قائد ميداني لـ«الشرق الأوسط»: هجمات «داعش» مستمرة من أجل الوصول لقاعدة «عين الأسد»

بينما يتدافع شباب ناحية البغدادي، المدينة الصغيرة (90 كلم غرب الرمادي مركز محافظة الأنبار)، للدفاع عن مدينتهم من الهجمات المستمرة لمسلحي تنظيم داعش، يقضي السكان من المدنيين الذين يتجاوز عددهم 50 ألف نسمة أيامهم بين صعوبة الحياة وقلة المؤن وانعدام الخدمات وشحة مياه الشرب رغم أن مدينتهم تجاور نهر الفرات.
ويصر تنظيم داعش على السيطرة على البغدادي لأهميتها الاستراتيجية المتمثلة بوجود ثاني أكبر قاعدة جوية عسكرية في العراق ضمن حدود الناحية وسقوطها بيد «داعش» يعني سقوطا وشيكا لقضاء حديثة الذي يحتوي هو الآخر على واحد من أكبر السدود المائية في العراق.
«الشرق الأوسط» دخلت ناحية البغدادي وتجولت في مناطقها، ففي جانب منها تسمع دوي المعارك وأصوات الرصاص وفي الجانب الآخر تسمع شكاوى ومعاناة أهلها.
وعند دخولنا للمدينة شهدنا ميدانيا معارك تدور رحاها بين القوات الأمنية العراقية ومقاتلي العشائر وبين مسلحي تنظيم داعش الذي حاول أمس اختراق الجهة الغربية للمدينة واستعادة السيطرة على الحي السكني الذي تمكنت القوات العراقية من تحريره بعد أن سيطر عليه المسلحون قبل 10 أيام وارتكبوا فيه أبشع الجرائم تمثلت في عمليات حرق للمدنين وهم أحياء.
العقيد شعبان العبيدي آمر فوج الطوارئ في ناحية البغدادي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم أن مسلحي تنظيم داعش ذاقوا مر الهزائم هنا في البغدادي فإنهم يتجمعون في كل مرة ويشنون هجمات تلو الأخرى لاحتلالها بأي ثمن كان». مضيفا «اليوم (أمس) حاول مسلحو التنظيم اقتحام مجمع الحي السكني مرة أخرى وتمركز الكثير منهم عند مداخل الحي السكني فتصدت قواتنا لتحشيداتهم واشتبكنا معهم من صباح هذا اليوم وهناك طلعات جوية تقوم بها طائرات التحالف الدولي لقصف مواقع تمركز المسلحين».
ويضيف العبيدي «رغم أننا أوقعنا خسائر بالمسلحين وتمكنا من قتل الكثير منهم فإنهم تمكنوا اليوم من إصابة العقيد سلام العبيدي مدير شرطة البغدادي بجروح واستشهد 3 من المقاتلين معه حيث كان العقيد سلام يقاتل من الخطوط الأمامية».
تركنا مواقع المواجهة واتجهنا صوب الأهالي من سكان ناحية البغدادي، يقول الحاج أبو أحمد (67 عاما) «كل أولادي هناك حيث التصدي لمسلحي داعش ومن تبقى هنا فقط بناتي وأحفادي، أولادي يقاتلون أعداءنا ونحن نجاهد في سبيل إيجاد ماء الشرب ومواد غذائية فكل البيوت في ناحية البغدادي استنفدت قوتها ومخزونها من المواد الغذائية وصرنا نذهب بشكل يومي لأخذ بعض الحصص المقدمة لنا من مجلس الناحية حيث تصلهم كميات من الأغذية عبر الطائرات من بغداد فيتم توزيعها علينا ولكنها لا تفي بالحاجة لقلتها»، موضحا «كنا نورد الخضار لكل مناطق العراق من مزارعنا التي استولى عليها مسلحو داعش لأنها تقع خارج المدينة.. وأصبحت مزارعنا خاوية بعد أن قتل معظم مزروعاتنا العطش بسبب عدم إمكانية الوصول إليها».
أم نبيل (45 عاما) قالت إن زوجها أصيب في إحدى المعارك وتم نقله إلى قاعدة عين الأسد القريبة ثم ترحيله بواسطة الهليكوبتر إلى بغداد و«أنا لا أعرف أخباره لكون المسلحين قطعوا حتى الاتصال عنا.. وأولادي يتضورون من الجوع والعطش ونعيش في مأساة حقيقية لم نشهدها من قبل فلا الحكومة تستجيب لمطالبنا في تأمين الغذاء والدواء ولا هي قادرة على إخراجنا من هذا الحصار المميت ولا هي جادة في حسم المعركة وطرد مسلحي داعش الذين يقتلون أبناءنا بشكل يومي».
أما صلاح أحمد (22 عاما) طالب في كلية التربية جامعة الأنبار قال: «تركت الدراسة الجامعية منذ عامين وأنا الآن أحمل السلاح دفاعا عن أهلي وناسي ومدينتي رغم أن هذا من واجب الحكومة والجيش ولكن ما شهدناه من بشاعة الجرائم التي ارتكبها مسلحو داعش بحق أهلنا في العراق وجعلتني أحمل السلاح وأقاتل بدلا من أن أكون في جامعتي». الشيخ مال الله برزان العبيدي رئيس المجلس البلدي لناحية البغدادي المحاصرة قال إن «ما يصلنا من مساعدات ومواد إغاثة لا يكفي وحجم سكان ناحية البغدادي 50 ألف مواطن فالكميات التي تصلنا خجولة جدا وأحذر من حلول كارثة إنسانية خصوصا بعد أن تم قطع الاتصالات في المدينة وأصبحت نداءات الاستغاثة لا يسمعها البعض». قبل مغادرتنا ناحية البغدادي المحاصرة سمعنا أصوات تفجير المولدات الكهربائية لباقي محطات مياه الشرب من قبل مسلحي «داعش» الذين يبعدون قرابة 50 مترا عن مجمع الحي السكني غرب المدينة، مما تسبب في قطع تام وكامل لآخر مصدر يغذي المدينة بالمياه الصالحة للشرب.