طهران تهيمن على الحياة السياسية والعسكرية في بغداد

بسبب الهيكلة الطائفية في العراق.. وتجاهل أوباما «جرائم حرب» كوكبة الميليشيات الشيعية

طهران تهيمن على الحياة السياسية والعسكرية في بغداد
TT

طهران تهيمن على الحياة السياسية والعسكرية في بغداد

طهران تهيمن على الحياة السياسية والعسكرية في بغداد

في حين تتركّز أنظار العالم على الفظائع التي يرتكبها «داعش» حيثما حل، من العراق وسوريا إلى ليبيا، فإن الخطر الكبير الذي تشكله الميليشيات الشيعية في العراق والدول المجاورة، وبالذات تلك المرتبطة مباشرة بإيران، لا يحظى بأي اهتمام ملحوظ. وبينما، تبدي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تحمسًا واضحًا لضرب «داعش» والتنظيمات السنّية المتطرّفة، فإن حرص البيت الأبيض على التقارب مع سلطات طهران، أتاح المجال للأخيرة استغلال الوضع لتعزيز قبضتها الميدانية على العراق وسوريا وغيرهما من دول المنطقة. ولكن، أي خطوات فعالة لضرب «داعش»، وفي مقدّمتها الإعداد لتحرير مدينة الموصل - كبرى مدن شمال العراق - من قبضتها، لا بد أن يسهم فيها المقاتلون السنّة. ولن يكون متيسرًا الرهان على هؤلاء، طالما واصل المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، غض النظر عن تجاوزات الميليشيات الشيعية العراقية والتزامها التام بأوامر قيادة الحرس الثوري الإيراني.

