هل طلاب المرحلة الابتدائية مستعدون للالتحاق بالجامعة؟

خبراء تربويون: الإعداد للمستقبل يجب أن يبدأ من الصغر

تلاميذ الصف الأول الابتدائي في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية خلال حديثهم عن الالتحاق بالجامعات (نيويورك تايمز)
تلاميذ الصف الأول الابتدائي في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية خلال حديثهم عن الالتحاق بالجامعات (نيويورك تايمز)
TT

هل طلاب المرحلة الابتدائية مستعدون للالتحاق بالجامعة؟

تلاميذ الصف الأول الابتدائي في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية خلال حديثهم عن الالتحاق بالجامعات (نيويورك تايمز)
تلاميذ الصف الأول الابتدائي في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية خلال حديثهم عن الالتحاق بالجامعات (نيويورك تايمز)

ما هي الجامعة؟ تعد الجامعة مكانا كبيرا للغاية بالنسبة لماديسون كومر، تلك الطفلة الواثقة بنفسها التي تبلغ من العمر 6 سنوات. وتضيف: «إنها طويلة»، ثم ترسم بقلم تلوين رمادي خطوط تميمة ولاية نورث كارولينا التي تسمى «توفي». وتضيف «إنها تشبه المدرسة الثانوية ولكنها أعلى منها».
كما أشارت إليزابيث مانغان، التي ترغب في أن تصبح طبيبة بيطرية لأنها تحب الجرو الذي تملكه، إلى أنها ستلتحق كذلك بجامعة ولاية نورث كارولينا. وقالت: «سألتحق أنا وماديسون بالجامعة نفسها».
وعند سؤالها: ما الجامعة؟ قالت: «إنه مكان تذهب إليه للحصول على وظيفة».
وفي الوقت ذاته، كانت بيلي نالس ترسم قرونا مقوسة، وأسنانا مسننة لرمز رمسيس رام الموجود على علم ورقي يمثل جامعة ولاية نورث كارولينا. وقالت: «أرسمه وهو غاضب». وتريد بيلي عند الالتحاق بالجامعة أن تصنع كائنا متحولا «ترانسفورمر» («سيكون مثل الروبوت القادم من سايبرترون»). وعند سؤالها: ما الذي يحدث في الجامعة؟، أجابت «تزداد ذكاء كل يوم».
ما زالت اختبارات القبول بالجامعات بعيدة عن دفعة عام 2030. ولكن تلاميذ الصف الأول الابتدائي في صف المدرسة كيلي ريغو في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية في مقاطعة هارنيت الريفية، بنورث كارولينا، اختاروا بالفعل الكليات التي يريدون الالتحاق بها. واختار 3 منهم أكاديمية «ويست بوينت»، واختار واحد جامعة هارفارد. في أحد فروض الكتابة، يتحدث الأطفال عن اختيارهم للجامعة والمهنة التي يريدون القيام بها بعد ذلك. تريد الطالبة، التي ترغب في الالتحاق بجامعة هارفارد في المستقبل، أن تصبح طبيبة؛ وقالت إنها لا يمكن أن تلتحق بجامعة كمبردج لأن «أمي لا تريد مني الذهاب إلى أي مكان». تم تعليق طلبات الالتحاق الوهمية التي أعدها التلاميذ بدبابيس على لوحة الإعلانات.
وقالت السيدة ريغو: «ما زال السؤال القديم هو ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ إننا نطرح هذا السؤال دائما على الأطفال. ونحن بحاجة إلى أن نسألهم: كيف ستصلون إلى هناك؟ حتى لو كنت معلمة لصف الحضانة، ينبغي أن تكون كلمة (كلية) حاضرة».
لا عليك من التفاصيل، فالرسالة الآن محورها الأهداف والتركيز. وقالت ويندي سيغال، وهي مدرسة ومخططة للالتحاق بالجامعة في مقاطعة ويستشستر، بنيويورك: «إن الأمر كأن تريد لأطفالك المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية أو أن تتاح لهم فرصة المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية؛ فأنت لا تنتظر حتى يبلغ ابنك 17 عاما وتقول: طفلي يفضل بالفعل التزحلق على الجليد. ينبغي عليك أن تبدأ عندما يكون الطفل في الخامسة أو السادسة».
