أبوظبي تدفع وتيرة الصناعات الثقافية والإبداعية عبر إطلاق استراتيجية جديدة

المبارك لـ «الشرق الأوسط» : ضخ استثمارات بـ 8.1 مليار دولار و5 ركائز أساسية لتسريع النمو

متحف «اللوفر أبوظبي»
متحف «اللوفر أبوظبي»
TT

أبوظبي تدفع وتيرة الصناعات الثقافية والإبداعية عبر إطلاق استراتيجية جديدة

متحف «اللوفر أبوظبي»
متحف «اللوفر أبوظبي»

قالت حكومة أبوظبي، إنها تسعى لتسريع وتيرة نمو الصناعات الثقافية والإبداعية من خلال استراتيجية استثمارية تتجاوز قيمتها 30 مليار درهم (8.1 مليار دولار)، حيث ستتولى دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي الإشراف على جميع التخصصات المنضوية تحت القطاع لتعزز مكانتها الرائدة في هذا المجال.
وأوضحت، أن الصناعات الثقافية والإبداعية تعتبر من المحفزات الرئيسية للنمو والتنوع الاقتصادي والاجتماعي في أبوظبي، كما تعد هذه الصناعات أحد أسرع القطاعات نمواً في العالم، حيث تدرّ إيرادات عالمية تقدر بنحو 2.250 مليار دولار سنوياً، وتوفر 30 مليون وظيفة، بحسب ما نقلته الدائرة، والتي توقعت أن تصل مساهمة الصناعات إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وقالت «أبوظبي»، إنها بذلت استثمارات استراتيجية كبيرة لتأسيس صناعات ثقافية وإبداعية مزدهرة، وتتجاوز القيمة الإجمالية للاستثمارات المخطط لها في هذا القطاع 30 مليار درهم (8.1 مليار دولار). وتم خلال السنوات الخمس الأخيرة أيضاً تخصيص 8.5 مليار درهم (2.3 مليار دولار) لدعم القطاع في الإمارة، بالإضافة إلى مبادرات البنية التحتية غير المادية، مثل برنامج التأشيرة الإبداعية الذي تم الإعلان عنه في وقت سابق من العام الحالي.
ومن المتوقع تخصيص استثمار إضافي بقيمة 22 مليار درهم (5.9 مليار دولار) للقطاع خلال السنوات الخمس المقبلة؛ سعياً إلى دعم وتطوير المؤسسات الثقافية وبخاصة المتاحف الجديدة.
وتجمع «دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي» جميع الصناعات الثقافية والإبداعية تحت مظلة واحدة من خلال إضافة قطاعات جديدة إلى قائمة صلاحياتها مثل الأفلام والتلفزيون، والألعاب والرياضة الإلكترونية، إلى القطاعات الحالية، وهي التراث، والحرف اليدوية والتصميم، والنشر، وفنون الأداء، والفنون التشكيلية، بما يضمن تحقيق التآزر بين المجالات كافة الرئيسية الخاصة بهذه الصناعات.
ومع تولي الدائرة الإشراف على الصناعات الإبداعية والثقافية ومواصلة الاستثمار فيها، سيواصل القطاع نموه المتسارع بما يدعم خلق منظومة إبداعية موحدة عبر القطاعين العام والخاص.
وقال محمد المبارك، رئيس «دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي»، «تسعى استراتيجية الصناعات الثقافية والإبداعية - التي أطلقتها دائرة الثقافة والسياحة في عام 2019 - إلى ترسيخ مكانة أبوظبي بوصفها مركزاً ثقافياً وإبداعياً يستقطب ويحتضن ويدعم الأفراد الموهوبين والشركات الإبداعية، ليسهم في تسريع مسار الإمارة نحو تحقيق طموحها بأن تصبح مركزاً إقليمياً رائداً في إنتاج وتصدير المحتوى الثقافي والإبداعي».

