الرئيس التونسي يتهم الحكومة بـ«التستر على المفسدين»

الرئيس قيس سعيّد خلال استقباله المديرة العامة للـ«يونيسكو» أودري أزولاي في القصر الرئاسي بتونس أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيّد خلال استقباله المديرة العامة للـ«يونيسكو» أودري أزولاي في القصر الرئاسي بتونس أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

الرئيس التونسي يتهم الحكومة بـ«التستر على المفسدين»

الرئيس قيس سعيّد خلال استقباله المديرة العامة للـ«يونيسكو» أودري أزولاي في القصر الرئاسي بتونس أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيّد خلال استقباله المديرة العامة للـ«يونيسكو» أودري أزولاي في القصر الرئاسي بتونس أول من أمس (أ.ف.ب)

خلّفت إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد في تونس جدلاً سياسياً وقانونياً حاداً، سرعان ما تحول إلى محاسبة لحكومة هشام المشيشي، وتوجيه اتهامات لها بدعم الفساد والسكوت عنه، من خلال تعيين «شخص مشبوه» في هذا المنصب الحساس.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد أول من هاجم الحكومة بعد أن استقبل عماد بورخيص، رئيس هيئة مكافحة الفساد المقال، وقال إن قرار الإعفاء «كان متوقعاً»، خاصة بعد اطلاعه على الصعوبات التي صادفت بورخيص، وعلى الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إقالته، مضيفاً أن إعفاء بورخيص جاء «لأنه أثار العديد من القضايا، وقدم مجموعة من الأدلة ضد أشخاص، من بينهم وزراء تم رفض أدائهم اليمين الدستورية، ومن تعلقت بهم قضايا فساد، وهناك من له قضية أمام القطب القضائي المالي». في إشارة صريحة إلى بعض الوزراء، الذين شملهم التعديل الوزاري، الذي أقره المشيشي، والذين اتهمهم سعيّد بالفساد.
وتابع الرئيس سعيّد في معرض حديثه عن الاتهامات التي وجهها لبعض الأشخاص بقوله «هناك بعض المتهمين بقضايا فساد مالي، رغم أن القضايا لم ترفع ضدهم. لكن حسب الوثائق المتوفرة فإنهم متورطون، أو يتخفون وراء بعض الأشخاص... ثم يتحدثون بعد ذلك عن مقاومة الفساد». مؤكداً أن «هناك جوانب قانونية لم يتم احترامها في قرار إقالة بورخيص».
ومن شأن هذا الموقف الرئاسي «الغاضب» أن يقضي، حسب مراقبين، على أي أمل لجلوس الرؤساء الثلاثة إلى طاولة الحوار؛ بهدف حل الأزمة السياسية والدستورية المستفحلة منذ أشهر في تونس.
بدوره، انتقد «الاتحاد العام التونسي للشغل» قرار الحكومة، واعتبر هذه الإقالة «إزاحة دون تبرير، ولا يمكن أن تكون إلا خضوعاً للضغوط»، مؤكداً أن «اللوبيات هي من تتحكم في كل شيء في تونس»، على حد تعبيره.
من جانبه، أعرب زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب، عن إدانته الشديدة لـ«استمرار رئاسة الحكومة في سياسة التسميات، القائمة على المحاباة والزبونية في مواقع حساسة بمختلف هياكل الدولة... وآخرها الإقالة المفاجئة لرئيس هيئة مكافحة الفساد وتسمية بديل له، دون مصارحة الرأي العام الوطني بمسوغات هذه الإقالة».
أما بدر الدين القمودي، رئيس لجنة مكافحة الفساد والإصلاح الإداري في البرلمان، فقد اعتبر أن «فتح بورخيص ملفات فساد من الحجم الثقيل، ورفضه الخضوع للضغوط كانا وراء إقالته»، مؤكداً أن «لجنة الأملاك المصادرة»، التي ترأسها طيلة الفترة الماضية علي بن طالب، الرئيس الجديد لهيئة مكافحة الفساد، «لم تقم بعملها كما يجب في إدارة ملف بأهمية ملف الأملاك المصادرة». وقال بهذا الخصوص، إن الإرادة السياسية «غير متوفّرة بعد في تونس لمحاربة الفساد، الذي بات أقوى من الدولة؛ نظراً لحمايته من قبل السلطة السياسية والطبقة الحاكمة في تونس».
من جهتها، انتقدت منظمة «أنا يقظ» (حقوقية مستقلة)، قرار تعيين رئيس الحكومة للقاضي عماد بن الطالب علي على رأس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، خلفاً لبورخيص، واصفة هذا التعيين بـ«المشبوه»، ومذكرة بأنها سبق أن رفعت دعوى قضائية ضد بن الطالب علي سنة 2020 بتهمة «الإضرار بالإدارة، والتستر على مجموعة من التجاوزات، وخرق الإجراءات»، و«خدمة مصالح أحد رجال الأعمال، من خلال التدخل لفائدته، ومحاولة إرجاع الممتلكات المصادرة، رغم صدور أحكام قضائية باتة تقضي بملكية الدولة التونسيّة لها».
واتهمت المنظمة رئيس الحكومة بـ«تعيين أصحاب الشبهات في مناصب حساسة في الدولة، خدمة لمصلحته الشخصية أو لمصالح غيره»، على حد تقديرها. معتبرة أن علاقة القرابة التي تجمع بن الطالب علي بوزير الداخلية المقترح والكاتب العام الحالي للحكومة «من شأنها أن تفتح باب تضارب المصالح بينهما، وتؤكد محاولة السطو على هذه الهيئة والتحكم في قراراتها».
وتتمثل المهمة الرئيسية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي أحدثت في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، في دراسة ملفات الشكاوى والفساد، والتأكد منها قبل إحالتها إلى المحاكم، وهي هيئة وقتية سيتم تعويضها بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، التي تعد هيئة دستورية مستقلة، صدر قانونها سنة 2017، لكن لم يتم إلى حد الآن إحداثها بسبب خلافات داخل البرلمان.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.