يعود الفضل إلى الرئيس باراك أوباما والمعايير الأساسية المشتركة في نشر فكرة «الاستعداد للكلية والمهنة» بين معلمي التعليم الأساسي في جميع أنحاء البلاد. أم هل نلقي باللوم على ثقافة التنافسية التي حولت سنوات الطفولة المنفتحة على جميع الاحتمالات إلى قائمة من مهارات الاستعداد. أيا كان السبب، تظل الحقيقة هي أن الاستعداد للالتحاق بالجامعة غزا مرحلة الطفولة.
يمكنك فقط القيام بالبحث على موقع «بي إنتريست» لمشاهدة هذا التوجه؛ فالعشرات من معلمي المدارس الابتدائية يقدمون أنشطة لطيفة تجعل الطريق إلى الالتحاق بالجامعة واضحا مثل تعليم القراءة والكتابة. تجعل أوراق القص واللصق وسيلة للطلاب كي يضعوا الخطوات في التسلسل الصحيح باستخدام دوائر ومربعات. وهناك 4 خطوات: إرسال طلب الالتحاق بالبريد، والحصول على القبول، والتخرج في المدرسة الثانوية، والانتقال إلى الصف الدراسي والدراسة بجد. لقد أصبحت «أسابيع الجامعة» عنصرا رئيسيا في روزنامة فعاليات المدارس الابتدائية مثلما هو الحال بالنسبة لحفل الفرق الذي يقام في فصل الشتاء. وأصبحت الجولات داخل الحرم الجامعي حاليا رحلات ميدانية مفضلة.
ظلت المدارس المستقلة تضع منذ فترة طويلة رسالة الالتحاق بالجامعة في بؤرة الاهتمام؛ فكانت هذه المدارس تأخذ منذ ما لا يقل عن 10 سنوات الطلاب من ذوي الدخول المنخفضة لزيارة الجامعة وتقدم حوافز للعمل الجاد، وتقدم معرفة مادية حول العالم الغامض لأقرانهم الأكثر ثراء. يريد الجميع حاليا معرفة خيارات التعليم العالي.
ويقوم برنامج تم إنشاؤه منذ 4 سنوات في مقاطعة سانتا كروز، بكاليفورنيا، بأخذ 3 آلاف طالب في الصف الرابع الابتدائي لمدة يوم واحد في شهر مايو (أيار) لزيارة الجامعات المحلية، والقيام بجولات ودورات معلومات ومشاهدة عينة من الفصول الدراسية فيها، بما في ذلك علم الاجتماع ودراسات المرأة. وفي جامعة رايس، التي يوجد لديها صفحة مصادر للمعلمين عنوانها «تصور طلابك في جامعة رايس»، تم تنظيم 91 جولة لطلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة، وأرسلت 357 صندوقا من الأنشطة التي تتم داخل الصف الدراسي، والكتابات، وورق الطباعة على أقمشة لعمل قمصان، وزاد هذا العدد بمقدار 3 أضعاف عنه منذ عامين.
وتدفقت الطلبات على جامعة «ميريلاند». وقالت مديرة برنامج خدمات الزوار، بيتي شبنغلر، بعد أن قادت 8 آلاف طفل في جولات بمرافقة دليل خلال عامي 2012 و2013 إنه ينبغي على الجامعة الحد من الطلبات. وأضافت: «لدينا كثير من الطلبات، وكنا نقوم جولات 5 أيام في الأسبوع. وأصبح من المستحيل الاستمرار». وأعربت عن أملها في أن يساعد الكشف عن موقع جديد للمصادر للمعلمين خلال الشهر الماضي أولئك الذين لا يستطيعون الحصول على مواعيد للقيام بجولات.
ما الذي يفعله تلاميذ الصف السادس الابتدائي في الجولة؟
عندما تدفقت مجموعة مكونة من 65 طفلا من مدرسة «ماغنوليا» الابتدائية، التي تقع في حي يوجد به منازل متواضعة مشيدة على مساحات خضراء صغيرة ونظيفة في مقاطعة «برينس جورج»، بولاية ميريلاند، من حافلاتهم المدرسية ودخلوا إلى مركز الاستقبال في الجامعة، كانت المحطة الأولى التي توقفوا عندها هي المدينة الجامعية النموذجية، من وراء الزجاج.
