30 سنة سجناً لإيناس مدني المتهمة بمحاولة تفجير قرب «نوتردام»

في ليل الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، ألقى أفراد من المخابرات الداخلية وقوة التدخل السريع القبض على 5 نساء في مدينة بيزييه (جنوب فرنسا) هن أمّ وبناتها الأربع؛ بينهن فتاة قاصر. وخلال عملية دهم الشقة التي يسكنّها، عثرت القوة الأمنية على العديد من العناصر المادية التي تؤشر لوجود نية لعمل عنيف؛ بينها سيف ورشاش كلاشنيكوف ومواد لتصنيع المتفجرات وصواعق تفجير من بعد.
وتحوم شبهة التطرف والراديكالية حول البنت الكبرى لهذه العائلة التي يظن أنها كانت تحضر لاعتداء إرهابي يرجح أن يكون كنائس في مدينة مونبلييه الساحلية القريبة وغيرها في المقاطعة. كانت هذه الشابة تشاهد أفلام فيديو من إنتاج تنظيم «داعش»، كما أن العائلة معروفة بتوجهاتها الإسلاموية الراديكالية المتشددة. ووقتها، سارعت النيابة العامة المختصة بشؤون الإرهاب إلى فتح تحقيق أولي بتهم «تجمع وتشكيل عصابة إرهابية» و«حيازة وتصنيع متفجرات ذات علاقة بمشروع إرهابي».
وسريعاً جرى نقل النساء الأربع إلى باريس لاستجوابهن، فيما أُبقيت القاصر في بيتها. وسارع وقتها وزير الداخلية جيرالد دارمانان إلى تأكيد أن «التهديد الإرهابي ما زال مرتفعاً للغاية»، وهو ما يكرره لدى كل مناسبة. وحقيقة الأمر أن الهجمات الإرهابية التي عرفتها فرنسا في الشهرين الأخيرين؛ ومنها اثنتان استهدفتا جهاز الشرطة، تبين بوضوح جدية التهديدات.
جاءت هذه العملية لتذكر بأن الجنوح نحو الإرهاب ليس فقط من عمل الرجال؛ بل إن النساء يجنحن إليه أيضاً. ففي فرنسا؛ أدينت نساء عدة بالقيام بأعمال إرهابية أو بمحاولة فعل ذلك.
يذكر أن مئات عدة من الفرنسيات أو اللاتي يقمن على الأراضي الفرنسية التحقن بجهاديين في سوريا والعراق، وأن ما لا يقل عن مائة امرأة محتجزات في معسكرات «قوات سوريا الديمقراطية»، وترفض البلدان المنتميات إليها استعادتهن رغم الضغوط الدولية الممارسة عليها؛ ومن هذه البلدان فرنسا. يضاف إلى هذه الأعداد، من جهة، النساء الموقوفات بتهمة محاولة الالتحاق بأزواجهن أو السعي للوصول إلى مناطق «الجهاد»؛ وبينهن العديد من القاصرات واللاتي عدن من سوريا والعراق عبر تركيا وجرى احتجازهن لدى وصولهن إلى فرنسا.
ويفيد تقرير صادر عن المديرية التنفيذية للجنة الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب التي ترأسها القاضية البلجيكية ميشال كونينكس في عام 2019، بأن النساء يشكلن 13 في المائة من أصل الـ40 ألف جهادي الذين التحقوا بـ«داعش» في أوج قوته في سوريا والعراق، وغالبية هؤلاء ذهبن من أوروبا (40 في المائة) الأمر الذي يبين أن هذه الظاهرة ليست هامشية وأنها تطرح تحديات كبرى على الدول الأوروبية كافة وغير الأوروبية.
من أشهر الخلايا النسائية الجهادية، تلك الخلية التي حاولت تفجير سيارة محشوة بست قوارير من الغاز قرب كاتدرائية نوتردام الشهيرة وسط مدينة باريس ليل 3 ــ 4 سبتمبر (أيلول) عام 2016. وكان مقدرا أن الانفجار لو حصل، لكان أوقع عدداً كبيراً من الضحايا بسبب المقاهي والمطاعم المكتظة في الحي المذكور، إضافة إلى مئات السياح الذين يوجدون باستمرار في ساحة الكاتدرائية التي دمر جزء كبير منها بسبب حريق ضخم عام 2019.
والعامل الذي أنقذ الحي الباريسي وسكانه وزواره أن الإرهابيتين استخدمتا لإشعال قوارير الغاز مادة المازوت صعبة الاحتراق. وفي العام المذكور، قضت المحكمة الابتدائية بسجن المتهمتين الرئيسيتين إيناس مدني وأورنيلا غيليغمان بالسجن 30 عاما للأولى و25 عاماً للثانية. بيد أن مدني استأنفت الحكم الذي انطلقت جلساته الشهر الماضي.
ويوم الاثنين، صدر حكم جديد عن محكمة الجنايات الخاصة في باريس التي استؤنف الحكم أمامها ثبت بموجبه الحكم القديم مع تغليظه وقضى بحبس إيناس مدني؛ البالغة من العمر 24 عاماً والتي كانت العقل المدبر للعملية، 30 عاماً مع النفاذ لمدة 20 عاماً، بمعنى أنه لن يكون بمقدورها الخروج من السجن قبل أن تمضي داخله ثلثي الحكم. وبالمقابل؛ فإن أورنيلا غيليغمان، شريكة مدني في العملية، لم تستأنف حكم المحكمة الابتدائية.
وفي السياق عينه، جرت إدانة مدني بتهمة أخرى هي محاولة قتل رجل أمن بسكين خلال سعيها الإفلات من القوة الأمنية التي ألقت القبض عليها في إحدى الضواحي الباريسية. كذلك قضت محكمة الجنايات الخاصة بحبس محمد الأمين أبروز خمس سنوات والمتهم بعدم الإبلاغ عن التحضير لجريمة إرهابية.
وكان محاميه طالب بإخلاء سبيله وإعلان براءته. اللافت وجه الشبه بين الشابتين مدني وغيليغمان وبين المتهمة الرئيسية في عملية بيزييه؛ إذ إن كلاً منهن تجاور العشرين من العمر؛ مما يعني أن الراديكالية تتخطى حاجز الأعمار، وأن شريحة الشباب النسائية تطالها أيضاً الدعاية الجهادية؛ الأمر الذي برز من خلال التحاق عشرات القاصرات بمقاتلي «داعش» في سوريا والعراق. وفيما أعلنت المتهمة قبل النطق بالحكم وانسحاب هيئتها للتشاور، أنها «تائبة»، عدّ محامياها؛ داني بولييزي وتوفيق بوزنون، أن الحكم جاء قاسياً، وأنه كان يتعين ترك «بعض الأمل» لها، خصوصاً أنها اعترفت تماماً بجريمتها، ولحداثة سنها. في المقابل، فإن الادعاء عدّ أنه كان «من غير الممكن» أن يحكم على مدني «بأقل من 30 عاماً» في السجن؛ إذ إنها بعد أكثر من عام ونصف العام على المحاكمة الأولى «لم تبتعد بعد كثيراً عن التطرف».