تشهد مناطق شمال غربي سوريا، حالة من الازدهار والانتعاش الاقتصادي والنمو التجاري للسلع وأسواق السيارات المستوردة وقطع التبديل، وتنفيذ المشاريع الخدمية وبناء الصالات التجارية والأسواق، بعد أن شهدت هذه المناطق حالة من الاستقرار والهدوء على الصعيد الأمني.
ويقول أبو سامر، أحد تجار السيارات الحديثة والمستعملة «المستوردة» في منطقة سرمدا الحدودية شمال إدلب، إنه «منذ ما يقارب العام بدأت مناطق الشمال السوري تتعافى من ويلات الحرب واستقرار الوضع الأمني فيها وتحسن مستمر على الصعيد الاقتصادي، ما دفع عدداً كبيراً من التجار إلى الشروع بافتتاح مكاتب ومعارض لتجارة السيارات، بعد تزايد الطلب على شرائها من قبل المواطنين، تحديداً السيارات المستعملة المستوردة من أوروبا عبر تركيا، نظراً لأسعارها التي تناسب شريحة كبيرة من السوريين».
ويضيف: «خلال الأشهر الأخيرة شهدت مناطق إدلب وسرمدا والدانا وحزانو افتتاح أكثر من 200 مكتب ومعرض لبيع السيارات الأوروبية المستعملة وأيضاً الحديثة، حيث يتم استيرادها من كوريا ومن دول عدة في أوروبا بواسطة شركاء في تلك الدول وشحنها إلى تركيا، ومن ثم إدخالها إلى داخل الأراضي السورية عبر منفذ باب الهوى الحدودي»، وذلك عقب التوصل لاتفاق بين التجار السوريين والسلطات التركية مطلع العام الحالي 2021، بالسماح باستيراد السيارات المستعملة، وقطع التبديل بطريق الترانزيت عبر الأراضي التركية.
ويتابع: «العدد الكبير من المستوردين للسيارات المستعملة، إضافة إلى الانتشار الكبير لمكاتب ومعارض السيارات في الشمال السوري، خلق حالة من التنافس بين التجار في تخفيض أسعارها أمام المواطن، فضلاً عن عدم إضافة أي رسوم أو ضرائب على السيارات أثناء إدخالها إلى سوريا، وبذلك بات بإمكان شريحة كبيرة من المواطنين شراء السيارات»، لافتاً إلى أن أسعار السيارات تتراوح ما بين 2000 إلى 10 آلاف دولار أميركي، وذلك حسب ماركة السيارة وتاريخ صناعتها ومصدر استيرادها، فعلى سبيل المثال «سعر السيارة من طراز مرسيدس موديل عام 2000 يتراوح أسعارها بين 2500 إلى 3500 دولار أميركي، بينما أسعار السيارات التي يعود موديلها وتاريخ صناعتها إلى ما بعد 2015 تتراوح أسعارها بين 5000 - 10000 دولار، الأمر الذي ساهم في نمو التجارة بالسيارات وقطع التبديل شمال سوريا، وبالتالي بدأت تشهد المناطق الصناعية وصيانة السيارات حركة عمل لم تشهدها سابقاً، وفتح ذلك الباب أمام العاطلين عن العمل وتوفر الفرص أمامهم».
تجارة في مواد البناء
«أبو مجد»، نازح من مدينة حمص، صاحب منشأة لصناعة البلاط والطوب والرخام في مدينة الدانا شمال إدلب، يقول: «تشهد عموم مناطق الشمال السوري خلال الآونة الأخيرة، حالة من الازدهار والانفراج على الصعيد الاقتصادي والقطاع التجاري»، ويعود السبب بذلك إلى «حالة الاستقرار والأمان التي شجعت رؤساء الأموال في افتتاح المشاريع الإنتاجية والمعامل والمصانع، وفتح فرص العمل أبوابها أمام المواطنين».