إذا كان هناك شيء موجود في الجامعة يصعب على الأطفال استيعابه فهو النوم في المدرسة مع غرباء. لقد تزاحم الطلاب، الذين كان يرتدي كثير منهم الزي الموحد لمدرسة «ماغنوليا» الابتدائية، لمشاهدة الغرف ذات الأسرة المتميزة. كانوا يريدون معرفة ما إذا يمكنهم اختيار الشخص الذي يرغبون في الإقامة معه، وهل يمكنهم البقاء حتى وقت متأخر حسبما يرغبون. قالت بيلال موبيدين، وهي طفلة شكلها ملائكي تبلغ من العمر 11 عاما: «أمك لن تكون موجودة هنا لإيقاظك، لذلك سيكون عليك أن تستيقظ بنفسك حتى تتمكن من حضور دروسك». وترغب بيلال في أن تصبح جرّاحة مخ.
الهدف هو جعل الطلاب يتصورون أنفسهم في الجامعة، لا يصورون أنفسهم. وجاء تحذير معلمتهم لورا براونينغ: «لا يجوز نشر شيء، لا يجوز التقاط صور (سيلفي)، ولا يجوز إرسال رسائل نصية». كانت براونينغ تسعى للحفاظ على النظام أثناء السير إلى جوار المباني المشيدة بالطوب ذات الأعمدة البيضاء. وقالت: «أيها السيدات والسادة، يرجى السير على الأرصفة».
بالنسبة للأطفال المتحمسين والثرثارين، الذين التقطوا صور سيلفي سريعة، كان يوجد في الجولة ما يثير الاهتمام مثل تناول وجبة الغداء، ومعرفة حقائق ممتعة، والطابق السابع من المكتبة هادئا جدا لدرجة أنك إذا فتحت كيس بطاطس شيبسي يمكن لأي شخص أن يسمعك، وذلك فضلا عن المتعة البدنية. وكانوا يضحكون في ملعب لكرة القدم يضم 54.000 مقعد واكتشفوا وجود فرع لمحلات «تشيك فيل إيه» للوجبات السريعة في الطابق السفلي من مركز الطلاب. واندهشت إنجيا رايت ولكنها كانت مسرورة عندما علمت أن الحلوى تباع في الحرم الجامعي.
الدليلان في الجولة خافيير سكوت، وهو طالب في سنة أولى جامعة مفعم بالحيوية من كولومبيا، بولاية ميريلاند، وكارلي بولاند، وهي طالبة في السنة قبل الأخيرة في الجامعة من فورت وورث، قدما ملاحظة مهمة وقصيرة وجادة، حثا فيها الطلاب على تحقيق أحلامهم. وقال سكوت: «يمكن للجامعة أن تساعدك على تحقيق ذلك. فعندما تعمل بجد، ستجد مزيدا من الفرص مفتوحة أمامك».
وقت الغداء، وبعد أن فرك التلاميذ أنف التميمة «تيستودو» مرتين طلبا للفأل الحسن، وملأوا صواني المطعم بأصابع الدجاج والبطاطس المحمرة وشرائح البيتزا، اقتنع الطلاب. وقال ديفيد أولاديميجيج، 11 عاما، إنه ينوي الالتحاق بهذه الجامعة. وأضاف: «في البداية كنت أرغب في الالتحاق بجامعة هارفارد لأنني سمعت أنها أفضل جامعة؛ ولكنني أعتقد أن جامعة ميريلاند هي الأفضل».
إنه أسلوب الترويج بالإقناع، في حين يقول العرض التقديمي من جامعة «رايس» الموجه للصفوف الدراسية إن الالتحاق بأي جامعة هو ما يهم. ولكن ميكايلا دونوهو، تلميذة الصف الخامس التي طافت الحرم الجامعي مع زميلاتها من مدرسة «باين فورست الابتدائية» التي تقع في هامبل، بتكساس، تدعم تلك الجامعة تماما. وحين سئلت ما الذي لفت انتباهها، أجابت قائلة: «لقد تناولنا الغداء في هذه الحديقة الجميلة».
يمكن أن يؤدي التواصل مع الأطفال خلال السنوات السابقة على التفكير جديا في الالتحاق بالجامعة إلى غرس بذور الوعي بفكرة الجامعة ذاتها، أو خلق عملية محفوفة بالقلق.