تأثر القطاع بجائحة «كورونا»
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» وبما أن قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية من أكثر القطاعات تأثراً بجائحة «كوفيد - 19»، قال المبارك «تأثرت الصناعات الثقافية والإبداعية في جميع أنحاء العالم بالتداعيات المستمرة لجائحة (كوفيد – 19)، وأطلقنا مجموعة من المبادرات الناجحة للتخفيف من هذه التداعيات في عام 2020، وتساهم استراتيجية واستثمارات الصناعات الثقافية والإبداعية بتعميق أسس هذا القطاع في المنطقة لضمان نمو مستدام له على المدى الطويل».
وأضاف «تتمتع الصناعات الثقافية والإبداعية بمستوى عالٍ من المرونة والقدرة على التكيف مع تقديم منتجات وخدمات عالية القيمة على يد خبراء مبدعين. وبينما نتعافى جميعاً من تأثير الجائحة العالمية، يشكّل هذا القطاع مكوناً حيوياً لتحفيز التنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة والابتكار في أبوظبي».

أبرز المجالات
وعن أبرز المجالات التي سيتم فيها ضخ الاستثمار، أوضح رئيس «دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي»، «أنه تم تطوير استراتيجية الصناعات الثقافية والإبداعية في أبوظبي بالتعاون مع شركائنا الرئيسيين في القطاع الحكومي. وتقوم هذه الاستراتيجية على خمس ركائز أساسية لتحقيق التآزر وتسريع وتيرة نمو هذه الصناعات، وتتمثل هذه الركائز في تصميم وتنفيذ السياسات والأنظمة، وتمكين تنمية وصقل المواهب – المحلية والعالمية من المقيمين في الإمارة، وحفز الابتكار والرقمنة، ودعم الأعمال، وجودة الحياة من خلال إنشاء بيئة توفر الرفاهية والحيوية لأفراد المجتمع. ومن هنا تنبثق أهمية استثمار أبوظبي المستمر في المجالات الرئيسية لقطاع الصناعات الثقافية والإبداعية».
وزاد «على مدار السنوات الخمس الماضية، خصصت أبوظبي 8.5 مليار درهم (2.3 مليار دولار) للاستثمار في مشاريع فريدة تجعل منها مركزاً إقليمياً رائداً لقطاع الصناعات الثقافية والإبداعية، بما في ذلك المشاريع الرئيسية مثل (المنطقة الإبداعية في ياس) ومشاريع المنطقة الثقافية في السعديات، بالإضافة إلى مبادرات البنية التحتية غير المادية، مثل برنامج التأشيرة الإبداعية الذي يهدف إلى اجتذاب أصحاب المواهب الإبداعية من جميع أنحاء العالم».
وتابع «تخطط أبوظبي كذلك لاستثمار 22 مليار درهم (5.9 مليار دولار) إضافية خلال السنوات الخمس المقبلة ليصل بذلك مجموع استثماراتها في القطاع إلى 30.5 مليار درهم (8.3 مليار دولار)؛ الأمر الذي يكشف مدى أهمية هذا القطاع لاستراتيجية التنمية في الإمارة».
ولفت إلى أن هذه الاستثمارات ستتوزع بين قطاع الثقافة، حيث سيذهب قسم كبير منها لتطوير وتشغيل مؤسسات ثقافية كبرى مثل متحف زايد الوطني ومتحف جوجنهايم أبوظبي وغيرهما من المتاحف الأخرى قيد التطوير والصناعات الإبداعية، مشيراً إلى أنه من خلال الاستثمار في مجالات جديدة ومبتكرة مثل تطوير الوسائط المتعددة وألعاب الفيديو، سنعمل على زيادة حصة أبوظبي في هذه الصناعات العالمية الكبرى وإحداث تأثير كبير فيها.

العوامل الداعمة
وقال المبارك، إن الانتقال من النموذج التقليدي القائم على سلسلة القيمة إلى نموذج آخر يحقق القيمة من شبكة موحدة للصناعات الثقافية والإبداعية، يتوقف نجاح استراتيجية على مدى التعاون بين جميع المؤسسات المعنية في أبوظبي. وقال «قد كان لتعاوننا دور كبير في نجاح هذا القطاع وتحقيق أهدافنا المشتركة حتى الآن». وتابع «يساهم توحيد الصناعات الثقافية والإبداعية في الإمارة تحت مظلة( دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي) في تعزيز دورنا كمحرك أساسي لهذا القطاع مع تبني رؤية واستراتيجية تتكاملان معاً ضمن إطار منظومة موحدة، حيث ويساهم الإشراف على المجالات المترابطة في مجالات الثقافة والوسائط المتعددة والإنتاج السينمائي والألعاب والرياضات الإلكترونية في تعزيز قدرتنا على تبسيط عملياتنا، وتحقيق التآزر، وتسهيل بناء الشراكات الجديدة، وخلق بيئة تضمن نمو وازدهار قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية بكامله».

توجهات قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية
وأكد أنه بدا واضحاً خلال العام الماضي على وجه الخصوص، وعبر العديد من الأسواق العالمية، أن قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية كان يفتقر إلى السياسات التنظيمية الكافية لاستدامته؛ الأمر الذي فرض تحديات حقيقية على العديد من المؤسسات الكبرى لناحية الحفاظ على مستويات مستدامة من التمويل. وقال «أفخر بالقول إننا في أبوظبي ندرك مدى أهمية هذه الصناعات، ونلتزم بتوفير الدعم الاقتصادي والتنظيمي الذي تحتاجه لتحقيق النمو». وتطرق إلى أن التحول الرقمي يعتبر أيضاً من التحولات المهمة الأخرى في القطاع، حيث اضطرت العديد من المؤسسات إلى إغلاق مساحاتها المادية في عام 2020، كان واضحاً أن العديد منها لم يكن قادراً على مواكبة سرعة التغيير. وقال «من دون الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا، تواجه الصناعات الثقافية والإبداعية خطر فقدان التواصل مع الأجيال الشابة؛ وهذا ما ركزت عليه دائرة الثقافة والسياحة بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، واليوم تحديداً أكثر من أي وقت مضى». وزاد «أخيراً، كان هناك تركيز استراتيجي متزايد عبر قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية عالمياً لرعاية المواهب الإبداعية – سواء من المتمرسين أو الجدد - وتمكينهم من الوصول إلى الخبراء المهرة في مجالاتهم. ونحن نبذل ما بوسعنا لضمان أن تكون المواهب الإبداعية والثقافية المتاحة للمشاريع والشركات والمؤسسات أفضل من أي مكان آخر في العالم، بما في ذلك المراكز الثقافية التقليدية».

انعكاس الاستراتيجية على اقتصاد أبوظبي
وأوضح المبارك، أن قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية أحد أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً في العالم، ويحقق إيرادات سنوية قدرها 2.25 مليار دولار، ويوفر 30 مليون فرصة عمل. وبالتالي، فإنه يلعب دوراً بالغ الأهمية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وقال «باستحواذنا على حصة أكبر من هذه السوق عبر استراتيجيتنا الفعالة لهذا القطاع، يمكننا إحداث تأثير كبير على اقتصاد أبوظبي؛ سواء من حيث الحجم المالي أو عبر تنويع الأنشطة الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، سنوفر آلاف فرص العمل التي تنطوي على تأثير غير مباشر، مما يضاعف حجم المساهمة المباشرة للقطاع نتيجة زيادة عدد المهنيين والعائلات المستقرة في الإمارة».
وأشار إلى أن تنمية المواهب جزء مهم من استراتيجيتنا لقطاع الصناعات الإبداعية والثقافية، والتي تنطوي على رعاية المواهب المحلية وجذب المواهب العالمية المتميزة إلى أبوظبي، موضحاً أن أبوظبي تقدم اليوم الدعم لأكثر من 20 ألف وظيفة في المجالين الثقافي والإبداعي. وتوقع ارتفاعاً كبيراً في ذلك العدد خلال السنوات المقبلة، وتتميز هذه الوظائف عدا عن كونها فرص عمل بأنها مهن مستدامة طويلة الأجل تتيح لممارسيها فرص التطور والنمو والمعيشة الجيدة في أبوظبي لسنوات عديدة وحتى لعقود.
وأكد، تسمح اليوم التأشيرة الإبداعية للعاملين في مجموعة واسعة من المهن الثقافية والإبداعية - بدءاً من علماء الآثار وحتى مصممي ألعاب الفيديو بالعيش والعمل في البلاد، عبر تسهيل إجراءات التقديم وتسريعها وخفض تكلفتها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».