ويضيف: «على سبيل المثال هُجرت منذ 3 أعوام من مدينتي حمص، ولجأت إلى مدينة الدانا شمال إدلب، ومع منتصف العام المنصرم، ومع تحسن الوضع الأمني، شرعت بافتتاح منشأة لصناعة الطوب والرخام والبلاط وأسطوانات الصرف الصحي»، وتطلب ذلك توفير أكثر من 30 فرصة عمل للشباب في المنشأة، بأجور يومية تصل إلى 40 ليرة تركية، وحتماً هذا ساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية وقدرتهم على شراء مستلزماتهم الحياتية وتطوير أماكن إقامتهم، كما في قطاعات أخرى منها صناعية وتجارية.
من جهته، يقول بلال الحسين، وهو نازح من ريف حماة ويعمل في أحد المطاعم لتقديم الوجبات السريعة، على طريق سرمدا - الدانا شمال إدلب، «منذ بضعة أشهر حصلت على فرصة العمل في المطعم بعد إعلانه عن حاجته لعمال، بأجر أسبوعي يصل إلى 300 ليرة تركية، أو ما يعادل 40 دولاراً أميركياً، ومنذ ذلك الحين بدأت حياتي وأسرتي بالتحسن معيشياً، وبات بإمكاني التسوق وشراء ما يفرح الأطفال». ويضيف: «أعمل يومياً 10 ساعات متواصلة إلى جانب 11 عاملاً في المطعم، في تقديم الوجبات للزبائن، نظراً لإقبال الأهالي على تناول الطعام، خصوصاً يوم الجمعة وأيام العطل والأعياد».
ويقول سعيد النجار، صاحب صالة «ملاهي وألعاب أطفال»، «يشهد موسم الصيف هذا العام إقبالاً كبيراً من المواطنين بشكل يومي على زيارة صالات الألعاب والملاهي للترفيه والتسلية واللعب، خلافاً لما شهدته المواسم السابقة من ركود وضعف في زيارة الصالات والملاهي»، لافتاً إلى أنه يزور صالته يومياً مئات الأسر، وهذا إن دل يدل على أن هناك انفراجاً معيشياً عند المواطنين في الشمال السوري.
بينما أبو سومر صاحب متجر ومول في منطقة سرمدا، فيقول إن مناطق إدلب والشمال «تشهد نهضة غير مسبوقة في بناء وافتتاح المولات والصالات التجارية وسلع غذائية وأدوات منزلية، ويعتمد أصحابها على البضائع الجديدة المستوردة من تركيا وتسويقها، فضلاً عن أن هذه المولات والصالات مجهزة وفق أفضل المعايير من حيث الديكور والتصميم وعرض السلع والبضائع».
ويوضح مسؤول العلاقات العامة في «حكومة الإنقاذ» التي تدير الجانب الإداري في إدلب، أن العمل من قبل الحكومة «جار على تقديم كل التسهيلات التي من شأنها المساهمة في إحداث نهضة تجارية في مناطق إدلب، من خلال عدم فرض أي ضرائب أو رسوم ضخمة على البضائع والسلع المستوردة من تركيا وغيرها عبر بوابة باب الهوى شمال إدلب، وأيضاً تقدم التسهيلات في عمليات التخليص الجمركي للبضائع، كما يجري العمل على تعبيد وتسوية الطرق التي تربط المدن بعضها ببعض، لتسهيل حركة نقل البضائع والسلع». ويضيف: «تعمل حكومة الإنقاذ في خطة منظمة ومدروسة تهدف إلى توفير كل ما يساهم في نمو القطاع التجاري والصناعي والزراعي، لتوفير أكبر عدد من فرص العمل للشباب»، لافتاً إلى تراجع نسبة البطالة نحو 30 في المائة، وذلك من خلال العقود والتراخيص المقدمة من الشركات التي يتم إنشاؤها، وعدد العمال لديها، موضحاً أنه تم ترخيص ما يقارب 400 شركة تجارية في إدلب خلال العام الحالي.