من جانبه، قال جوان المون، مؤسس «تحالف من أجل الطفولة» الذي عبّر عن قلقه من أن يؤدي التركيز المبكر على هذا الأمر إلى تثبيط عملية استكشاف الطفل لذاته: «يحتاج الأطفال إلى ارتكاب أخطاء والشعور بأنهم أمام طريق مسدود وحالة ضيق. أشعر بالقلق من أننا نضع كثيرا من الضغوط بشأن الجامعة لدرجة قد تجعلهم يفقدون الحماس قبل الوصول إلى لحظة التحاقهم بها».
واتفق البعض معه في هذا الأمر؛ فهناك عدد من الجامعات التي ترفض استضافة جولات لأطفال في مراحل أقل من المرحلة الثانوية، وتعرب عن مشاعر مماثلة لتلك المنشورة على موقع جامعة «بوسطن»، التي تشير إلى «الرغبة في عدم المساهمة في حالة الجنون بشأن الالتحاق بالجامعة».
وتكون هذه الضجة في بعض المناطق في مدارس المرحلة الإعدادية. ففكرة أنه من الصعب الالتحاق بكليات القمة يجعل أولياء الأمور يبدأون التفكير في هذا الأمر قبل الأوان.
من جانبها، قالت ميغان دورسي، وهي مستشارة خاصة ومؤسسة «كوليج بريب»، التي تقع في شوغر لاند بولاية تكساس: «لقد سبب ذلك بعض الذعر». كما أشارت إلى قانون في الولاية يلزم الجامعات بقبول أعلى درجات من كل مدرسة ثانوية، وهو ما يجعل القبول في كل من جامعة «تكساس» و«أوستن»، و«تكساس إيه أند إم» صعبا على وجه الخصوص. وأضافت: «أرى القلق يعتري بالفعل الكثير من أولياء أمور طلاب المرحلة الإعدادية. إنهم يريدون أن يعرفوا ما الذي ينبغي عليهم القيام به قبل المرحلة الثانوية».
وقالت ماري ماير، وهي أم لطفلين أحدهما في الصف الخامس والآخر في الثالث الإعدادي في مدرسة «لامار كونسوليديتيد» المستقلة بالقرب من هيوستن، إن الدافع لتكديس الإنجازات، والنظر في كيفية تأثير سجل الطفل الدراسي على الالتحاق بالجامعة، أمر معد. وأضافت: «إنها اللعبة التي نمارسها هذه الأيام. إن الأمر قد زاد عن الحد، ولكنني لا أرى أنه يتغير، لذلك عليك المشاركة وإلا فلن تتقدم».
وقالت ماير إنها عندما تلاحظ انضمام ولديها للنادي العلمي وتطوعهم في بنك الطعام، وحتى مشاركتهم في دورية السلامة والأمان في المدرسة الابتدائية، فإنها تعتبر ذلك خطوة نحو الالتحاق بالجامعة. وتضيف: «ينبغي أن تصنع هذه السيرة الذاتية لأطفالك وإلا فلن يعيرهم أحد اهتماما».
باربرا بول مدرسة لغة إنجليزية للصف السابع في مدرسة «راشيل كارسون» الإعدادية في مقاطعة فيرفاكس بولاية فرجينيا، التي تعد واحدة من أغنى الضواحي في البلاد، ويوجد بها مدرسة «توماس جيفرسون» الثانوية للعلوم والتكنولوجيا ذات المكانة المتميزة. وقالت إن نحو 60 في المائة من طلابها يعرفون بالفعل أين سيلتحقون بالجامعة.
كانت باربرا بول من بين أول من يقوم بتجربة النسخة المخصصة للمدارس الإعدادية من «نافيانس»، وهي خدمة باشتراكات لإعداد الطلبة للكلية. وتعرف الخدمة بالمخططات الإحصائية التي تكشف عن تاريخ قبول طلاب المدرسة لكليات محددة عن طريق نتيجة الاختبارات ومتوسط الدرجات. وقالت باربرا بول إن خاصية إنشاء السيرة الذاتية الموجودة في البرنامج، التي تسمح للطلاب بالقيام بأنشطة خارج الصف الدراسي، والحصول على جوائز، والقيام بعمل تطوعي وأكثر من ذلك، تجعل طلابها «أكثر إدراكا» لبناء هذا السجل خارج الصف الدراسي من أجل الالتحاق بالجامعة.
