أديس أبابا «قلقة» من القواعد العسكرية في البحر الأحمر

وزير الري السوداني: إثيوبيا ستبدأ الملء الثاني في يوليو

وزير الري السوداني ياسر عباس يبحث مع وفد الاتحاد الأوروبي مفاوضات سد النهضة (سونا)
وزير الري السوداني ياسر عباس يبحث مع وفد الاتحاد الأوروبي مفاوضات سد النهضة (سونا)
TT

أديس أبابا «قلقة» من القواعد العسكرية في البحر الأحمر

وزير الري السوداني ياسر عباس يبحث مع وفد الاتحاد الأوروبي مفاوضات سد النهضة (سونا)
وزير الري السوداني ياسر عباس يبحث مع وفد الاتحاد الأوروبي مفاوضات سد النهضة (سونا)

في الوقت الذي قللت فيه أديس أبابا من اعتراضات مصر والسودان على إعلان رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، عن اعتزامه «إنشاء 100 سد جديد»، أعرب الناطق باسم خارجيتها عن «القلق» من «الاهتمام المتصاعد بإنشاء قواعد عسكرية في نطاق البحر الأحمر». وأعلن وزير الري السوداني أن إثيوبيا ستبدأ الملء الثاني في يوليو (تموز) المقبل دون اعتبار لمطالب دول المصب.
وقال السفير دينا مفتي، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، أمس، في بيان نقلته الوكالة الرسمية للبلاد، إن «دولاً مختلفة أعربت عن اهتمامها بالسيطرة على منطقة البحر الأحمر أكثر من أي وقت مضى».
كما عبّر عن اعتقاده أن «دولاً أخرى تعمل بالفعل على توسيع قدراتها المالية والعسكرية للعمل في البحر الأحمر»، واصفاً الوضع بـ«المقلق». وتأتي تصريحات مفتي بعد أيام من زيارة لافتة للرئيس المصري عبد الفتاح لجيبوتي، وهي الجار اللصيق لإثيوبيا ومنفذها الوحيد على البحر الأحمر.
وتشارك مصر وجيبوتي مع «السعودية، والأردن، والسودان، واليمن، والصومال، وإريتريا» ضمن «مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن» والذي يقع مقره في الرياض، وتم إعلان تأسيسه مطلع العام الماضي.
كما دشّنت مصر في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، قاعدة «برنيس» العسكرية ذات العتاد الكبير والمتنوع، ووصفتها القاهرة بـ«الأكبر في البحر الأحمر»، وذلك على الحدود المصرية الجنوبية المطلة على البحر الأحمر.
وقال مفتي، أمس، إن «مصر والسودان تثيران قضية إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي مؤخراً أنه سيبني 100 سد صغير ومتوسط»، واستكمل المتحدث الإثيوبي: «ما دمنا ملتزمين بالقانون الدولي، فما المشكلة؟».
وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، أول من أمس (الثلاثاء)، عن رفضها تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بشأن نية إثيوبيا بناء عدد من السدود في مناطق مختلفة من البلاد.
ورأى المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد حافظ، أن التصريح «يكشف مجدداً عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية، التي تتشاركها مع دول الجوار كأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومُسَخّرة لخدمة مصالحها».
وتشيّد أديس أبابا «سد النهضة» على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل، منذ سنوات، واكتمل بنسبة 80%، فيما تطالب مصر والسودان (دولتا المصب)، إثيوبيا، بإبرام اتفاق قانوني مُلزم ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد، بما يجنبهما أضراراً متوقعة على إمداداتهما من المياه.
لكن إثيوبيا تسعى إلى تنفيذ عملية الملء الثانية لخزان السد في يوليو المقبل، رغم الضغوط الدولية التي تطالبها بتبديد المخاوف المصرية والسودانية، قبيل الشروع في التعبئة.
وقال مفتي، أمس، إن «المحادثات مع دول حوض النهر حول قضية سد النهضة مستمرة»، مضيفاً: «إذا استخدمت إثيوبيا مواردها الطبيعية فلن تضر».
من جهته قال وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس، إن إثيوبيا ستبدأ الملء الثاني لسد النهضة مع بدء موسم الأمطار في يوليو المقبل، مذكّراً بالخسائر الفادحة التي ستطال بلاده جراء الإقدام على هذه الخطوة دون التوقيع على اتفاق قانونيّ ومُلزم بين السودان ومصر وإثيوبيا.
وقدم عباس لدى لقائه أمس، فريق الاتحاد الأوروبي الذي يزور الخرطوم هذه الأيام، برئاسة مستشارة وزير الخارجية الفنلندي، كاتيا ألفورز، شرحاً عن سير مفاوضات سد النهضة.
وذكر وزير الري السوداني أن «إثيوبيا اتخذت بالفعل قرار الملء الشهر المقبل وذلك بالبدء العملي في تعلية الممر الأوسط لسد النهضة في مايو (أيار) الماضي».
وأضاف: «سيتم الملء الأحادي الجانب تلقائياً عندما يزيد وارد المياه عن سعة الفتحتين السفليتين، وهذا ما سيحدث عند بدء موسم الأمطار في يوليو المقبل».
وأوضح للفريق الزائر أن المفاوضات كانت محصورة في التوصل لاتفاق حول الملء والتشغيل فقط، إلا أن إثيوبيا غيَّرت موقفها فجأة وبدأت تتحدث عن تقاسم حصص للمياه، وهو ما يرفضه السودان بصورة قاطعة.
وأكد عباس وجود فوائد كثيرة من سد النهضة للسودان، لكنه حذّر من تحولها إلى مخاطر فادحة إذا لم يتم توقيع اتفاق قانوني مُلزم بين الدول الثلاث، مشيراً إلى الآثار السلبية على سد «الرصيرص» التي تتمثل في نقصان مساحات الجروف وأضرار بيئية على السودان.
وقال وزير الري السوداني إن بلاده اقترحت توسيع مظلة المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي بضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأميركا لكنّ إثيوبيا رفضت ذلك.
وكان السودان قد دعا الاتحاد الأوروبي لدعم موقفه بتعزيز آلية التفاوض وتوسيع مظلة الوسطاء، والعمل على إقناع الأطراف الثلاثة لدفع مفاوضات سد النهضة.
وتتزامن زيارة الفريق الأوروبي للخرطوم مع جولة جديدة للمبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، تشمل السعودية والإمارات وقطر وكينيا، لحل النزاع حول سد النهضة.
وأنهت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي أمس، جولة لدول غرب أفريقيا (نيجيريا، وغانا، والسنغال، والنيجر) لشرح موقف السودان في قضية سد النهضة.
وأكدت المهدي في لقاءاتها مع رؤساء الدول، أهمية الوصول لاتفاق برعاية الاتحاد الأفريقي والشركاء الدوليين. ورفض السودان في أبريل (نيسان) الماضي عرضاً من إثيوبيا، بتبادل المعلومات حول الملء الثاني لسد النهضة، مشدداً على أن يتم ذلك ضمن اتفاق قانوني ومُلزم للملء والتشغيل.



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».