«التغيير المذهبي»... وسيلة الحوثيين لاكتساب القاعدة السكانية

TT

«التغيير المذهبي»... وسيلة الحوثيين لاكتساب القاعدة السكانية

تسابق ميليشيات الحوثي الزمن لإحداث تغيير ديموغرافي في مدينة صنعاء بأبعاد مذهبية لضمان بقاء وجود فاعل لها في المدينة ومساجدها، وتكوين قاعدة سكانية موالية لها، حيث تتوسع في نشر الفكر الطائفي وتعمل بدأب لإحداث تغيير مذهبي في المدينة وفي المحافظات الأخرى؛ حتى في تلك التي كانت عبر التاريخ الإسلامي تُحسب محافظات سنية.
وذكر سكان وعاملون في العقارات لـ«الشرق الأوسط» أن الميليشيات نقلت أسراً كثيرة من سلالة زعيمها أو من المنتمين إلى محافظة صعدة إلى صنعاء؛ حيث منحوا أراضي من ممتلكات الدولة أو من أراضي الوقف، كما أُعطي هؤلاء مبالغ مالية كبيرة بنوا بها فيلات وعمارات ضخمة، وأن من بين هؤلاء أسراً من السلالة ذاتها جرى نقلهم من تعز وإب واستقروا في جنوب المدينة، كما استقرت الأسر والمشرفون الذين نقلوا من صعدة في الأحياء الشمالية للمدينة والتي ظلت عبر سنين طويلة جيباً سلالياً مغلقاً حتى قبل الانقلاب على الشرعية.
وتؤكد إحدى المعلمات في صنعاء أن الميليشيات وبعد أن غيرت المناهج الدراسية للمراحل الدراسية الابتدائية وأدخلت قادتها ورموزها في تلك المناهج وتقدمهم على أنهم أبطال وطنيون، ذهبت نحو فرض أنشطة وفعاليات طائفية من خلال إرسال مجاميع من عناصرها العقائديين إلى المدارس الحكومية والخاصة للإشراف على فعاليات تمجد الفكر المذهبي الذي تعتنقه، وتنظم احتفالات يتم من خلالها تجسيد شخصيات قتلاها وقيادة ميليشيات «حزب الله» اللبناني، وأخيراً منعت المدارس الخاصة من إقامة برامج تقوية لطلبتها في المواد العلمية.
وتحدثت المعلمة لـ«الشرق الأوسط» بمرارة عن شكاوى أولياء الأمور من الأفكار المذهبية التي يجري تلقينها للطلبة في هذه السن المبكرة، وعن الجهود التي يبذلونها بصفتهم معلمين «لتوضيح الصورة للطلبة أثناء الحصص الدراسية، لكن الأمر مختلف في المدارس الحكومية، حيث عينت الميليشيات مديرين ومديرات من عناصرها العقائديين وعززتهم بمشرفين ومشرفات يتولون مهمة تنظيم الفعاليات المذهبية والفكرية، ومراقبة أداء المعلمين والطلبة، والتصدي لما يسمونه أي انحراف أو عدم التزام بما جاء في الكتب المدرسية وتعليمات الوزارة التي يقودها يحيى الحوثي شقيق زعيم الجماعة».
وفي محافظتي إب والحديدة تحدث معلمون وأولياء أمور عن سعي ميليشيات الحوثي لتغيير الاعتقاد المذهبي للطلبة والسكان من خلال المناهج الدراسية وخطباء المساجد والأنشطة المدرسية التي أصبحت تنفذ وفق تعليمات مركزية وفي مناسبات مذهبية تعمل من خلالها عناصر الميليشيات ومؤيدوها على تبجيل قتلى الجماعة وحلفائها في الخارج وتكريس المفاهيم والرموز المذهبية في مختلف المدارس والجامعات.
وقال أحمد صالح؛ وهو ولي أمر في محافظة إب، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك محاولات مستمرة للتغيير المذهبي، وإيجاد جيل من صغار السن يقدس رموز الميليشيات ومعتقداتها، ويحمل فكراً متطرفاً وعنيفاً، بينما باتت الأسر عاجزة، وتحاول بقدر استطاعتها إفهام أطفالها زيف ما يتلقونه في المدارس وما هو موجود في الكتب الدراسية».
ويشير عبد الله ناصر؛ وهو معلم في المحافظة، إلى أن الحوثيين «يسابقون أي اتفاق للسلام من خلال الرهان على إيجاد قاعدة شعبية أو مؤيدين للفكر الطائفي تحت أسماء زائفة؛ فمرة باسم (المقاومة)، وأخرى باسم (القضية الفلسطينية)؛ لأنهم يدركون أن الناس والمجتمع يرفضونهم».
ويعيد سياسي يمني كبير يقيم في صنعاء أسباب الأسلوب القسري الذي تنتهجه الميليشيات في التعامل مع المجتمع أو في فرض رؤاها من خلال مناهج التعليم والمساجد وفي المؤسسات الحكومية، إلى شعورها بأن «الناس لا تقبلها، وأن المجتمع يقاوم كل محاولاتها لفرض فكرها ورؤاها وتغيير ثقافة المجتمع».
وأكد هذا السياسي لـ«الشرق الأوسط»؛ طالباً عدم الإفصاح عن هويته، أن الحوثيين «على يقين أن أي اتفاق سلام سيجردهم من أدوات الإكراه والقوة، ولهذا يعملون بكل ما أوتوا من قوة على غرس أفكار الجماعة ورموزها لدى صغار السن لأنهم الأقل إدراكاً لهذا الفكر».
ووفق ما يراه السياسي الكبير؛ فإن «6 سنوات من الحرب والقمع لم تكن كافية لميليشيات الحوثي كي تصنع من زعيمها بالذات رمزاً وطنياً أو شخصية تحظى باحترام كبير على غرار ما فعله (حزب الله) في لبنان مع زعيمه»، وقال: «حتى محاولة إيجاد هالة من القداسة حول شخصية عبد الملك الحوثي فشلوا فيها، وأصبح الرجل محط تناول وسخرية من قطاع واسع جداً من الناس العاديين ومن النشطاء والسياسيين».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».