وأضافت: «نحن نتحدث عن المثابرة. فإذا التحقت بأحد الفرق في عام ولم تفعل ذلك في الصف الثامن، سيوضح البرنامج ذلك». وحتى عندما تذكرهم باربرا بول بأنهم «مجرد أطفال»، تقول لهم أيضا: «إن الوضع تنافسي، وما الذي يمكنك فعله أو ما تفعله غير العودة للمنزل وممارسة ألعاب الفيديو؟ أنت طفل يبلغ من العمر 12 عاما. هل تنسحبون؟».
وتوضح الأبحاث أن معدل الالتحاق بالكلية يتزايد فقط لدى الطلبة الذين ينتمون إلى أسر ذات دخل مرتفع. وتضاعف عدد الطلبة الذين حصلوا على شهادة البكالوريوس من الأسر ميسورة الحال منذ عام 1970، حيث وصل إلى 77 في المائة بعد أن كان 40 في المائة، في الوقت الذي ارتفع فيه معدل الطلبة من الأسر ذات الدخل المنخفض الذين حصلوا على تلك الشهادة من 6 إلى 9 في المائة بحسب تقرير صدر الشهر الحالي عن معهد «بيل إنستيتيوت» لدراسة فرص التعليم العالي، وتحالف من أجل التعليم العالي والديمقراطية.

* خدمة «نيويورك تايمز»



حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح
TT

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

اللهجات المختلفة تشير أحياناً إلى منشأ المتحدث بها، أو درجة تعليمه، أو وسطه الاجتماعي. وفي بعض الأحيان، تقف اللهجات عائقاً أمام التعلم والفهم، كما أنها في بعض الأحيان تقف عقبة أمام التقدم المهني ونظرة المجتمع للمتحدث. ولهذا يتطلع كثيرون إلى التخلص من لهجتهم، واستبدالها بلغة «راقية» أو محايدة تمنحهم فرصاً عملية للترقي، وتحول دون التفرقة ضدهم بناء على لهجة متوارثة لا ذنب لهم فيها.
هذه الفوارق بين اللهجات موجودة في كل اللغات، ومنها اللغة العربية التي يحاول فيها أهل القرى اكتساب لهجات أهل المدن، ويتحدث فيها المثقفون إعلامياً بلغة فصحى حديثة هي الآن اللغة السائدة في إعلام الدول العربية. ولكن من أجل معالجة وسائل التعامل مع اللهجات واللكنات، سوف يكون القياس على اللغة الإنجليزية التي تعد الآن اللغة العالمية في التعامل.
هناك بالطبع كثير من اللهجات الإنجليزية التي تستخدم في أميركا وبريطانيا وأستراليا ودول أخرى، ولكن معاناة البعض تأتي من اللهجات الفرعية داخل كل دولة على حدة. وفي بريطانيا، ينظر البعض إلى لهجة أهل شرق لندن، التي تسمى «كوكني»، على أنها لهجة شعبية يستخدمها غير المتعلمين، وتشير إلى طبقة عاملة فقيرة. وعلى النقيض، هناك لهجات راقية تستخدم فيها «لغة الملكة»، وتشير إلى الطبقات العليا الثرية، وهذه أيضاً لها سلبياتها في التعامل مع الجماهير، حيث ينظر إليها البعض على أنها لغة متعالية، ولا تعبر عن نبض الشارع. وفي كلا الحالتين، يلجأ أصحاب هذه اللهجات إلى معالجة الموقف عن طريق إعادة تعلم النطق الصحيح، وتخفيف حدة اللهجة الدارجة لديهم.
الأجانب أيضاً يعانون من اللكنة غير المحلية التي تعلموا بها اللغة الإنجليزية، ويمكن التعرف فوراً على اللكنات الهندية والأفريقية والعربية عند نطق اللغة الإنجليزية. ويحتاج الأجانب إلى جهد أكبر من أجل التخلص من اللكنة الأجنبية، والاقتراب أكثر من النطق المحايد للغة، كما يسمعونها من أهلها.
