة «نتفليكس» لإنتاج {وثائقي} عنها

منصة نتفليكس تختار ميريام فارس أول نجمة عربية لعرض فيلم وثائقي عنها
منصة نتفليكس تختار ميريام فارس أول نجمة عربية لعرض فيلم وثائقي عنها
TT

«الرحلة»... ميريام فارس وولادة أمل على يد نجمة

منصة نتفليكس تختار ميريام فارس أول نجمة عربية لعرض فيلم وثائقي عنها
منصة نتفليكس تختار ميريام فارس أول نجمة عربية لعرض فيلم وثائقي عنها

تنسى وأنت تتابع فيلم «الرحلة - غدارة يا دنيا» للفنانة ميريام فارس بأنك تتابع مشاهد من حياة نجمة عربية. ولولا مظاهر الرفاهية الطاغية على أحداث الفيلم من أوله إلى نهايته، والواضحة معالمها من أقسام منزلها الشاسع وهندسته الداخلية المتقنة وأدواته الفخمة، لخيل إلى مشاهده أنّه يتابع قصة حياة امرأة عادية.
فالفنانة التي اختارتها شركة غوغل في عام 2011، سفيرة لها في منطقة الشرق الأوسط، رغبت هذه المرة في الابتعاد عن الأضواء والشهرة والالتزام بكادر المرأة البسيطة كغيرها من النساء. فتظهر من دون مساحيق تجميل وبأزياء عادية، كما نراها أماً بكل ما للكلمة من معنى بصحبة ابنها جايدن الذي تتمسك بأن تكون علاقتها به وطيدة، فتطهو له وتقلم أظافره وتواسيه وتعلمه أسرار الحياة، وأحياناً كثيرة تقصد إظهار كل الحب والحنان اللذين تغمرهما به، من خلال كلمات وتصرفات وقبلات ونظرات حب.
في هذا الوثائقي الذي يستغرق عرضه ما يفوق المائة دقيقة بقليل، تمسكت خلاله ميريام في أن تكون الأمومة عنوانه العريض. ونقلت لمشاهده خليطاً من مشاعرها كأم ومواطنة وفنانة وزوجة وصاحبة تجربة قاسية مع عدوى «كورونا». وفي المناسبة هي لم تكن فقط نجمته بل أيضاً معدته ومخرجته. وكما يقال بالإنجليزية الفيلم هو كناية عن عمل مصور على طريقة «هوم مايد» (شغل بيت). فتصويره تم بمساعدة زوجها داني وشقيقتها رولى، إضافة إلى ميريام نفسها التي تولت تصوير عدد من مشاهده شخصياً. لماذا يأخذ هذا الطابع؟ لأنّ تصويره كان خلال الجائحة، فرفضت الفنانة اللبنانية المخاطرة وكسر قواعد التباعد الاجتماعي، التي تطبقها في بيتها. ولكن ورغم كل إجراءات الوقاية التي اتخذتها أصيبت بعدوى «كوفيد - 19» لتخبرنا خلال الفيلم عن مأساتها معها.
ومنذ اللحظة الأولى لدوران كاميرا الفيلم الذي يروي تفاصيل حياتها خلال عام من العزلة القسرية، تطل ميريام كما لم نعرفها من قبل. هادئة رصينة يتشح وجهها بحزن دفين، ويخرج صوتها خافتا وكأنه ليس الذي عرفناه في «يا شوق» و«من عيوني» و«تلاح» وغيرها. وتبدأه قائلة: «سنة 2020 وضعتني أمام اختبارات كثيرة. حرمتني من الالتقاء بالناس الذين أحب، وسرقت مني حريتي، وكل الحماس الذي يغمرني عندما أقف على المسرح». وبعدها تتوقف فارس عند حصول أول حالة كورونا في لبنان، وتعرج خلال حديثها على تجربتها مع الإجهاض عندما خسرت جنينها الثاني. ولا تتوانى فارس عن وصف تجربتها هذه بالقاسية، إذ شعرت بالاكتئاب وفقدت حب الحياة والحلم والطموح والفن، وكأنها أصيبت بشلل تام. «كل عمري أفصل بين حياتي الشخصية وعملي، ولكن الذي حصل معي حطمني. وأصبح هاجسي هو شفائي العاجل، وهذا الشيء استغرق مني 4 سنوات. وأتمنى أن يأتي اليوم الذي أتصالح فيه مع هذه الفترة من حياتي».
