مشاريع سدود إثيوبية جديدة ترفع منسوب التوتر مع القاهرة

جانب من المناورة المصرية السودانية (المتحدث العسكري)
جانب من المناورة المصرية السودانية (المتحدث العسكري)
TT

مشاريع سدود إثيوبية جديدة ترفع منسوب التوتر مع القاهرة

جانب من المناورة المصرية السودانية (المتحدث العسكري)
جانب من المناورة المصرية السودانية (المتحدث العسكري)

فاقم تصريح لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، حول نية بلاده بناء عدد من السدود المائية، التوترات مع مصر. ووصفت القاهرة إعلان أديس أبابا بأنه «يكشف سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية، التي تتشاركها مع دول الجوار، وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها»، مطالبة بضرورة أن «تقام أي مشروعات مائية بعد التنسيق والاتفاق مع الدول التي قد تتأثر بها».
ودخلت مصر وإثيوبيا في نزاع منذ عام 2011، حول «سد النهضة»، الذي تبنيه الأخيرة على النيل الأزرق (الرافد الرئيسي لنهر النيل)، ويثير مخاوف في مصر والسودان حول حصتيهما من مياه النيل».
ويخوض البلدان بجانب السودان مفاوضات شاقة ومتعثرة، منذ نحو 10 سنوات، للتوافق على آليات تشغيل وملء السد، لكنها ورغم رعايتها عبر عدة أطراف دولية في فترات مختلفة، بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، أخفقت في الوصول إلى اتفاق، ولا تزال مجمدة».
وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، مساء أول من أمس، رفض مصر ما جاء في تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حول نية إثيوبيا بناء عدد من السدود في مناطق مختلفة من البلاد».
واعتبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد حافظ، التصريح «يكشف مجدداً عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية، التي تتشاركها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومُسَخرة لخدمة مصالحها».
وتتشارك مصر مع 10 دول أخرى في حوض النيل، إلا أن أكثر من 85 في المائة من حصتها المائية تأتي عبر فرع «النيل الأزرق» في إثيوبيا.
ولا تمانع مصر في إقامة دول الحوض مشروعات مائية أو استغلال موارد نهر النيل من أجل تحقيق التنمية لشعوبها، وفق تصريحات رسمية دائمة، إلا أن «هذه المشروعات والمنشآت المائية يجب أن تقام بعد التنسيق والتشاور والاتفاق مع الدول التي قد تتأثر بها، وفي مقدمتها دول المصب»، كما أشار بيان الخارجية.
وقال متحدث الخارجية المصرية إن «تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي ما هي إلا استمرار للنهج الإثيوبي المؤسف الذي يضرب عرض الحائط بقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، والتي تنظم الانتفاع من الأنهار الدولية، التي تفرض على إثيوبيا احترام حقوق الدول الأخرى المُشاطئة لهذه الأنهار وعدم الإضرار بمصالحها».
وكان أبي أحمد صرح الاثنين بأن إثيوبيا سوف تبني 100 سد صغير ومتوسط الحجم في مناطق متفرقة خلال السنة المالية المقبلة.
وأضاف أن «بناء هذه السدود هو السبيل الوحيد لمقاومة أي قوى معارضة لإثيوبيا»، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية الإثيوبية.
وتصاعد النزاع بين الدول الثلاث خلال الأسابيع الأخيرة بسبب إصرار أديس أبابا على تنفيذ الملء الثاني لخزان سد النهضة، في يوليو (تموز) المقبل، بصرف النظر عن التوصل لاتفاق، وهو ما ترفضه مصر والسودان بشكل قاطع وتراه تهديداً للأمن القومي المائي».
في السياق ذاته، شهد الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، يرافقه الفريق أول محمد عثمان الحسين رئيس هيئة الأركان السودانية المشتركة، المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك (حماة النيل) الذي استمرت فعالياته عدة أيام بالسودان، بمشاركة عناصر من القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي والقوات الخاصة من الصاعقة والمظلات لكلا البلدين».
ووفق بيان عسكري مصري، فإن المرحلة الرئيسية شهدت تنفيذ عناصر المظلات قفزة مشتركة أظهرت مدى التناغم بين عناصر القوات الخاصة في تنفيذ المهام بدقة وكفاءة عالية، وقيام المقاتلات متعددة المهام بتنفيذ أعمال الاستطلاع والقذف الجوي ضد الأهداف المعادية، كما قامت طائرات الهليكوبتر متعددة الطرازات بتنفيذ عمليات إبرار مشتركة للقوات الخاصة لكلا الجانبين للإغارة على أهداف معادية وتنفيذ عملية بحث وإنقاذ بقيام عناصر من القوات الخاصة المشتركة بتأمين منطقة الإبرار للطائرة وتنفيذ عملية الإنقاذ بنجاح».
واختتمت المرحلة الرئيسية باكتشاف هدف جوي معاد إذ تم التعامل معه وإصابته بأنظمة الدفاع الجوي الحديثة والمتطورة. وفي توقيت متزامن نفذت القوات البحرية لكلا البلدين عدة أنشطة بحرية للقوات الخاصة تضمنت رمايات غير نمطية وإغارة على بعض الأهداف الحيوية».
وأشاد الفريق فريد بالاستعداد القتالي العالي للقوات المشاركة في التدريب، واعتبره مؤكداً لـ«القدرة على مواجهة جميع التهديدات والتحديات التي تواجه مصر والسودان». فيما أعرب رئيس هيئة الأركان السودانية المشتركة عن تطلعه أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التعاون العسكري بين البلدين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.