وفي كل هذه الحالات، يكون الحل هو اللجوء إلى المعاهد الخاصة أو خبراء اللغة لتلقي دروس خاصة في تحسين النطق، وهو أسلوب تعلم يطلق عليه (Elocution) «إلوكيوشن»، وله أستاذته المتخصصون. ويمكن تلقي الدروس في مجموعات ضمن دورات تستمر من يوم واحد في حصة تستمر عدة ساعات إلى دورات تجري على 3 أشهر على نحو أسبوعي. كما يوفر بعض الأساتذة دورات شخصية مفصلة وفق حاجات الطالب أو الطالبة، تعالج الجوانب التي يريد الطالب تحسينها.
ومن نماذج الأساتذة الخصوصيين ماثيو بيكوك، الذي يقوم بتدريب نحو 20 طالباً أسبوعياً في لندن على تحسين نطقهم، حيث يتعامل مع حالة طبيب في مستشفى لندني يعاني من لهجته الكوكني، ويريد التخلص منها حتى يكتسب مصداقية أكبر في عمله كطبيب. ويقول الطبيب إنه يكره الفرضيات حول لهجته من المرضى والمجتمع الذي يتعامل معه.
ويقول بيكوك إن الطلب على دروس تحسين اللهجات في ارتفاع دائم في السنوات الأخيرة. كما زاد الطلب على الدروس بنسبة الربع في بريطانيا بعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في العام الماضي. وكان معظم الطلب من الأوروبيين المقيمين في بريطانيا الذين يريدون التخلص من لكنتهم الأوروبية حتى يمكنهم الاختلاط بسهولة في بريطانيا، وتجنب التفرقة ضدهم من الشعب البريطاني.
ويقدم أحد فروع الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية في لندن دروساً شخصية في الإلقاء وتحسين اللهجة. ويقول كيفن تشابمان، مدير فرع الأعمال في الأكاديمية، إن الإقبال في العام الأخير على هذه الدروس زاد من 3 إلى 4 أضعاف. ويتلقى الطلبة دروساً فردية للتخلص من لهجات قروية، ولكن مع تقدم الدروس، يكتشف المدرس أن الطالب يحتاج أيضاً إلى معالجة أمور أخرى غير اللهجة، مثل الاضطراب والضغوط النفسية عند الحديث مع الإعلام وكيفية الإلقاء الصحيح.
وتجرى بعض هذه الدروس عن بعد، عن طريق برامج فيديو مثل «سكايب» يمكن للطالب أن يستمع إلى إلقائه عبر الفيديو من أجل تحسين لهجته. وترتبط دروس تحسين اللهجات في معظم الأحوال بتحسين أساليب التواصل والإلقاء عبر الوسائل الإلكترونية، وهي مقدرة يحتاجها أصحاب الأعمال في توصيل أفكارهم بوضوح وبساطة إلى زبائن الشركة والموردين الذين يتعاملون معهم، خصوصاً أن التعامل في عالم الأعمال الحديث يكون في مناخ دولي من جميع أنحاء العالم.
وبخلاف أصحاب الأعمال، يقبل على دروس تحسين اللهجة والحديث العام شرائح مجتمعية أخرى، مثل المدرسين والمحامين. وتقول فيليستي غودمان، مدربة الصوت التي تعمل في مدينة مانشستر، إنها فوجئت بأن بعض طلبتها اعترفوا بأنهم فشلوا في مقابلات عمل بسبب اللهجة، وهي تعتقد أن أصحاب الأعمال قد يقصدون القدرة اللغوية أو كيفية النطق، بدلاً من اللهجة، عند رفض المتقدمين لوظائف معينة.
ومن شركة متخصصة في تدريب الموظفين الذين يعملون في مجال السلع والخدمات الفاخرة، اسمها «لندن لكشري أكاديمي»، يقول مديرها العام بول راسيل، المتخصص في علم النفس، إن التفرقة ضد بعض اللهجات موجودة فعلاً. وهو يقوم بتدريب موظفي الشركات على التعامل بلهجات واضحة مع كبار الزبائن الأجانب. ويقول إن العامة تحكم على الأشخاص من لهجتهم رغماً عنهم، خصوصاً في بعض المجالات، حيث لا يمكن أن ينجح أي شخص بلهجة قوية في التواصل مع المجتمع المخملي في أي مكان.