وفي عرضها لأشهر حملها التسعة بمولودها الثاني تحاول ميريام استخدامها كفترة علاج لتشفى من جروحها. يصل المشاهد إلى الشهر الأخير، وكأنه موعد الفرج وعودة الحياة إلى طبيعتها، وهو بالفعل ما توضحه ميريام في سياق العمل.
موضوعات مختلفة تتطرق إليها ميريام فارس في الفيلم، محاولة من خلالها أن تحمل الرسائل التوعوية اللازمة للمرأة. فتتطرق إلى جملة من بينها ما يأخذ الطابع الشخصي والوطني والسياسي والبيئي والتربوي وغيرها. فاختيارها من قبل منصة نتفليكس، كأول فنانة عربية ينتج فيلم وثائقي عنها، كان بمثابة إعادة حسابات لميريام. فاستعرضت شريط حياتها في فترة زمنية معينة، واستخرجت منها العبر كي توصلها إلى مشاهديها لا سيما النساء منهم.
انتقادات كثيرة طالت فيلم «الرحلة» (The journey) لميريام فارس، وبينها ما تطرق إلى فراغه من المحتوى الجيد. فيما انصبت غالبية الانتقادات على أسلوب حياة مرفهة تعيشه، لم يكن من الضروري أن تضعه تحت الضوء والمبالغة في تبيانه.
ولكن ترى فارس أنّ فيلمها يحقق النجاح تلو الآخر، ويحتل المراكز الأولى بنسب مشاهدته في لبنان والأردن والسعودية والمغرب العربي، منذ إطلاقه على المنصة في 3 يونيو (حزيران) الجاري، وهو ما يواسيها. فكلام الناس الجارح تجاه أي فنان هو أمر طبيعي برأيها. ولكن في المقابل هناك دائماً الشريحة التي تبدي إعجابها بالفنان، وتتمثل بتصرفاته وتعشق أغانيه، فيصبح جزءاً من يومياتها.
وتعلق: «في النهاية لا يوجد شيء كامل بلا هفوات أو غلطات».
وربما رغبت ميريام من خلال إظهار حياتها المرفهة أسوة بغيرها من النجوم العرب والغربيين، أن تؤكد أنّ الحياة يمكنها أن تقسو على أي شخص مهما علا شأنه، وحقق النجاحات. فهي لا تفرق بين عامل بسيط ونجم مشهور، وعندما تنزل ضرباتها عليه تتحول الدنيا إلى غدارة، تماماً كعنوان الأغنية التي قدمتها في ألبومها الجديد وفي هذا الفيلم. فكل هذه الرفاهية التي تعيشها لا تساوي غمرة حنان لابنها جايدن، وابتسامة بريئة على ثغر مولودها الجديد دايف، كما تلمّح ضمن أحاديثها في الفيلم.
كان يمكن للفيلم أن يحمل عنوان «ولادة الأمل»، لأنّ نهايته تحمل على التفاؤل وعودة ميريام فارس إلى حياتها الطبيعية بعد أن رزقت بمولودها الجديد دايف. فكل العذاب والمعاناة التي يتابعها المشاهد، تختتمه الفنانة اللبنانية بحفنة من الفرح والأمل. وهي أيضاً واحدة من رسائلها المباشرة لمشاهدها، إذ تشدد على ضرورة التحلي بالأمل في كل المصاعب التي نواجهها في حياتنا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».