محمد القبلي... إعادة كتابة تاريخ المغرب وفق منهجية علمية

مؤسسة «منتدى أصيلة» تحتفي بمنجزه العلمي الأكاديمي

محمد القبلي... إعادة كتابة تاريخ المغرب وفق منهجية علمية
TT

محمد القبلي... إعادة كتابة تاريخ المغرب وفق منهجية علمية

محمد القبلي... إعادة كتابة تاريخ المغرب وفق منهجية علمية

أصدرت مؤسسة «منتدى أصيلة» المنظمة لمواسم أصيلة الثقافية الدولية كتاباً جديداً تحت عنوان: «محمد القبلي: صبر الباحث... وتجرد المؤرخ»، تضمن أعمالَ ووقائع اليوم الدراسي التكريمي الذي نظمته المؤسسة احتفاءً بالمنجز العلمي الأكاديمي، والمسار الجامعي الحافل الذي تدرج فيه المحتفى به المؤرخ الدكتور محمد القبلي، الذي تتسم أعماله، حسب محمد بن عيسى، أمين عام المؤسسة، بـ«الصرامة العلمية والنظرة الشمولية إلى الموضوعات التي خصها بأبحاثه التأسيسية»؛ الذي «تولى إعادة كتابة تاريخ المغرب على يد متخصصين، وفق مقاربة وآليات توافقية ومنهجية علمية مضبوطة».
وجاء الإصدار في 142 صفحة زينت غلافه لوحة تشكيلية لمريم السعودي (12 سنة)، وهي من براعم ورشة الفنون للأطفال في أصيلة التي تشرف عليها المؤسسة طوال العام. فيما جاءت محتوياته وفق الترتيب الذي قُدمت به العروض في جلسات يوم التكريم في «خيمة الإبداع» في يوليو (تموز) 2018، ضمن فعاليات الدورة الأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي.
وتوزعت مضامين الكتاب على ثلاثة محاور: الأول تناول مسار العميد القبلي، والثاني تناول منجزه الأكاديمي؛ فيما استعرض المحور الثالث مساره الوظيفي منذ تعيينه سنة 2005 مديراً للمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب.
كان الملك محمد السادس قد أوكل للعميد القبلي مهمة إعادة النظر في تاريخ المغرب، وكتابة فصوله ومراحله بروح علمية، بالاستفادة من تطور المناهج الحديثة في البحث التاريخي. ووفق هذا التوجه، أصدر المعهد مؤلفاً مرجعياً تركيبياً تجاوزت صفحاته 800 صفحة بأربع لغات. كما أصدر كتباً ودراسات وأبحاثاً قيمة، وترجمات ضمن مهام البحث المسندة للمعهد بإدارة القبلي، الذي أشرف على توجيه أعمال الباحثين بتفانٍ وتواضع واقتدار مشهود به على جمع الكلمة وتوحيد آراء ومواقف الباحثين في التاريخ، بتعدد مرجعياتهم ومصادر ومدارس تكوينهم وتقاطع انتظاراتهم.
وتلقى القبلي تعليمه في المغرب وفرنسا في جامعتي بوردو وباريس، حيث حصل على التبريز في الدراسات العربية والإسلامية سنة 1962 ما أهله للتدريس في جامعة محمد الخامس الفتية.
وحصل القبلي على دكتوراه الدولة في التاريخ من جامعة باريس - السوربون في عام 1984 بأطروحة عن «المجتمع والثقافة في العصر الوسيط». وتولى عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس (الرباط)، ورئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله (فاس)، وجامعة عبد المالك السعدي (تطوان).
واهتم القبلي في أبحاثه بالتاريخ الاجتماعي وقضايا المجتمع والدين والدولة في المغرب الكبير في العصر الإسلامي الوسيط.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.