التنافس بين واشنطن وبكين كان حاضراً في حرب غزة

الصين «ولعبة غزة»... إسرائيل مقابل شينجيانغ؟

وزير الخارجية الهنغاري جنوب إسرائيل مع نظيره الإسرائيلي لاستطلاع مبنى استهدف بصاروخ من حماس في المواجهة الأخيرة (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الهنغاري جنوب إسرائيل مع نظيره الإسرائيلي لاستطلاع مبنى استهدف بصاروخ من حماس في المواجهة الأخيرة (أ.ف.ب)
TT

التنافس بين واشنطن وبكين كان حاضراً في حرب غزة

وزير الخارجية الهنغاري جنوب إسرائيل مع نظيره الإسرائيلي لاستطلاع مبنى استهدف بصاروخ من حماس في المواجهة الأخيرة (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الهنغاري جنوب إسرائيل مع نظيره الإسرائيلي لاستطلاع مبنى استهدف بصاروخ من حماس في المواجهة الأخيرة (أ.ف.ب)

عدّ الدبلوماسي الإسرائيلي إيال بروفر، النشاط الصيني السياسي في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، جزءاً من التنافس الأميركي - الصيني السياسي، على حساب إسرائيل. وقال في دراسة أجراها معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إن على إسرائيل أن تُبلغ الصين أنها بهذه الطريقة تُلحق ضرراً بمصالحها في الشرق الأوسط. وكان بروفر، الذي شغل منصب الملحق الثقافي والأكاديمي في الصين لأربع سنوات (1992 - 1995)، ونائب السفير في بكين (2002 - 2006)، والقنصل الإسرائيلي العام في شنغهاي (2017 - 2020)، قد ترأس طاقم بحث خلال الحرب الأخيرة، الشهر الماضي، حول تصرفات الصين عند توليها رئاسة مجلس الأمن الدولي.
واندلعت الأزمة بين إسرائيل و«حماس» في غزة أثناء تولي الصين الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، مما أتاح لها فرصة لتعزيز مصالحها القومية، لا سيما في سياق إقليم شينغ يانغ (الأقلية المسلمة)، وتصادمها مع سياسة الولايات المتحدة تجاه المسلمين. هذا مع التأكيد على قدرة الصين على أداء دور ذي مغزى أكبر في الصراع بالشرق الأوسط؛ بما في ذلك استضافة محادثات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. واستغل المتحدثون باسم وزارة الخارجية الصينية وأكاديميون صينيون، الأزمة في غزة فرصةً لتوجيه أصابع الاتهام تجاه ما يرونها سياسة أحادية الجانب ومنحازة من قِبل الولايات المتحدة التي تواصل دعم إسرائيل ولا تساعد حقوق الإنسان في غزة. وقالت هوا تشونينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، في 14 مايو (أيار) الماضي، رداً على سؤال عن العمل اللازم تجاه إسرائيل، بأن «الصين بصفتها رئيس مجلس الأمن، تعمل للتوسط بين الطرفين، ولكن الولايات المتحدة وحدها تمنع إصدار بيان، فهي تدعي أنها تحرص على حقوق المسلمين، ولكن عندما يصاب عدد كبير من الفلسطينيين المسلمين، فإن الولايات المتحدة تغض الطرف عن معاناتهم وتمنع شجباً عالمياً. وفي الوقت نفسه تجري الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، مع بريطانيا وألمانيا، لقاءات عديمة المعنى بشأن شينغ يانغ بهدف إطلاق اتهامات عابثة ضد الصين».
إن قرار وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بأن يقود شخصياً جلسة خاصة لمجلس الأمن في نقاش مفتوح حول الأزمة في غزة (16 مايو الماضي)، جاء لتشديد الأهمية التي توليها الصين للقضية وموقفها من إيجاد حل عادل للمشكلة الفلسطينية، بخلاف الولايات المتحدة. وفي المعلومات التي نشرتها الصين قبل اللقاء الخاص بمجلس الأمن، محادثات أجراها وزير الخارجية الصيني والمندوب الدائم للصين لدى الأمم المتحدة قبل اللقاء. وأوضح وزير الخارجية وانغ، في حديث مع وزير الخارجية الباكستاني، أن السبب الرئيسي للوضع الحالي هو السياسة المغلوطة التي مارستها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في السنوات الأخيرة، والتي تجاهلت الحاجة لمواصلة عملية السلام في الشرق الأوسط وتحقيق حل الدولتين؛ مما أدى إلى استمرار انتهاك حقوق الإنسان الفلسطينية. ونشر المندوب الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، عن اجتماعات تحضيرية مع اللجنة الثلاثية (ترويكا) لجامعة الدول العربية قبل الاجتماع، في ظل «تفهم مخاوفهم». ولم تجر أي محادثات بين المسؤولين الصينيين والإسرائيليين، رغم أهمية فهم دوافع الجانبين قبل الاجتماع. كما لم تُدرج الصين موقف إسرائيل في المسودات التي اقترحها مجلس الأمن؛ بما في ذلك إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية من قبل «حماس» و«الجهاد الإسلامي»؛ وهو الموقف الذي أدى إلى استخدام الولايات المتحدة حق «الفيتو» على المسودات الصينية.