مع ظهور «داعش» في العراق، وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقف متناقض ومزدوج في آن؛ إذ اضطرت إلى الدخول في حرب إلى جانب أحد ألد أعدائها، أي الدولة الإيرانية والميليشيات الشيعية التابعة لإيران التي اتهمت أخيرًا بارتكاب عدد من الجرائم الطائفية. ومع ضربات التحالف الجوية باتت الولايات المتحدة تؤمِّن، ولو بشكل غير مباشر، الغطاء الجوي ليس لحكومة بغداد فحسب، بل أيضا للميليشيات العراقية التي ترتكب شتى انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق عدة من العراق.
الرئيس الأميركي باراك أوباما ومجلس الأمن القومي الأميركي غضّا الطرف لفترة طويلة عن الأزمة العراقية المتطاولة والآخذة بالتفاقم يومًا بعد يوم، متجاهلين تقارير لا تعد ولا تحصى عن عمليات التعذيب والتطهير العرقي التي كانت ترتكب على يد بعض الميليشيات الشيعية. ولقد واصلت إدارة أوباما بيع الأسلحة، التي قُدِّرت قيمتها بملايين الدولارات، للسلطات العراقية على الرغم من السياسات الطائفية والتقسيمية التي اتبعها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ومساندته للميليشيات التي تدعمها إيران.
وتضم الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيًا بعض أبرز الأسماء الفاعلة والمؤثرة، منها على سبيل المثال هادي العامري الذي يقود منظمة «بدر»، في حين يتولى أبو مهدي المهندس الذي يُعتقد أنه العقل المدبر وراء تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في الكويت عام 1980، قيادة ميليشيا كتائب «حزب الله»، ويترأس قيس الخزعلي ميليشيا «عصائب أهل الحق».
من ناحية ثانية، تبرز مجموعة أخرى تطلق على نفسها تسمية «سرايا السلام»، وهي ميليشيا لا تدعمها إيران بل تتبع السيد مقتدى الصدر، الذي قاتل إلى جانب العشائر السنّية بما في ذلك قبيلة البو نمر. ويشير ريناد منصور، الخبير المتخصص في الشؤون العراقية، في «وقفية كارنيغي للسلام الدولي»، في حديث مع صحيفة «الشرق الأوسط»، إلى «أن الصدر عارض سياسات (عصائب أهل الحق)، التي انبثقت عن تنظيم (جيش المهدي) الذي كان الصدر قد أسّسه قبل بضع سنوات». واتهم الصدر بعض العناصر الراديكالية التي انفصلت عن منظمته السابقة بارتكاب جرائم القتل الطائفية، كما عزا إليها ارتكاب أعمال التعذيب في عام 2006».
ومما لا شك فيه أن كوكبة الميليشيات المدعومة من إيران تلغي دور المؤسسات العراقية الرسمية وتزيلها عن الواجهة، ذلك أنها تنسق عملياتها مع «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني. وللعلم، فإن «فيلق القدس» هو عبارة عن وحدة قوات خاصة إيرانية تعمل خارج حدود الجمهورية الإسلامية. وقد تولى قائدها الجنرال قاسم سليماني بنفسه إدارة العمليات على خطوط المواجهات الأمامية مُعيدًا بذلك إنعاش تحالفات قديمة، مع الحرص في الوقت نفسه على إنشاء فروع وموالين جدد له. وبالتالي، تمكن النفوذ الإيراني من ملء الفراغ الذي خلفه نهج النأي بالنفس العسكري والدبلوماسي الذي اتبعته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في العراق.
وهنا يقول سنان عدنان، الخبير المتخصص في الشؤون العراقية بمعهد «دراسة الحرب»، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن «سياسة الولايات المتحدة تجاه دور الميليشيات الشيعية لا تزال مبهمة، ونلاحظ كثيرا من الغموض في تصريحات المسؤولين الأميركيين، وليس ثمة سياسة واضحة حتى الآن اتجاه الميليشيات المدعومة من إيران، بل حين سئل أحد المسؤولين الأميركيين عن دور الميليشيات الشيعية، أخيرًا، اكتفى بالرد أنه لا بد من النظر فيها ودمجها مع قوات الأمن بلا توضيح آخر».
راهنًا، يعمل قادة الميليشيات الشيعية خارج سيطرة الحكومة العراقية. وفي هذا السياق يشير عدنان إلى أن وزير الدفاع ورئيس الوزراء لا يتغاضيان كليًا وفعليًا عن الدور الطائفي للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران التي تشنّ هجمات كبرى ضد «داعش» وتؤدي إلى خسارة التنظيم لأراض مهمة. «فالميليشيات المدعومة من إيران نفّذت عمليات بالتعاون مع قوات الأمن العراقية على مستويات محلية، إنما لا نرى هذا التعاون والتنسيق على مستويات عليا مثل وزارة الدفاع». وفق عدنان.
ولكن على الرغم من ذلك، بات كثير من الشخصيات الرئيسية من هذه الميليشيات جزءًا من هيكلية السلطة في بغداد. فالحكيم الزميلي على سبيل المثال، قائد ميليشيا مدعومة من إيران ومتهم بقيادة «فرق الموت» حين كان نائبًا لوزير الصحة في حكومة المالكي، بات اليوم رئيس لجنة الأمن في البرلمان العراقي. ومحمد الغبان، نائب بارز للعامري في «منظمة بدر» المتهمة بارتكاب جرائم طائفية، هو اليوم وزير الداخلية، وهذا واقع يضمن لإيران إشرافًا دقيقًا على الشؤون الداخلية العراقية.
أضف إلى ما سبق أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، بما في ذلك «منظمة بدر» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» تشكل اليوم خطرًا كبيرًا على «سيادة» دولة العراق، كونها لا تستجيب لا للحكومة العراقية ولا للمرجعيات الشيعية العراقية مثل آية الله العظمى علي السيستاني، بل تعتبر أن قائدها الأعلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي. أيضا يشرح عدنان، الذي يشدِّد، في الوقت نفسه، على ضرورة التفريق بين الجماعات الموالية كليًا لإيران والجماعات الأكثر قومية، مثل «سرايا السلام»، والمتطوعين الذين لبّوا نداء آية الله السيستاني؛ أهم مرجعية شيعية في العراق، عندما أصبح واضحا أن تنظيم «داعش» بات تهديدًا وجوديًا للحكومة العراقية الخاضعة للهيمنة الشيعية. ولقد لجأ آية الله السيستاني حينئذٍ لإصدار فتوى دينية تدعو جميع الرجال القادرين على العمل لحمل السلاح للدفاع عن الدولة.
أما اليوم، وبعد سنوات من الإهمال، فيواجه المجتمع الدولي بشكل عام والحكومة العراقية بشكل خاص، مهمة قد تبدو مستحيلة، تتجسّد في تهدئة الوضع وإعادة توحيد البلاد التي انهارت فيها مقوّمات الدولة الصلبة القوية؛ إذ غدا تنظيم «داعش»، كما الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، من اللاعبين الأساسيين الذين يهدّدون بشكل جدي مستقبل العراق. ويشير منصور إلى أنه «عندما تحدثت مع رئيس الوزراء حيدر العبادي عندما كان نائبا، قال لي إنه يعرف جيدا أن عاملا أساسيا للعملية الديمقراطية هو وضع حد لهذه الميليشيات».
اليوم يسير العراق بخطى كبيرة، ويومًا بعد يوم، على المسار الذي فرض على لبنان، حيث يهيمن «وكيل إيران اللبناني» (حزب الله) على الحياة السياسية في البلاد. والفارق الوحيد بين وضعي البلدين أنه مع موارد العراق الشاسعة، تبقى الميليشيات العراقية متعددة وبالطبع أغنى بكثير من نسخة «حزب الله» اللبناني، الذي تحوّل إلى منظمة إقليمية تقود، كما يُقال، العمليات في سوريا المجاورة.
أمر آخر جدير بالاهتمام، هو أن هذا التهديد الذي تشكله الميليشيات الشيعية لا يخلو من الخطر على سياسة الولايات المتحدة. ولذا يرى عدنان أن على الولايات المتحدة أن تعتمد نهجًا واضحًا ومتماسكًا إزاء هذه المسألة. فاليوم الذي يُطرد فيه تنظيم «داعش» من العراق هو اليوم نفسه الذي سيشهد صراعًا دمويًا آخر نظرًا إلى ميل هذه الميليشيات إلى التطهير العرقي وعمليات الإعدام الطائفية الجماعية، مما يعني دخول البلاد في نفق مظلم آخر من الصراعات الطائفية التي لا نهاية له. وبعد وضع حد لتنظيم «داعش»، من الأرجح أن تستمر الميليشيات الشيعية بما تقوم به حاليًا، أي أنه سينشأ «حزب الله» جديد بنسخة عراقية مستقبلاً، وفق عدنان.
بناءً على ما سبق، لا بد من التوصل إلى حل سريع قبل الهجوم المرتقب على الموصل خلال الربيع أو الصيف القادمين. وهو حل من الضروري أن تسبقه إجراءات تعيد ثقة زعماء القبائل السنّيّة بالحكومة العراقية لضمان تعاونهم معها.
ويختتم منصور كلامه بالقول: «أخيرا تبقى الخطوة المهمة المتعلقة في إنشاء حرس وطني، يُكلف معه المواطنون المحليون بأمن مدنهم (أي حرس سنّة في المناطق السنّيّة وحرس شيعة في المناطق الشيعية)، علما أن الحكومة العراقية وافقت على هذا القانون الذي ما زال من المنتظر أن يصوت عليه البرلمان، وهذا أمر لا بد أن يحدث قبل الهجوم المرتقب على الموصل».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».