بري ينتظر جواباً من باسيل استبقه بردود ملتبسة

باريس تواكب ردود الفعل على مبادرته

TT

بري ينتظر جواباً من باسيل استبقه بردود ملتبسة

كشف مصدر سياسي عن أن باريس لم تسحب مبادرتها لإنقاذ لبنان من التداول وأنها تراهن على تجاوب الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة مع العرض الذي تقدّم به رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإخراج عملية التأليف من المراوحة التي تدور فيها، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه تلقى اتصالاً من الفريق الفرنسي الأعضاء في خلية الأزمة التي شكّلها الرئيس إيمانويل ماكرون للاستفسار منه عما آلت إليه المشاورات لتذليل العقبات التي تؤخر تأليفها، في إشارة إلى اللقاء الذي عُقد بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والمعاونَين السياسيين؛ لرئيس البرلمان علي حسن خليل، وللأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل، في حضور مسؤول التنسيق والارتباط في «الحزب» وفيق صفا.
ولفت المصدر السياسي إلى أن الرئيس بري و«إن كان يستقوي بالصبر قبل أن يقول كلمته في ضوء الموقف النهائي لباسيل من العرض الإنقاذي الذي تقدم به والذي حظي بموافقة الرئيس المكلف سعد الحريري، فإن ما صرّح به باسيل بتأييده جهود رئيس المجلس بمعاونة (حزب الله) للإسراع بتشكيل الحكومة يتعارض كلياً والأجواء التي سادت اجتماعه بـ(الخليلين) في القصر الجمهوري في بعبدا».
وقال إن باريس الآن على بيّنة من مواقف الأطراف من مبادرة بري الذي صارح الفريق الفرنسي الذي اتصل به واضعاً أمامه النقاط على الحروف من دون مراعاته لهذا الفريق أو ذاك، وأكد أن باسيل ليس في وارد تسهيل تشكيل الحكومة برئاسة الحريري، مستغرباً ما صدر أخيراً عن الدوائر المعنية في القصر الجمهوري بأن الرئيس ميشال عون لم يطّلع على العرض الذي طرحه برّي مع أن اللقاء عُقد في بعبدا وعلى مرمى حجر من مقر إقامته.
وسأل: «هل يُعقل أن يحجب باسيل عن عون تفاصيل العرض الذي أعده بري، مع أنه أُدرج بنداً وحيداً على جدول أعمال اللقاء الذي عقده مع الخليلين بحضور صفا المكلف من (الحزب) التواصل مع عون وباسيل؟!». وقال إن «مجرد صدور هذا الموقف عن القصر الجمهوري يعني حُكماً أن باسيل ينوب عنه بالتفاوض ويتصرّف على أنه رئيس الظل غير المنتخب».
وأكد المصدر نفسه أن «إصرار باسيل على التعاطي في العلن بإيجابية مع مبادرة بري يكمن في أنه يمارس سياسة شراء الوقت؛ وإنما على خلفية عدم الدخول في اشتباك مع الثنائي الشيعي بعد أن نصح الأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصر الله بضرورة الاستعانة برئيس البرلمان لتذليل العقبات التي تعترض ولادة الحكومة»، وقال إن باسيل «يُبدي إيجابية في الشكل وليس في المضمون للإبقاء على التواصل يدور في حلقة مفرغة».
ورأى أن «المشكلة الوحيدة التي تؤخر تشكيل الحكومة تتعلق بتسمية الوزيرين المسيحيين بعد أن أبدى الحريري مرونة وانفتاحاً أتاح لبري إعادة تشغيل محرّكاته، خصوصاً أنه لم يعد من مشكلة حول من يتولى وزارتي الداخلية والعدل شرط عدم تمكين أي فريق من الاحتفاظ بالثلث الضامن»، وقال إن «باسيل تقدّم بمخرج ملغوم يتعلق بتسميتهما يؤمن لعون الحصول على الثلث الضامن وإن كان يتعفف عن المشاركة في الحكومة، وبالتالي منحها الثقة».
وسأل المصدر: «كيف يوفّق باسيل بين انفتاحه على مبادرة بري وبين إصداره (مذكرة جلب) للمكوّنات الرئيسة في البلد لحضور المؤتمر الوطني للحوار، في حال بادر عون إلى توجيه الدعوة لحضوره للبحث في جدول أعمال ببنده الأول الخاص بأزمة تشكيل الحكومة؟».
وعدّ أن مطالبته بعقد مؤتمر وطني تشكّل «التفافاً على مبادرة بري من جهة؛ وتأتي في سياق مصادرته صلاحيات الرئيس المكلف تشكيل الحكومة بإخضاعه عملية التأليف لوصاية غير مسبوقة أقل ما يقال فيها إنها واحدة من الهرطقات الدستورية التي تطبخ في مطبخ الفريق السياسي لعون الذي لا يحرك ساكناً إلا بموافقة باسيل»، وأكد أن «ما يهم باسيل أن يعيد إنتاج نفسه».
وقال المصدر السياسي إن «مجرد الدعوة لمؤتمر حوار وطني سيلقى رفضاً من أبرز المكوّنات السياسية؛ لأنها تأتي من رئيس جمهورية قرر أن يكون طرفاً في النزاع بدلاً من أن يتصرف على أنه المرجع القادر على جمع اللبنانيين لفض النزاع السياسي القائم بين القيادات السياسية الرئيسية»، ورأى أن باسيل «كان رفض الدعوة لعقد اجتماع لرؤساء الكتل النيابية برعاية بري انطلاقاً من تقديره بأنه لن يجلس إلى طاولة واحدة مع الحريري لأن من يستحضر الاجتماع رئيسة كتلة (المستقبل) بهية الحريري».
لذلك؛ فإن باسيل - بحسب المصدر - «لم يعد من أولويات لديه سوى أن يعيد إنتاج نفسه، وهذا ما يصطدم برفض خصومه الذين يحمّلونه مسؤولية إعاقة تشكيل الحكومة مستفيداً من الوهج المتبقّي لعون وإن أخذ يتضاءل في ظل إصرار الأخير على إطلاق يده لإعادة تعويم نفسه، وإلا فكيف يسمح له بأن يجتمع بـ(الخليلين) في بعبدا الذي يُفترض بصاحبه أن ينأى بنفسه عن الخلافات، وهذا ما لم يفعله؟».
وعليه؛ فإن باسيل وإن كان يلوّح باستقالة نوابه من البرلمان مستعجلاً إجراء انتخابات مبكرة، فإنه أحجم عن التلويح بها في اجتماعه بـ«الخليلين».
فيما الاعتذار عن تأليف الحكومة ليس مدرجاً حتى الساعة على جدول أعمال الحريري الذي وإن كان يدعم مبادرة بري إلى أقصى الحدود؛ فإنه لن يبقى صامتاً للأبد، وعندها سيكوّن من وجهة نظره الموقف في ضوء الجواب النهائي لباسيل عن مبادرة بري، رغم أن دعوته لانتخابات مبكرة؛ ولو من باب التهويل، يراد منها الالتفاف على الدور الإنقاذي لرئيس البرلمان.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.