ودعا وزير الخارجية الصيني في الجلسة العلنية الخاصة لمجلس الأمن، إلى إيجاد حل دبلوماسي للصراع، ورغم أنه لم يهاجم إسرائيل بشكل مباشر، فإنه طالب كل الأطراف بوقف العنف ضد المدنيين والموافقة على الوقف الفوري لإطلاق النار، إلا إنه أضاف دعوة لإسرائيل لـ«ضبط النفس في استخدام القوة». وشدد الوزير الصيني على فشل مجلس الأمن في صياغة بيان مشترك فقط بسبب «دولة واحدة»، واستطرد أن على الأمم المتحدة أن تؤدي دوراً فاعلاً أكثر في السعي إلى حل الدولتين. وعلى حد قوله؛ فإن الصين كـ«صديق حقيقي للشعب الفلسطيني»، ستعزز جهودها لدفع المفاوضات بموجب خطة «النقاط الأربع» للرئيس شي جين بينغ من عام 2017. وفي جزء من ذلك، كررت الصين دعوة إسرائيل والفلسطينيين لزيارة الصين وإجراء محادثات مباشرة.
إن تحويل الأزمة الحالية إلى موجات من الصراع المتواصل مع الولايات المتحدة، في ظل تعزيز الرواية القائلة إن الصين صديقة الفلسطينيين والمسلمين، تهدف إلى مساعدة الصين في جوانب عدة، خصوصاً تحقيق المصالح القومية الصينية؛ وليس بالتحديد حرصها على حل المشكلة الفلسطينية.
ومن بين أمور أخرى؛ يهتم الصينيون بما يلي:
* تقديم دور الصين بوصفها قوة عظمى مسؤولة ومعتدلة، تعمل بلا كلل على إيجاد حل دبلوماسي للسلام في وقت الأزمة الإنسانية القاسية التي تعصف بالمسلمين؛ بخلاف الولايات المتحدة التي تمنع ذلك.
* استخدام الأزمة الحالية في الشرق الأوسط لصرف الجدل الإعلامي والسياسي عمّا يجري في شينجيانغ، وذلك بزعم أن الولايات المتحدة تعمل بالتوازي على دعاية زائفة ضد الصين في أنها تمس بالمسلمين، في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة نفسها مساعدة سكان غزة.
يغضب الصينيون من دعوات متزايدة في الولايات المتحدة لمقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية التي يفترض أن تُجرى في فبراير (شباط) 2022 في بكين، بسبب معاملة الصين للمسلمين الإيغوريين في شينغ يانغ. وهكذا في الأسبوع الأول من الحملة في غزة، وخلالها، نُشرت في الصين وفي أرجاء العالم الإسلامي، صور عديدة تضمنت الأذى الذي لحق بالفلسطينيين، وعرضت وسائل الإعلام الصينية بالتوازي، صور احتفالات عيد الفطر في أرجاء شينغ يانغ مع إبراز الحرية التي يحظى بها المسلمون في الصين، بخلاف الزعم الأميركي والغربي بشأن الضرر الذي لحق بهم من الصين. وكلما طال الوضع في غزة، أكدت وسائل الإعلام الصينية رسائلها حول الضرر من إسرائيل الذي أُلحق بالسكان المسلمين وبالدعم الأميركي الذي تحظى به إسرائيل.
لقد أُقحمت إسرائيل بغير إرادتها، في هذا السياق من قبل الصينيين، في المواجهة المتواصلة بين القوتين العظميين. ولم تجر اتصالات رفيعة المستوى بين إسرائيل والصين في السنة الأخيرة. وذلك في الوقت الذي قام فيه مسؤولون صينيون؛ بمن فيهم وزير الخارجية، بزيارات إلى الشرق الأوسط، وأجروا محادثات مع نظراء عرب ومسلمين. وشملت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الصيني إلى الشرق الأوسط في مارس (آذار) 2021 إيران وتركيا والسعودية والإمارات وعُمان والبحرين. وإذا كان الصينيون قد حددوا إسرائيل في الماضي على أنها واحدة من الدول الخمس المركزية في الشرق الأوسط (إلى جانب مصر، والسعودية، وإيران، وتركيا)، وسعوا إلى تعزيز التعاون معها في جملة من المجالات، فإنه يحتمل أن يشهد التجاهل الحالي على ميل صيني إلى التقدم في العلاقات مع دول أخرى في الشرق الأوسط، وليس بالتحديد مع إسرائيل، التي تعدّ شريكة استراتيجية واضحة للجانب الأميركي.
إن تعاظم مكانة الصين وعرض قدرتها على القيام بدور أكبر في ساحة الشرق الأوسط؛ بما في ذلك دعوة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى محادثات مباشرة على أراضيها، يجبران إسرائيل على أن توضح أن الموقف الأحادي والتجاهل السياسي سيصعبان على الصين أن تكون وسيطاً عادلاً في المحادثات المستقبلية لحل الأزمة في الشرق الأوسط.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم