البنك الدولي يتهم سياسيي لبنان بحماية نظام اقتصادي مفلس

مسؤول مالي يحذر من مضاعفة سرعتي التدهور وتكلفة الإنقاذ

البنك الدولي يتهم سياسيي لبنان بحماية نظام اقتصادي مفلس
TT

البنك الدولي يتهم سياسيي لبنان بحماية نظام اقتصادي مفلس

البنك الدولي يتهم سياسيي لبنان بحماية نظام اقتصادي مفلس

يرتقب أن يفرض التقرير الأحدث الصادر عن البنك الدولي إيقاعاً جديداً على الملفات الداخلية في لبنان، سنداً إلى استخلاصه بأن «الأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب لبنان من بين الأزمات العشر، وربما من بين الثلاث، الأكثر حدة عالمياً منذ أواسط القرن التاسع عشر»، وبإشهار الاتهام الصريح بوجود توافق سياسي حول حماية نظام اقتصادي مفلس أفاد أعداداً قليلة لفترة طويلة، وبغياب التوافق بشأن المبادرات الفعالة في مجال السياسات.
ورصد مسؤولون في القطاع المالي والمصرفي تحولاً مفصلياً في مقاربات أكبر المؤسسات المالية الدولية للشأن اللبناني، حيث اتسم التقييم الدوري الشامل بحدة غير مسبوقة لجهة التأكيد بأنه «لا تلوح في الأفق أي نقطة تحول واضحة»، في مواجهة التحديات الهائلة التي تعانيها البلاد، وبحيث يهدد التقاعس المستمر في تنفيذ السياسات الإنقاذية، وغياب سلطة تنفيذية تقوم بوظائفها كاملة، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلاً والسلام الاجتماعي الهش.
ونبه مسؤول مالي من دخول البلاد الوشيك في حقبة تعميم أوسع للتقديرات الدولية السلبية المتصلة بالملفات المالية والنقدية والاقتصادية، مما ينذر بتقويض أي تطلعات لإيقاف التدهور المتوالي بوتيرة صاعدة، ويضاعف بالوتيرة عينها حجم الخسائر المقدرة بين 55 و85 مليار دولار، التي كان بالإمكان معالجتها تدريجيا عبر عقد اتفاقية برنامج مع صندوق النقد الدولي والوعود الخارجية بدعم مالي وتمويلي يتزامن مع الشروع بتنفيذ خطة إصلاحات هيكلية شاملة عبر حكومة جديدة ومتجانسة.
وقدّر «أن المؤسسات المالية ووكالات التصنيف والتقييم، سترفع تباعاً من مستوى (المخاطر) المحدقة بالمؤشرات المالية والنقدية في حال استمرار تعثر الملف الحكومي». لافتاً إلى حقيقة تفاقم «المحفزات المحتملة لنشوب اضطرابات اجتماعية». فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتنامية الخطورة، بحسب التقرير، تهدد بقصور النظام الوطني بما لذلك من آثار إقليمية، وربما عالمية. كذلك ينبغي التوقف ملياً عند إشارة البنك الدولي اللافتة إلى أن «تاريخ لبنان محفوف بحرب أهلية طويلة وصراعات متعددة، وبأنه يقع في نطاق البلدان التي تشهد هشاشة وصراعا وعنفا».
ويقع ضمن حزمة التحذيرات، تأكيد ساروج كومارجاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي بأن لبنان يواجه «استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، ومن المرجح أن تغتنم العمالة ذات المهارات العالية الفرص في الخارج بشكل متزايد، مما يشكل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد». مضيفاً: «وحدها حكومة ذات توجه إصلاحي، تشرع في مسار موثوق نحو الانتعاش الاقتصادي والمالي وتعمل عن كثب مع جميع الجهات المعنية، بإمكانها أن تعكس اتجاه لبنان نحو المزيد من الغرق في الأزمة وتمنع المزيد من التشرذم الوطني».
وبالفعل، لا تزال الأوضاع في القطاع المالي آخذة في التدهور، في حين ثبت أن التوصل إلى توافق في الآراء بين الجهات المعنية الرئيسية بشأن تقاسم أعباء الخسائر أمر بعيد المنال. وتتسم أعباء استمرار إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة أو تقليص ميزانية القطاع المصرفي بالطابع التراجعي، حيث تركزت على صغار المودعين ومعظم القوى العاملة والشركات الصغيرة.
ويرزح أكثر من نصف السكان على الأرجح، بحسب تقديرات البنك الدولي، تحت خط الفقر الوطني، حيث يعاني الجزء الأكبر من القوى العاملة التي تحصل على أجورها بالليرة اللبنانية من انخفاض القوة الشرائية. ومع ارتفاع معدل البطالة، تواجه نسبة متزايدة من الأسر صعوبة في الحصول على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية.
وسلط التقرير، الذي تم تعميمه ليل الاثنين، الضوء على صعوبة ردع نفاد الاحتياطي وتفادي دفع البلاد إلى تعديل أسعار الصرف بشكل غير منظم وشديد الخلل، إلا من خلال وضع استراتيجية شاملة ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي. مؤكدا أن الدعم الحالي للواردات الأساسية بالعملات الأجنبية هو دعم مشوه ومكلف وتراجعي، ومن شأن إلغائه واستبداله ببرنامج موجّه أكثر فعالية وكفاءة لصالح الفقراء أن يحسّن من ميزان المدفوعات، عبر تمديد فترة استنفاد الاحتياطي المتبقي لدى مصرف لبنان، مع المساعدة في تخفيف التأثير على الفقراء. ومع ذلك، تبقى هذه الحلول مؤقتة، ودون المستوى الأمثل.
وقد أدى الكساد المتعمد إلى زيادة تقويض الخدمات العامة كالتعليم والكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي المتردية أصلاً، في ظل زيادة نسبة الأسر غير القادرة على تحمل تكاليف البدائل التي يوفرها القطاع الخاص. وسيكون للتدهور الحاد في الخدمات الأساسية آثار طويلة الأجل، تتمثل بالهجرة الجماعية، وخسائر في التعلم، وسوء النواتج الصحية، والافتقار إلى شبكات الأمان الفعالة. كما سيكون إصلاح الأضرار الدائمة في رأس المال البشري أمراً بالغ الصعوبة. ولعل هذا البعد من أبعاد الأزمة اللبنانية ما يجعلها فريدة من نوعها مقارنة بالأزمات العالمية الأخرى.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.