كيف ابتلع انقلابيو اليمن «مليارات» المتقاعدين؟

TT

كيف ابتلع انقلابيو اليمن «مليارات» المتقاعدين؟

مع وصول الميليشيات الحوثية إلى صنعاء بعد الانقلاب في سبتمبر (أيلول) 2014. الذي لا تزال تداعياته قائمة حتى اليوم، كانت عشرات المليارات من الريالات اليمنية تتكدس في خزائن «البنك المركزي» من أموال الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات الحكومية والمؤسسة العامة للتأمينات التابعة للعاملين في القطاع الخاص، إلى جانب نحو خمسة مليارات دولار هي الاحتياطي النقدي للبلاد، قبل أن تبتلع الجماعة كل شيء.
وفي تفاصيل هذه العملية التي استهدفت مستحقات أكثر من نصف مليون متقاعد، وفق ما أكدته ثلاثة مصادر عاملة في الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة للتأمينات والبنك المركزي في صنعاء، فإن الميليشيات الحوثية استولت على عشرات المليارات من أموال المتقاعدين المدنيين، كما صادرت كل ممتلكات وأموال صندوق التقاعد العسكري والأمني بشكل كامل.
وأوضحت المصادر أن الحكومة اليمنية كانت قبل الانقلاب بسنوات أقرت إصدار سندات خزانة شهرية، بهدف امتصاص السيولة من السوق والتخفيف من المضاربة على أسعار الأراضي، ووجهت أموال التأمينات للاستثمار فيها، وبما أن الهيئة العامة للتأمينات هي أكبر مؤسسة مالية في البلاد، فقد وجهت أموالها للاستثمار في هذا الجانب إلى جانب نصيبها في مشروع الغاز المسال والمشروع العقاري الكبير المعروف باسم «مدن الصالح السكنية لذوي الدخل المحدود».
وكانت التأمينات (وفق المصادر) أولى الجهات التي تتصدر لشراء أذون الخزانة، وتراكم الأرباح في أرصدتها البنكية، إذ وصل الانقلابيون إلى صنعاء، وكان هناك أكثر من تريليون ريال يمني من الأموال التي تخص الهيئة العامة للتأمينات في «البنك المركزي»، بخلاف عائدات استثماراتها في القطاعات الأخرى.
واستناداً إلى معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من عاملين في الهيئة وفي «البنك المركزي»، فإن الميليشيات، وبعدما أعلنت الانقلاب على الشرعية، وحلّت البرلمان والحكومة قامت بنقل كميات ضخمة جداً من الأموال كانت في خزائن البنك المركزي، بما فيها أموال هيئة التأمينات، وأيضاً أموال المؤسسة العامة للتأمينات التابعة للقطاع الخاص، مضافاً إليها مبالغ الاحتياطي النقدي الأجنبي، وكذلك مبالغ مالية ضخمة كان يتم صرفها كرواتب للموظفين في القطاعين المدني والعسكري، إلى جانب الموازنة الخاصة بالمناطق العسكرية والجهات الأمنية، حيث كانت الجماعة تنقل هذه المبالغ كما الأسلحة إلى صعدة، حيث معقلها الرئيس.
وطبقاً لرواية المصادر، فإن ميليشيات الحوثي، وبعد أن توقفت عن صرف رواتب كل الموظفين توقفت أيضاً عن صرف رواتب المتقاعدين منذ عام 2018، وفي العام الذي يليه أصدرت قراراً بإلغاء العمل بنظام أذون الخزانة، ووضعت اليد على كل تلك الأموال، بما فيها أرصدة تجار وشركات، واعتبرتها ديوناً داخلية سيكون على أي حكومة يتم تشكيلها استناداً لاتفاق سلام تحمل هذا العبء الكبير.
وذكرت المصادر أن الحكومة الشرعية اضطرت في 2018 لصرف رواتب المتقاعدين في كل مناطق البلاد، فيما واصلت ميليشيات الحوثي السيطرة على استثمارات الهيئة العامة للتأمينات خصوصاً في قطاع الاتصالات وفي مصنع السكر، وكذلك الحال مع أموال واستثمارات المؤسسة العامة للتأمينات، والهيئة العامة للبريد، حيث تجني مئات الملايين من عائدات تلك الاستثمارات، وتقوم بإنفاقها على مجهودها الحربي، ولتمويل أنشطتها المذهبية التي تعرف باسم الدورات الثقافية التي يخضع لها كل الموظفين في المؤسسات الحكومية، باعتبارها أساساً للبقاء في الوظيفة.
وإلى جانب ذلك، بينت المصادر أن الميليشيات الحوثية استحدثت طرقاً جديدة للتمويل بعد تضييق الخناق عليها، فقامت بفرض ما سمته بــ«الخمس» في الزكاة وفي المعادن والثروات، ومصانع المياه والإسمنت وغيرها، كما فرضت أخيراً عمولة قدرها 25 ‎في المائة على كل معاملة بيع أو شراء في العقارات، لتضاف إلى الجبايات المعروفة باسم المجهود الحربي وعند إقامة المناسبات الطائفية، كما ضاعفت من مبالغ الزكاة السنوية على الأفراد والتجار.
ومع أن الجماعة تجني المليارات شهرياً من عائدات الاتصالات والضرائب والجمارك والجبايات الأخرى، إلى جانب الأرباح السنوية لأموال التأمينات، وتدير سوقاً سوداء ضخمة لبيع البنزين وغاز الطهي، إلا أنها ترفض صرف رواتب الموظفين المدنيين في مناطق سيطرتها للعام الخامس، وتخصص موازنة محددة لمسؤوليها والوزراء الذين عينتهم في حكومة الانقلاب.
وعلى ما أفادت به المصادر، يتولى مكتب زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي صرف مبالغ شهرية لشخصيات سياسية وإعلامية تؤيده، إلى جانب المبالغ التي تصرف بانتظام لمقاتلي الجماعة، حيث أصبحت الجبهات هي المصدر الوحيد للحصول على عمل وراتب شهري في مناطق السيطرة الحوثية.


مقالات ذات صلة

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

بدأت الجماعة الحوثية إجراءات جديدة لتقييد الحريات الشخصية للطالبات الجامعيات والتضييق عليهن، بالتزامن مع دعوات حقوقية لحماية اليمنيات من العنف.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.