ولمن يريد تحسين لهجته أو لغته بوجه عام، مع جوانب كيفية لفظ الكلمات والإلقاء العام، عليه بدورات تدريبية متخصصة، أو بدروس خصوصية من مدرب خاص. وتتراوح التكاليف بين 30 و40 جنيهاً إسترلينياً (40 و52 دولاراً) في الساعة الواحدة. ويحتاج الطالب في المتوسط إلى دورة من 10 دروس.
ولا يلجأ مدرسي النطق الصحيح للغات إلى الإعلان عن أنفسهم لأنهم يكتفون بمواقع على الإنترنت والسمعة بين طلبتهم من أجل الحصول على ما يكفيهم من دفعات الطلبة الجدد الراغبين في التعلم. ويقول روبن وودريدج، من مدرسة برمنغهام، إن تكاليف التعلم اللغوي الصحيح تعادل تكاليف تعلم الموسيقى، وهو يقوم بتعليم ما بين 40 و50 طالباً شهرياً.
ويضيف وودريدج أن سبب الإقبال على دروسه من رجال الأعمال والأكاديميين هو رغبتهم في تجنب الافتراضات المرتبطة بلهجتهم. فعلى رغم جهود التجانس والتعايش الاجتماعي، فإن التفرقة ضد اللهجات ما زالت منتشرة على نطاق واسع في مجتمع مثل المجتمع البريطاني.
وعلى الرغم من أن أكاديمية لندن للموسيقى والفنون الدرامية تقول في شروط اختباراتها إن اللهجات الإقليمية مقبولة، فإن وودريدج يؤكد أن معظم طلبة مدرسة برمنغهام للنطق الصحيح يأتون من مدارس خاصة، ولا يريد ذووهم أن تكون لهجة برمنغهام ذات تأثير سلبي على مستقبلهم.
ويقول أساتذة تعليم النطق اللغوي إن الفرد يحتاج إلى كثير من الشجاعة من أجل الاعتراف بأن لهجته تقف عقبة في سبيل نجاحه، ولذلك يلجأ إلى تغيير هذه اللهجة. ويشير بعض الأساتذة إلى حساسية التعامل مع مسألة اللهجات، والحاجة إلى الخبرة في التعامل مع كيفية تغييرها، ويعتقد أنه في بريطانيا، على الأقل، ما بقيت التفرقة ضد اللهجات، واستمر النظام الطبقي في البلاد، فإن الإقبال على خدمات تحسين اللهجات سوف يستمر في الزيادة لسنوات طويلة.
- كيف تتخلص من لكنتك الأجنبية في لندن؟
> هناك كثير من المعاهد والجامعات والكليات والمدارس الخاصة، بالإضافة إلى المعلمين الذين يمكن اللجوء إليهم في دورات تدريبية، في لندن لتحسين النطق باللغة الإنجليزية، أو التخلص من اللكنة الأجنبية. والنموذج التالي هو لمدرسة خاصة في لندن، اسمها «لندن سبيتش وركشوب»، تقدم دورات خاصة في تعليم النطق الصحيح، وتساعد الطلبة على التخلص من اللكنة الأجنبية في الحديث.
وتقول نشرة المدرسة إنه من المهم الشعور بالثقة عند الحديث، وإن الدورة التدريبية سوف تساهم في وضوح الكلمات، وتخفف من اللكنات، وتلغي الحديث المبهم. وترى المدرسة أن هناك كثيراً من العوامل، بالإضافة إلى اللهجة أو اللكنة الأجنبية، تمنع وضوح الحديث باللغة الإنجليزية، وهي تعالج كل الجوانب ولا تكتفي بجانب واحد.
وتقدم المدرسة فرصة الاستفادة من درس نموذجي واحد أولاً، قبل أن يلتزم الطالب بالدورة التدريبية التي تمتد إلى 10 حصص على 3 أشهر. كما يمكن للطالب اختيار حل وسط بدورة سريعة تمتد لـ5 حصص فقط. وتصل تكلفة الدورة المكونة من 10 حصص إلى 1295 جنيهاً (1685 دولاراً)، ويحصل الطالب بالإضافة إلى الحصص على دليل مكتوب في مائة صفحة للتدريب اللغوي، وخطة عمل مخصصة له، بالإضافة إلى واجبات دراسية أسبوعية. وللمدرسة فرعان في لندن: أحدهما في حي مايفير، والآخر في جي السيتي، شرق لندن بالقرب من بنك إنجلترا.